ظهر غياب بعض أهم الملوثين الكبار عن مؤتمر المناخ السادس والعشرين الذي افتتح أعماله في غلاسكو، كمؤشر مبكر على ضعف الالتزامات بالقرارات الصادرة عنه.
وكان من المفترض أن تكون المناسبة أشبه بتظاهرة عالمية، على الأقل في حجم الحضور ومستوياته، نظراً لأهميته على المستوى الكوني، ولا سيما في ظل ظهور علامات التدهور المناخي. علماً أنّ قرارات المؤتمرات السابقة قد بقيت في سياق الأمنيات إجمالاً.
أما المواعيد التي حددتها للبدء في خفض نسبة انبعاثات أوكسيد الكربون، فقد باتت قاب قوسين أو أدنى دون ترجمة العواصم المعنية والغنية لتعهداتها المالية، وخطواتها الانتقالية إلى عالم الطاقة النظيفة. ويبدو أنّ الدول الكبرى تولي أهمية للمصلحة الآنية على حساب مستقبل المصلحة البشرية، وذلك وفقاً لما تبيّنه الأرقام والسياسات المتبعة.
وأسهب الرئيس الأميركي جو بايدن، في خطابه أمام المؤتمر في غلاسكو، في الحديث عن المخاطر المصيرية للتلكؤ في تطبيق توصيات اتفاق باريس لعام 2016 والاستمرار بالتعويل على مصادر الطاقة الأحفورية، وهو جاد وصادق في ما يقول، إلا إذا مسّ ذلك بأولوياته السياسية.
وارتضى بايدن على ما يبدو النزول عند رغبة السيناتور الديمقراطي جو مانشين في التخلّي عن بند الاستبدال التدريجي لهذه الطاقة في مشروعه للبنية التحتية، لأنه بحاجة إلى صوت السيناتور لتمرير هذا المشروع.
مانشين من ولاية يُعتبر الفحم الحجري المستخدم لتوليد الكهرباء إحدى أهم صناعاتها، علماً أن الفحم يعد من أكثر مصادر ثاني أوكسيد الكربون، المسؤول أساساً عن سخونة المناخ.
والمعروف أيضاً أنّ الصين تحتل المرتبة الأولى في التلوث، حيث أنتجت 10,2 مليارات طن كربون عام 2019 (ضعف ما أنتجته أميركا)، لأنها الأولى في استخدام الفحم، فيما تعتزم زيادة التعويل على الفحم في توليد الكهرباء.
وطلبت السلطات الصينية في الآونة الأخيرة إعادة تشغيل مناجم الفحم التي كان قد سبق إقفالها؛ بسبب حاجتها المتزايدة إلى الكهرباء اللازمة لمصانعها، مع أن بكين سبق أن تعهدت بخفض انبعاثات الكربون، إلا أن أولوياتها الأهم تبقى في استمرار آلاتها الصناعية الهائلة على حساب الاحتباس الحراري في المستقبل المنظور.
أما الهند، فتعتمد ذات التوجه الذي تعتمده الصين. تعد نيودلهي ثالث مصدر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم، مع إنتاجها 2,6 مليار طن، حسب إحصاءات عام 2019، حيث تستخدم الفحم في توليد 70% من حاجتها للكهرباء.
ومن المتوقع أن يحملها تناقص مخزون الفحم إلى البحث عن المزيد من إمداداته في الأسواق الأجنبية لتلبية حاجة اقتصادها المنتعش للمزيد من الطاقة الكهربائية.
وعلى النمط نفسه تسير روسيا، رابع ملوث في العالم، وذلك بإنتاجها 1,5 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون، إذ تحرص على استمرار الأسواق مفتوحة أمام بيع النفط والغاز والفحم، باعتبارها أحد المنتجين الكبار.
وتأتي أهمية هذا المؤتمر في وقت بلغت فيه نسبة الانبعاثات رقماً قياسياً لأول مرة بواقع 43 مليار طن في 2019. لكن بالرغم من ذلك، لا تبدو الصورة واعدة، حيث سبق أن أعلن اتفاق باريس أنه ينوي ضبط السخونة بحدود 1,5 إلى درجتين مئويتين طوال القرن الحالي.
وفي حال بقاء كميات الكربون بالحجم الحالي، يتوقع الخبراء أن ترتفع درجة الحرارة خلال الباقي من القرن إلى 3,7 درجات مئوية. وهذا رقم تترتب عليه تداعيات بيئية خطيرة يصعب تغيير مسارها حسب تحذيرات العلماء.
ولتجنب هذا الوضع وضبط الارتفاع في الحدود المرغوبة؛ أي درجتين مئويتين، يتطلب حسب اتفاق باريس، وقف بناء محطات عاملة بالفحم لتوليد الكهرباء وخفض أوكسيد الكربون بمقدار 25% قبل حلول 2030 إلى صفر مع 2050. وتعد المدة الباقية قصيرة، إضافة إلى قصور الترتيبات حول ذلك.
وتتوزع ما نسبته 80% من الطاقة المستخدمة في العالم لتوليد الكهرباء بين النفط والغاز والفحم. وتنتج الدول العشرين الغنية التي ما زال كبارها يعولون على هذه الطاقة ما نسبته 75% من الانبعاثات في العالم، فيما تسبب باقي الدول التي لا تملك الإمكانات لتمويل عملية التحول إلى الطاقة النظيفة ما نسبته 25%.
في المؤتمر السابق، خُصِّصَت مئة مليار دولار سنوياً للمؤتمر للتمكين من النهوض بمهمة التحول إلى الطاقة النظيفة، إلا أنه حتى الآن لم يصل إليه أي شيء منها، فيما يرجَّح أن يحسم المؤتمر الحالي أمر وضعها قيد التنفيذ في 2023.
وارتفعت السخونة العالمية إلى 1,1 درجة مئوية عمّا كانت عليه قبل العصر الصناعي في أواسط القرن التاسع عشر، فيما يهدد تجاوزها إلى أكثر من درجتين بكوارث ناجمة عن الجفاف والفيضانات والشح في الموارد وما يترتب عن ذلك من فوضى وهجرات واختلالات، وربما حروب، ومع ذلك تبقى للسياسة الكلمة الفصل والمتقدمة على سلامة الكوكب.
وأعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ، أنّ بلاده ليس بوسعها الوفاء بتوصيات مؤتمر باريس قبل 2060. والخطاب نفسه تقريباً يتردد في الكونغرس وأوساط المحافظين الرافضين لأي ضوابط، إذ يرون فيها قيوداً على الاقتصاد الأميركي من شأنها تمكين الآخرين من التفوق على أميركا.