مؤسستان أميركيتان: إسرائيل تعمدت منع المساعدات الإنسانية إلى غزة

25 سبتمبر 2024
جنود من جيش الاحتلال قرب شاحنة مساعدات في معبر كرم أبو سالم، 14 مارس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

خلصت السلطتان الرئيسيتان للحكومة الأميركية بشأن المساعدات الإنسانية، إلى أن إسرائيل تعمدت منع تسليم الغذاء والدواء إلى غزة، وذلك بحسب ما نشرته مؤسسة الأخبار الأميركية غير الربحية بروبابليكا (ProPublica). وبحسب ما ذكره الموقع، فقد قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تقييمها إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، كما أبلغ مكتب اللاجئين التابع لوزارة الخارجية موقفه لكبار الدبلوماسيين في أواخر إبريل/ نيسان الماضي، وكان استنتاجهما مهما من الناحية القانونية، لأن القانون الأميركي يتطلب من الحكومة قطع شحنات الأسلحة إلى البلدان التي تمنع تسليم المساعدات الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة.

وتعتمد إسرائيل في الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة إلى حد كبير على الأسلحة الأميركية، وتمنح الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية حوالي 3.8 مليارات دولار سنويا، كما تضاعفت هذه المبالغ خلال هذا العدوان. ورفض وزير الخارجية وإدارة الرئيس جو بايدن قبول أي من الاستنتاجين، وقدم بلينكن بيانا إلى الكونغرس لرفض النتائج في مايو/ أيار الماضي، قال فيه: "نحن لا نقدر حاليا أن الحكومة الإسرائيلية تحظر أو تقيد بأي شكل نقل أو تسليم المساعدات الإنسانية الأميركية".

وحصل الصحافي بريت مورفي، على نسخة من المذكرة المفصلة من 17 صفحة، التي أرسلتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى بلينكن حول سلوك إسرائيل، ووصفت المذكرة حالات التدخل الإسرائيلي في جهود الإغاثة، بما في ذلك قتل عمال الإغاثة، وقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات، ورفض دخول الشاحنات المحملة بالطعام والأدوية بشكل روتيني.

وكتب مسؤولو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في المذكرة، أنه "بسبب سلوك إسرائيل، يجب على الولايات المتحدة إيقاف مبيعات الأسلحة الإضافية إليها". كما حصل موقع بروبابليكا على قائمة الأدلة التي استشهد بها المسؤولون لدعم نتائجهم. وقالت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تقودها الدبلوماسية سامانثا باور -وفقا للمذكرة- إن المجاعة الوشيكة في غزة كانت نتيجة "الإنكار التعسفي والقيود والعقبات الإسرائيلية للمساعدات الإنسانية الأميركية". وفي الوقت ذاته، قالت إن حركة حماس الفلسطينية لعبت أيضا دورا في الأزمة الإنسانية.

وتعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تتلقى التوجه السياسي العام من وزير الخارجية، وكالة مستقلة مسؤولة عن التنمية الدولية وإغاثة الكوارث. وخلصت الوكالة إلى أن الأزمة في غزة هي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم. وأشارت المذكرة إلى أنه تم تخزين غذاء يساهم في إنقاذ أهل غزة على بعد أقل من 30 ميلا عبر الحدود في ميناء إسرائيلي، بما في ذلك كمية من الدقيق تكفي لإطعام نحو 1.5 مليون فلسطيني لمدة خمسة أشهر، ولكن في فبراير/ شباط، حظرت الحكومة الإسرائيلية نقل الدقيق، لأن المتلقي هو فرع الأمم المتحدة الذي اتهمته إسرائيل بإقامة علاقات مع حماس.

