يصف المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في مقابلة مع "العربي الجديد" من نيويورك، اللحظة الحالية في الملف اليمني بأنها في غاية الأهمية. ويشدد على ضرورة تضافر كل الجهود واغتنام الفرصة والنافذة المتاحة لتحقيق تقدم في الملف اليمني، على أمل إنهاء الصراع.
وتأتي زيارة المسؤول الأميركي إلى نيويورك لعقد اجتماعات ومباحثات حول اليمن، على هامش اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى، والتي يحضرها قادة العالم وكبار المسؤولين.
* الكثير يدور في اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى في نيويورك. ما الذي تتمنون الخروج به من هنا؟
لدينا أمل في ما يخص مشاركتنا في الاجتماعات التي تجري على هامش اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى بشأن اليمن. وتحتل قضية اليمن أهمية على الرغم من وجود الكثير من القضايا المهمة والمركزية التي تُناقش. وإذا نظرنا إلى اجتماع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي (الاثنين الماضي) نلاحظ أن موضوع اليمن كان حاضراً بقوة، خصوصاً أن قضية اليمن أصبحت ملحّة أكثر، ونعتقد أن السبب يعود لوجود لحظة، أو فرصة للسلام، التي لم تتح لنا خلال السنوات الثماني للحرب.
ليندركينغ: تم اتخاذ خطوات لبناء الثقة وأطراف النزاع يتحدثون مع بعضهم البعض
والإدارة الأميركية، والتي كانت تركز أصلاً على قضية اليمن، تستغل الفرص المتاحة حالياً، وجمع الخيوط للدفع نحو سلام دائم في اليمن، حيث كما تعلمون، زار وفد حوثي رفيع المستوى الرياض، كما شهدنا في إبريل/نيسان الماضي عملية كبيرة لتبادل الأسرى. وجاءت إلى نيويورك (اجتماعات الجمعية العامة) كذلك قيادات الحكومة اليمنية، رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وأتى معه، في تطور جديد، واحد من نوابه (رئيس المجلس الانتقالي) عيدروس الزبيدي. كما التقيا بوزير الخارجية الأميركي (الاثنين الماضي)، وكانت لديه الفرصة للحديث معهما عن أهمية وحدة مجلس القيادة الرئاسي، وعن التزام الولايات المتحدة بإنهاء الصراع، والمسؤولية التي تقع على عاتق الحكومة اليمنية للمضي قدماً في مواقف توافقية، من شأنها أن تسمح للحكومة اليمنية بأن تكون في نهاية المطاف جزءا من مفاوضات يمنية - يمنية بشأن مستقبل اليمن، وهذا هو ما نريد الوصول إليه في نهاية المطاف.
* هل يمكن أن تحدد ما هي المعوقات الرئيسية التي تحول دون التوصل إلى حل، أو جمع الأطراف اليمنية معاً؟
قبل أن أتحدث عن المعوقات، أريد أن يدرك الجميع الفرصة التي أمامنا هنا. عندما انتهت الهدنة بدون تجديد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ولم نرَ عودة إلى الاقتتال، ولم تستأنف الهجمات عبر الحدود، وتستمر فترة خفض التصعيد منذ 18 شهراً، وأعتقد أن هذا يترك أثره على الناس وبشكل إيجابي. كما خلقت بيئة يمكن من خلالها إجراء اتصالات عبر الخطوط المتحاربة، وإنجاز أشياء لم يكن من الممكن تصورها قبل عام، وحتى خلال فترة الهدنة. وهذا يظهر التزاماً من السعودية ومن الحكومة اليمنية بإنهاء الصراع، وكذلك انفتاح الحوثيين على تسوية عن طريق التفاوض. ولا ندري إلى متى ستكون هذه النافذة مفتوحة، ولذلك من الضروري انتهازها الآن.
(فيما يخص المعوقات) الوضع في اليمن معقّد، إنها حرب أهلية، وصراع، بالإضافة إلى قضايا اقتصادية وسياسية تلاحق هذا البلد لسنوات، ولم يتم حلها من قبل أي قيادة، وهناك فرصة من خلال الحوار الآن لمعالجة هذه الصراعات.
ليندركينغ: نأمل أن يكون للاتفاق السعودي الإيراني أثر إيجابي في اليمن
وتحدّث العليمي، خلال لقائه مع وزير الخارجية، حول الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الحكومة اليمنية. ومن جهتنا نجري محادثات مع المؤسسات المالية الدولية، وما يمكن عمله لمساعدة اليمن للعودة والوقوف على رجليه. ومركزية هذه النقطة قدرات اليمن من الموارد الطبيعية كالغاز والنفط. ألن يكون رائعاً، عندما نتحدث عن الفصل التالي من اليمن، أن يكون من الممكن إعادة تشغيلها، وهذا سيناريو لم يكن متاحاً في السنوات الثماني الماضية.
