تقترب جهود مجلسي النواب والدولة الليبيَّين للتوافق على أساس دستوري للانتخابات من الفشل، في وقت بدأت تلوح في الأفق ملامح توجُّه أطراف دولية لفرض رؤية بديلة لإقرار الأساس الدستوري من أجل إجراء الانتخابات خلال العام الجاري.
وبعد أن أحال مجلس النواب تعديل الإعلان الدستوري (الدستور المؤقت)، الذي أقرّه خلال جلسته يوم السابع من فبراير/ شباط الحالي، على مجلس الدولة للموافقة عليه، فشل الأخير في عقد أكثر من جلسة للتصويت عليه، بعد اختلاف كبير بين أعضائه إزاء بعض البنود.
وأكدت عضو مجلس الدولة نعيمة الحامي لـ"العربي الجديد"، أنّ الاستعدادات جارية لعقد جلسة يوم غد الخميس، لعرض مشروع التعديل للتصويت، بعد عدة جلسات لمناقشته بدأت الأحد الماضي، لكنها أكدت "تزايد الخلافات بين أعضاء المجلس حوله"، حيث إنّ "أغلب الأعضاء يريدون إبطال التعديل، فيما يؤيد البعض إقراره، لكن مع بعض التعديلات"، وفق تصريحها.
وشكّل المجلس لجنة مكونة من أربعة أعضاء لجمع ملاحظات الأعضاء حول مضمون التعديل الدستوري لطرحها للنقاش خلال جلسة يوم غد، قبل التصويت لإقرار التعديل من عدمه، وفقاً لمصادر مقربة من مجلس الدولة، أفادت بأنّ غالبية الأعضاء سلّمت اللجنة ملاحظات تسير في اتجاه رفض التعديل، على الرغم من ميل رئيس المجلس خالد المشري وبعض الأعضاء، لتمريره، مرجحة أن تنتهي جلسة الغد دون تصويت بسبب الاختلاف الواسع داخل المجلس.
وفي مؤشر آخر على رغبة المشري في إقرار التعديل، كشفت الحامي في حديثها عن اعتراف المشري، خلال جلسة مجلس الدولة الأخيرة، بعد ضغط من أعضاء المجلس، بأنه أرسل عضوين من المجلس للمشاركة في جلسة مجلس النواب التي أُقرّ فيها التعديل على الإعلان الدستوري، مؤكدة أنّ ذلك حصل دون علم الأعضاء.
وعبّرت الحامي عن استغرابها إقدام مجلس النواب على إجراء تعديل على الإعلان الدستوري، وقالت: "نحن أنجزنا قاعدة دستورية في مجلس الدولة، ولا يوجد سوى خلاف بسيط عليها يتعلق بترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين. وهاتان النقطتان أُحيلتا على رئيسي المجلسين اللذين قررا أن يحال البتّ فيهما من خلال القوانين الانتخابية"، متسائلة عن الهدف من وراء إقرار التعديل في هذا الوقت، معبرة عن مخاوفها من أنّ رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أراد من خلال التعديل، توسيع صلاحيات الرئيس، وكذلك تحويل مجلس الشيوخ، الذي يشكل الغرفة الثانية من المجلس التشريعي المقبل، إلى جسم استشاري فقط.
آلية أممية بديلة
وحول البديل إذا ما فشل المجلسان في إقرار الأساس الدستوري للانتخابات، قالت الحامي إنّ المبعوث الأممي عبد الله باتيلي "يعمل على آلية قد تسير به لتشكيل لجنة حوار جديدة، لكنه لن يتخطى مجلسي النواب والدولة عند تشكيلها، وقد يعطي صلاحيات كبيرة للجنة الحوار، تسمح لها بتشكيل حكومة، وقد تصل لوضع قوانين انتخابية"، مشيرة إلى أن تلك اللجنة ستتشكل من 15 عضواً من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة، وأيضاً 15 من خارج المجلسين.
وتتوافق تصريحات الحامي مع ما كشفت عنه مصادر عربية مقربة من مجلس الدولة، حول مضمون الملاحظات التي وصلت إلى رئاسة مجلس الدولة من الأعضاء المعترضين على إقرار التعديل الدستوري، فقد توافقت معلومات المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، على أنها تركزت على محاولة مجلس النواب إعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الدولة المقبل من خلال نصوص التعديل، مثل تمثيل الدولة بشكل واسع، بما فيها عقد الاتفاقيات الدولية، وتعيين رئيس الحكومة وإقالته، ومنحه منصب القائد الأعلى للجيش، بل ومنحه صفات تتيح له التدخل لوقف إصدار بعض القرارات والقوانين التشريعية، مشيرة إلى أن مجلس النواب يحاول بذلك تحصين رئيس الدولة وحمايته، ليبقى لمدة أطول لتمديد فترات الانتقال السياسي.
وكشفت المصادر النقاب عن مطالبة قرابة العشرين عضواً بالمجلس، بتدخل المجلس الرئاسي لصياغة الأساس الدستوري للانتخابات كأحد البدائل لتجاوز فشل مجلسي النواب والدولة في إنجاز ذلك.
ويطمح مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح لأن يصوت مجلس الدولة بالموافقة على التعديل، ليكون أساساً دستورياً للقوانين التي ستجري وفقها الانتخابات، لكن تعثر مجلس الدولة في إقراره دفع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلى إعلان استعداد مجلسه التعاون مع المؤسسات التشريعية لوضع إطار دستوري لإنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقاً لـ"آليات بديلة لتحقيق تطلعات الشعب في اختيار قيادته"، بحسب تغريدة على حسابه، ليل الاثنين الماضي.
