عادت قضية انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم المرتكبة في ليبيا، بالإضافة إلى معضلة المرتزقة الأجانب المتواجدين في هذا البلد، إلى الواجهة، أمس الإثنين، وذلك خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، خصّصت للاستماع لإحاطة المحكمة الجنائية الدولية في هذا الشأن، وتطرقت إلى آلية المحاكمات الواجب اتباعها مع جميع المطلوبين والمتهمين، والذين لا يزال عدد كبير منهم بعيداً عن المحاسبة.
وخلال الجلسة، أكد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، الطاهر السنّي، على أحقية القضاء الليبي في مقاضاة جميع المتهمين المطلوبين للعدالة الليبية، فيما طالبت المحكمة الجنائية الدولية، الحكومة الانتقالية الليبية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، بضرورة تسليم المطلوبين إليها، محذرة المرتزقة والعسكريين الأجانب في ليبيا من ملاحقات قضائية قد تطلقها في حقّهم، معتبرة أن ذلك يمكن أن يدخل ضمن صلاحياتها.
حذّرت "الجنائية الدولية" المرتزقة والعسكريين الأجانب في ليبيا من ملاحقات قضائية قد تطلقها في حقّهم
وفي كلمة له أمام الجلسة، شدّد السنّي على قدرة بلاده على محاكمة المطلوبين لديها، مطالباً بدعم دولي، ومعتبراً أن نشاط "الجنائية الدولية" مكمّل لنشاط العدالة الليبية.
وقال مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة إنّ "القضاء الليبي ملتزم بضمان محاكمة عادلة ونزيهة لجميع المطلوبين"، وإن دور المحكمة الدولية "مكمّل لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب، خصوصاً بالنسبة لمن هم خارج سلطة الدولة".
وأضاف الدبلوماسي الليبي: "من هنا، أدعو كل الدول للتعاون مع السلطات القضائية الليبية، لإجراء التحقيقات اللازمة والمساعدة في تقديم المطلوبين للعدالة الوطنية"، مؤكداً أن بلاده شهدت خلال الآونة الأخيرة تطوراً إيجابياً على الصعيد السياسي وإنهاء أزمة الشرعية، والبدء في قيادة ليبيا نحو انتخابات وطنية نهاية العام الحالي (مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021).
وشدّد السني على حرص ليبيا على بناء دولة مدنية حديثة "من أهم أولوياتها إرساء مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، من خلال تفعيل مسار المصالحة الوطنية الشاملة، الذي يبدأ بإظهار الحقيقة والمصارحة وجبر الضرر".
وحول إنجاز السلطات الليبية، أشار السنّي، إلى أن وزارة العدل في الحكومة الليبية، كانت قد أطلقت سراح 78 سجيناً، بالإضافة إلى تبادل عدد من الأسرى جرى برعاية اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 (مؤلفة من وفدي حكومة الوفاق السابقة وقيادة مليشيات خليفة حفتر)"، مؤكداً استمرار الجهود في هذا الاتجاه.
وأقرّ السنّي باستمرار حصول حالات من انتهاك حقوق الانسان وجرائم الحرب والسجون السرّية والمحاكمات العسكرية خارج إطار القانون في ليبيا، موضحاً أن بلاده لا تزال تنتظر نتائج التحقيقات التي أجرتها المحكمة الجنائية الدولية في هذه القضايا، ومنها "المقابر الجماعية جنوب طرابلس، وبالقرب من العاصمة، وتحديد المتورطين فيها".
وتابع أنّ "الظروف التي انحدرت بالبلاد نحو الصراع، قد تخدم بعض المجرمين إلى حين، لكن هذا لا يعني إفلاتهم من العقاب، لأن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم"، داعياً المجتمع الدولي إلى دعم بلاده "من أجل استكمال توحيد مؤسسات الدولة وإصلاح القطاع القضائي".
أقرّ السنّي باستمرار حصول حالات من انتهاك حقوق الانسان وجرائم الحرب والسجون السرّية في ليبيا
من جهتها، دعت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، الحكومة الانتقالية الليبية إلى ضرورة توقيف كل المطلوبين للعدالة الدولية وتسليمهم للمحكمة، ومن بينهم سيف الإسلام القذافي، الذي ذهبت بنسودا إلى مطالبته بتسليم نفسه للسلطات الليبية.
وأكدت أن عدداً من المطلوبين منذ سنوات "لم تتم مساءلتهم حول الجرائم التي ارتكبوها، فيما لا يزال عدد منهم قابعاً في السجون". كما أكدت بنسودا "استمرار الجريمة والمعاملة غير الإنسانية في ليبيا على نطاق واسع"، مطالبة السلطات الليبية بضرورة إنهاء هذه الممارسات التي تتنافى مع القانون الدولي.
وتحدثت عن "معلومات حول الجرائم الخطرة في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية، ولا نزال نتلقى معلومات عن جرائم متواصلة واحتجاز عشوائي وقتل وتعذيب". وقالت بنسودا: "جمعنا معلومات وأدلة ذات صدقية حول جرائم خطيرة يشتبه في أنها ارتكبت في مراكز اعتقال رسمية وغير رسمية في ليبيا".
وقالت المدعية العامية التي يخلفها في المنصب منتصف يونيو/ حزيران المقبل المحامي البريطاني كريم خان: "أحضّ كل أطراف النزاع في ليبيا على التوقف فوراً عن إساءة معاملة المدنيين وعن ارتكاب جرائم بحقهم في مراكز الاعتقال".
وفي ما يتعلق بقضية المرتزقة الأجانب، حذّرت المدعية العامة في الجنائية الدولية، من أنهم مع العسكريين الأجانب المنتشرين في ليبيا، قد يصبحون عرضة لملاحقات قضائية قد تطلق بحقّهم، موضحة أن "مكتب المحكمة تلقى معلومات مثيرة للقلق حول أنشطة مرتزقة ومقاتلين أجانب في ليبيا"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وتابعت بنسودا أن "الجرائم التي يرتكبها مرتزقة ومقاتلون أجانب على الأراضي الليبية يمكن أن تدخل ضمن صلاحيات المحكمة، أياً تكن جنسية الأشخاص الضالعين فيها".
وبحسب الأمم المتحدة، لا يزال أكثر من 20 ألف شخص بين مرتزقة وعسكريين أجانب منتشرين في ليبيا، بينهم عسكريون أتراك، ومرتزقة روس، وسودانيون وتشاديون، فيما يبلغ عدد المعتقلين عشوائياً في 28 سجناً رسمياً ليبياً، بحسب المنظمة الدولية، 8850 شخصاً، يضاف إليهم 10 آلاف معتقل، بينهم نساء وأطفال في مراكز تابعة لفصائل مسلّحة.