*هل يعني هذا أنكم تتوقعون تحقيق اختراق قريباً، هل هناك مدة زمنية معينة؟ هل تشعر بتفاؤل؟
لا يمكننا التنبؤ... أرى أموراً لم تكن موجودة من قبل، وغير ذلك، تم اتخاذ خطوات لبناء الثقة لأن أطراف النزاع يتحدثون مع بعضهم البعض. لا يمكن الوصول لمرحلة يطلق فيها سراح 900 سجين من دون أن يكون هناك استعداد عند السعوديين والحكومة والحوثيين لتقديم التنازلات، حتى لو كان ذلك بمساعدة بعض الأطراف الخارجية. ولا يمكن التوصل لاتفاق، وتفريغ 1.1 مليون برميل من النفط من ناقلة "صافر" في منطقة صراع لو لم تتفق فيها الأطراف. وطبعاً لا ندري إلى أين ستؤدي الاتصالات بين الحوثيين والسعوديين، وما ستؤدي إليه كل واحدة من هذه الجولات، لكن حقيقة وجود مفاوضات ومحادثات جزء مما أعتقد أنه يمنحنا بعض الأمل.
*هل ترون أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وحتى الاتفاقات التي توصلت لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع إيران أخيراً (حول الأموال المجمدة وصفقة السجناء)، وإن كانت منفصلة عن اليمن، لها انعكاس إيجابي على الأرض في اليمن؟
لقد لعبت إيران على وجه الخصوص دوراً سلبياً في اليمن. ما نأمله ونعول عليه، أن يكون للاتفاق السعودي الإيراني الذي تم التوصل إليه الربيع الماضي، أثر إيجابي في اليمن. وأن يتوقف تهريب المواد غير المشروعة، والتي تنتهك قرار مجلس الأمن، من إيران إلى اليمن، والتي تغذي الحرب. وأن يحث الإيرانيون الحوثيين على التفاوض للتوصل لحل وعدم العودة إلى الحرب. هذان معياران مهمان، نبحث فيهما عن نتائج (ملموسة) والسعوديون كذلك. ونريد أن نرى سلوكاً إيرانياً آخر وأفضل فيما يتعلق بهذا الصراع. هناك طرق ملموسة يمكن للإيرانيين من خلالها القيام بذلك.
وفي الوقت ذاته بالنسبة لنا، سواء من خلال لقاءات الوزير (بلينكن) أو سفري إلى المنطقة ودول مجلس التعاون الخليجي، للتأكد أن الجميع على نفس الصفحة ونتائج تدعم الحكومة اليمنية. والحوار اليمني ـ اليمني ضروري للغاية.
* إذا نظرنا للوضع الاقتصادي والإنساني فإن هناك الكثير من التحديات. ما الذي ترى أنه من الضروري القيام به لتسهيل القضايا الإنسانية، وكذلك الاقتصادية، إلى حين إيجاد حل، فهناك تشابك في المجالين، والشعب اليمني هو من يعاني ويدفع الثمن؟
في نهاية المطاف، لن يتم حل الأزمة الإنسانية في اليمن ما لم يكن هناك اتفاق سلام. ويمكن أن يأتي الوقت في المستقبل ويقدم فيه المانحون دعماً (أكبر) للمساعدات الإنسانية في اليمن، حيث لم يتم تمويل نداء الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية إلا بنسبة ثلاثين في المائة، مما يجعل الولايات المتحدة، وتقديمها 665 مليون دولار لصندوق المساعدات الإنسانية، المانح الأكبر لهذا العام. ونريد أن تُقدم دول أخرى على تقديم المساعدات... ولكننا ندرك أيضاً أن هناك عوامل اقتصادية، دفعت هذا الصراع لمدة ثماني سنوات، ويجب معالجتها. وتتعلق في المقام الأول بتقسيم الموارد وتقاسم الإيرادات.
وفي حوار يمني- يمني يمكن معالجة هذه الأمور بصورة لم تتم خلال السنوات الماضية. ولذلك ندفع بقوة من أجل التحول للانتقال إلى عملية تقودها الأمم المتحدة وتشتمل على عنصرين رئيسيين: وقف إطلاق نار دائم، وبهذا تؤخذ الإيجابيات من الهدنة وجمع للجان العسكرية، والذي حدث بالفعل، حيث التقى ممثلون عسكريون سعوديون وحوثيون وعن الحكومة اليمنية، عندما بحثوا حيثيات عمل وقف إطلاق النار. ثم إذا أضفنا لذلك بداية المحادثات اليمنية - اليمنية، سيكون لدينا بالفعل شيء ما في تلك المرحلة، وهذه يعطي إشارة مهمة للمنطقة والمجتمع الدولي، والأهم من ذلك للشعب اليمني، بأن هذا مجهود حقيقي وسيأتي بنتائج.