وسبق أن لوّح باتيلي، خلال إحاطة لمجلس الأمن، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، باللجوء إلى الآليات البديلة، وأعقبها تحذير من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، لمجلسي النواب والدولة بإمكانية إيجاد "آليات بديلة" إن لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات.
انسداد سياسي
ويرى عضو حزب "الإصلاح الوطني" مختار ثبوت، أنّ فشل مجلس الدولة في عقد جلسة لإقرار التعديل من عدمه، يمثل معطىً واضحاً على فشل مسار اعتماد التعديل الدستوري كأساس دستوري للانتخابات، مرجحاً ألا يعلن مجلس الدولة رفضه للتعديل، بقدر ما سيعلن تمديد الجلسات وتفريع اللجان لدراسته قبل إقراره.
وقال ثبوت متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إنّ "هدف رئاستي المجلسين وضع مشروع التعديل عثرة أمام جهود البعثة الأممية وأطراف دولية يبدو أنها حددت للمجلسين وقتاً معيناً للتوافق على قاعدة دستورية. ونشاط المجلسين أخيراً هدفه البقاء ليس إلا، فلن ينجزا الأساس الدستوري ولن يسمحا للمجتمع الدولي بالتدخل باعتبار مشروع التعديل لا يزال منظوراً".
ويرجّح ثبوت استمرار الانسداد السياسي، مضيفاً أنّ "مجلس النواب نجح في توريط الداخل والخارج في عقبات لا يمكن تجاوزها، فما تجري مناقشته في مجلس الدولة تمّ فعلياً تضمينه في الإعلان الدستوري وأصبح نافذاً"، موضحاً أنّ "عقيلة صالح نجح في نقل الخلافات إلى مساحات جديدة، وركزها في صلاحيات رئيس الدولة المقبل، وغاب معها الخلاف حول شروط ترشح الرئيس، خصوصاً شرط ازدواج الجنسية ووظيفة العسكريين".
وفي المقابل، لا يرى الأكاديمي الليبي وأستاذ العلوم القانون الدستوري أحمد العاقل، أي دستورية لتعديلات مجلس النواب على الإعلان الدستوري دون موافقة مجلس الدولة، استناداً إلى الوثائق السياسية المسيّرة للمرحلة، ومنها اتفاق الصخيرات، وخريطة طريق جنيف، اللذان ينصان على المشاركة بين المجلسين في إقرار القوانين والقرارات، مشيراً إلى أن مجلس النواب فشل في الكثير من المرات في تمرير قراراته منفرداً.
ويرى العاقل في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "فشل مجلس الدولة في إقرار التعديل الدستوري سيمكّن باتيلي والعواصم الغربية من فرض أي حل، حتى وإن كان يشبه مبادرة تشكيل لجنة حوار سياسي سبق أن شكلتها البعثة الأممية، فالمهم في الآونة الحالية بالنسبة إلى الخارج أن توجد في هياكل الدولة سلطة واحدة يمكن أن تتعامل مع المخاوف الأميركية والأوروبية مما ترتب عن الأزمات الدولية، ومنها التوغل الروسي في ليبيا، وإمكانية أن تتحول ليبيا إلى ورقة ضغط بيد موسكو".
ويشير العاقل إلى أن فشل المجلسين في إقرار أساس دستوري، يتزامن مع عزم واشنطن على عقد لقاء دولي بشأن ليبيا غداً الخميس، بمشاركة عدد من الدول المعنية بليبيا، ويقول: "اللقاء سيسبق إحاطة باتيلي التي يعتزم تلاوتها أمام مجلس الأمن الأسبوع المقبل، ويمكن أن تتضمن انعكاساً لمضمون لقاء واشنطن، خصوصاً أنه لوّح في الكثير من المرات بإمكانية لجوئه إلى آليات بديلة"، معتبراً أن كل ذلك سعي في طريق تحصين مشروع تلك الدول الغربية بقرارات أممية لتضييق الخيارات أمام خصومها، ولا سيما موسكو.
وعن إمكانية أن يكون المجلس الرئاسي أداة البعثة الأممية والمجتمع الدولي ليكون بديلاً لتمرير أي مشروع لإنجاز الانتخابات بعيداً عن صراع مجلسي النواب والدولة، يعتبر العاقل أن ذلك ممكن، "خصوصاً أن أعضاء من مجلس الدولة هم من طالبوا بذلك، كذلك هناك أطياف سياسية، منها أعضاء بمجلس النواب، يمكن أن تطالب بذلك إذا تبنت الأمم المتحدة المجلس الرئاسي كآلية بديلة من مجلسي النواب والدولة، ولأنه الطرف الوحيد الذي لا يميل لأي من المجلسين أو لأي طرف سياسي".
ويلفت العاقل إلى استشعار الداخل الليبي لدور محتمل للمجلس الرئاسي، ومنه سعي الكثير من القوى السياسية والأحزاب للقائه، وقبلها سعي هذه القوى لتشكيل تكتلات سياسية، استباقاً للأوضاع المقبلة، ومن أجل خوض غمار الانتخابات.
وفي مطلع سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت ثمانية أحزاب، منها حزبا "تحالف القوى الوطنية"، و"العدالة والبناء"، تأسيس شبكة تواصل، وقبل ذلك، في مايو/ أيار 2022، أُعلن تأسيس "تجمع الأحزاب الليبية" من 24 حزباً.