*هل هناك أي خطوات، قصيرة المدى يمكن اتخاذها على الصعيد الاقتصادي إلى حين التوصل لاتفاق، يمكن أن تخفف من معاناة اليمنيين؟
إحدى الخطوات الأساسية هي قضية دفع الرواتب للمدنيين الذين لم يحصلوا على رواتبهم لسنوات. ويريد الطرفان، الحوثيون والحكومة اليمنية، رؤية ذلك. وأعتقد أن السعوديين يحاولون المساعدة وطرح بعض الأفكار على الطاولة حول كيفية معالجة هذه المسألة. وهذه أولوية، ونريد أن يحصل الناس على رواتبهم لزيادة القوة الشرائية في اليمن، لكي يتمكن الناس من شراء البضائع في الأماكن التجارية المتاحة والتحول من الاعتماد على المساعدات.
وفي الوقت ذاته النشاط التجاري الطبيعي. لليمن موانئ مذهلة في الجنوب وعلى الساحل الغربي، ويجب استخدامها بشكل كامل وهو غير حاصل حالياً... وكما ذكرت اليمن لديه نفط وغاز وستكون العمود الفقري لإنعاش الاقتصاد اليمني... يتعين على الأطراف القيام ببعض العمل الشاق لتحقيق ذلك.
*فيما يخص ناقلة "صافر" للنفط، تم تأمين أغلب الأموال ونقل النفط إلى ناقلة أخرى. ما هي الخطوات المقبلة؟
من الضروري أن نستوعب هذا الإنجاز، حيث تم نقل 1,1 مليون برميل نفط من ناقلة قديمة إلى ناقلة أخرى... ولو تسرب النفط لكان لذلك تبعات وتدمير للنظم البيئية وصيد الأسماك في اليمن وتأثير عالمي... أعتقد أن التهديد البيئي قد تم استبعاده الآن، من خلال اتحاد عناصر مختلفة من المجتمع الدولي، ونشطاء البيئة، وحكومات، والقطاع الخاص، وبلدان بعيدة جغرافياً عن اليمن ككوريا الجنوبية، اليابان، كندا، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة... ونحن هنا في الجمعية العامة، وهناك قائمة طويلة من الأمور الشائكة، أفغانستان وأوكرانيا وغيرها، وهذه واحدة من الأمور التي تمكنا من حلها.
ليندركينغ: لن يتم حل الأزمة الإنسانية في اليمن ما لم يكن هناك اتفاق سلام
وما زالت هناك بعض الأمور من بينها التخلص من السفينة القديمة والتي يجب سحبها أو إعادة تدوير أجزاء منها. كما يجب التوصل لاتفاق حول كيفية التعامل مع النفط. ولا تزال الأمم المتحدة تحتاج 22 مليون دولار لإنهاء العملية. وهذه إحدى النقاط التي نتطرق لها هنا في اجتماعاتنا على هامش الجمعية العامة.
نبذة عن تيم ليندركينغ
*عين تيم ليندركينغ مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى اليمن في فبراير/شباط 2021. وهو نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الخليج العربية، مكتب شؤون الشرق الأدنى. وكان عمل قائماً بأعمال السفارة الأميركية في السعودية بين عامي 2013 و2016، ومديراً لمكتب باكستان في وزارة الخارجية الأميركية بين 2010 و2013. كما كان للرجل دور بارز في العاصمة العراقية بغداد، مع عمله مستشاراً في السفارة الأميركية هناك، ثم مستشاراً سياسياً لقائد القوات متعددة الجنسيات في العراق، الجنرال تشارلز جاكوبي.
*عمل أيضاً مستشاراً اقتصادياً وقائماً بأعمال السفارة الأميركية في الكويت، ومستشاراً سياسياً في السفارة الأميركية في الرباط، بين 2002 و2006. وكان ليندركينغ بدأ عمله في وزارة الخارجية الأميركية عام 1993، بعد سنوات من عمله في قطاع اللاجئين مع منظمات المجتمع المدني الأميركي والأمم المتحدة، في نيويورك الأميركية، والسودان، وباكستان، وأفغانستان، وتايلاند.
*حاصل على الماجستير في التاريخ والعلاقات الدولية من جامعة واشنطن في 1989، وحصل أيضاً على تنويهات عدة أثناء خدمته في العراق.