وبشكل منفصل، قال مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية أيضا إن إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية إلى غزة وإنه يجب تفعيل قانون المساعدات الخارجية وتجميد ما يقرب من 830 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب المخصصة للأسلحة والقنابل لإسرائيل، وفقا لرسائل البريد الإلكتروني التي حصل عليها بروبابليكا. وردت وزارة الخارجية على الموقع بقول المتحدث باسم الوزارة: "كما أوضحنا في مايو/أيار عندما صدر تقريرنا، كانت الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق خلال الفترة بشأن الإجراءات والتقاعس من جانب إسرائيل في دخول المساعدات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكن اتخذت إسرائيل بعد ذلك خطوات لتسهيل زيادة وصول المساعدات الإنسانية وتدفقها إلى غزة".

غير أن الموقع لفت إلى أن الوضع الإنساني في غزة لم يتحسن رغم تصريح وزارة الخارجية، واستعانت بتصريحات خبراء حكوميين. ومناصرو حقوق الإنسان أكدوا أنه حتى وإن كانت إسرائيل تعهدت ببعض الالتزامات المهمة إلا أن مستوى المساعدات غير كاف على الإطلاق ويستمر في نفس مستوى ما توصل إليه تقرير المؤسستين الحكوميتين. وقال سكوت بول المدير المساعد في منظمة أوكسفام إن "التلميح إلى أن الوضع الإنساني تحسن بشكل ملحوظ في غزة هو مجرد مهزلة، وإن انتشار شلل الأطفال في الأشهر القليلة الماضية يخبرك بكل ما تحتاج إلى معرفته".

وقال الموقع إن مذكرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وقرار مكتب اللاجئين في إبريل/نيسان، وتصريحات الخبراء الحكوميين، تكشف عن جوانب جديدة من الانقسام داخل إدارة بايدن وكيف برر كبار الدبلوماسيين الأميركيين سياسته المتمثلة في الاستمرار في إغراق إسرائيل بالأسلحة رغم اعتراضات خبرائهم.

واستقالت ستايسي جيلبرت، المستشارة العسكرية المدنية السابقة في مكتب اللاجئين والتي كانت تعمل على مسودات تقرير بلينكن للكونغرس، بسبب اللغة المستخدمة في النسخة النهائية، وكتبت في بيان بعد وقت قصير من مغادرتها: "هناك أدلة وفيرة تثبت أن إسرائيل مسؤولة عن عرقلة المساعدات الإنسانية إلى غزة.. إنكار هذا أمر سخيف ومخز، وهذا التقرير وأكاذيبه الصارخة سوف تطاردنا".

كيف تدخّل بلينكن لمنع وقف تقديم الأسلحة لإسرائيل؟

طبقا لقانون المساعدات الخارجية والجزء الخاص بالمساعدات الإنسانية من القانون الذي يُعرف باسم 620، دعا عدد من الناشطين والمنظمات وبعض الديمقراطيين في الكونغرس الرئيس جو بايدن إلى استخدام القانون للضغط على الإسرائيليين للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. واستجابة لذلك - في الأشهر الأولى من العام الحالي- أعلنت إدارة بايدن عن مذكرة لإلزام وزارة الخارجية بفحص التأكيدات حول ما إذا كانت إسرائيل تمنع المساعدات ثم إبلاغ نتائجها إلى المشرعين. وطبقا للقانون والإجراءات صار الأمر بيد وزارة الخارجية التي حظيت بموجب المذكرة بقرار تحديد إن كان الإسرائيليون منعوا المساعدات أو قيدوها بشكل تعسفي، وكان قرارها يلزم الحكومة بموجب القانون بوقف المساعدة العسكرية.

وقال الموقع إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قدم في 10 مايو/ أيار الماضي موقفا منحازا إلى إسرائيل، مما أدى لاستمرار عدم دخول المساعدات واستمرار الدعم العسكري، وهو ما انتقده في اليوم ذاته السيناتور كريس فان هولن، ديمقراطي من ماريلاند، والذي قال: "إذا كان التزام إسرائيل بالمعايير الدولية في هذه اللحظة محل جدل، في ما يخص تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة فلا يمكن إنكار أن إسرائيل انتهكت هذه المعايير مرارا وتكرارا على مدى الأشهر السبعة الماضية".

وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني أن بعض الشاحنات التي تم رفضها كانت تحمل أيضا مواد ممولة من الولايات المتحدة مثل مجموعات النظافة. واستشهدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في المذكرة التي قدمتها لوزير الخارجية بالعديد من الحوادث التي تم الإبلاغ عنها علنا والتي تعرضت فيها مرافق وعمال الإغاثة لضربات جوية إسرائيلية حتى بعدما أطلعوا جيش الاحتلال الإسرائيلي على مواقعهم وحصلوا على الموافقة.

ووجدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن الإسرائيليين غالبا ما وعدوا باتخاذ التدابير الكافية لمنع مثل هذه الحوادث لكنهم لم ينفذوها في كثير من الأحيان. وأنه في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، على سبيل المثال، منعت قافلة من عمال الإغاثة من عبور نقطة تفتيش عسكرية على الرغم من تصريح جيش الاحتلال الإسرائيلي لها بالتحرك إلى النقطة، ثم أثناء عودتها فتح جيش الاحتلال الإسرائيلي النار على عمال الإغاثة، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم.

ووثقت الصحيفة المحادثات المنفصلة بين كبار المسؤولين قبل تقرير بلينكن إلى الكونغرس، من أجل الدفع إلى استمرار مبيعات الأسلحة. وقالت: "في 17 إبريل/نيسان، تواصل مسؤول بوزارة الدفاع مع ميرا ريسنيك، نائبة مساعد وزير الخارجية التي وصفت بأنها القوة الدافعة للوكالة وراء مبيعات الأسلحة لإسرائيل، والذي أشار إلى أن نحو 827 مليون دولار بحاجة للموافقة عليها من أجل استمرار تسليح إسرائيل (من أموال دافعي الضرائب الأميركيين)، مما دفعها للتحدث مع كبار المسؤولين، ولكن كانت هناك عقبة وفقا لكبير محامي الوكالة ريتشارد فيسيك، وهي أنه "يجب أن توافق جميع المكاتب ذات الصلة داخل وزارة الخارجية على أن إسرائيل لا تمنع شحنات المساعدات الإنسانية، وأن الشيء الرئيسي الذي نحتاج إلى رؤيته هو ألا يقيم أي مكتب حاليا أن القيد في 620i قد تم تفعيله"، ووافقت أقسام الشرق الأوسط وحقوق الإنسان رغم "مخاوفها الكبيرة".

وبحلول 25 إبريل/نيسان، وافق الجميع على القانون باستثناء مكتب واحد، وهو مكتب السكان واللاجئين والهجرة الذي كان من بين أكثر الجهات التي لديها معرفة مباشرة بالوضع في غزة بعد أشهر من العمل الوثيق مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمؤسسات الإنسانية لمحاولة توصيل الغذاء والدواء إلى الفلسطينيين، وقالت جولييتا فالس نويس، مساعدة السكرتير في بريدها الإلكتروني إن إسرائيل "فشلت في الوفاء بمعظم التزاماتها تجاه الرئيس".

غير أن الصحيفة أشارت إلى تراجع المكتب عن قراره بفعل ضغوطات كبيرة، قبل أن تتم الموافقة على تمويل إسرائيل عسكريا رغم التأكيد السابق الحكومي بتعمدها عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبعد ذلك بأسبوعين أنقذ وزير الخارجية الأميركي تمويل إسرائيل عسكريا بتقريره الذي قدمه إلى الكونغرس.

حماس: بايدن وبلينكن متورطان في جريمة تجويع شعبنا

في غضون ذلك، قالت حركة حماس، إن ما كشف عنه موقع بروبابليكا عن تعمد قيام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وبتواطؤ من رئيسه بايدن، إخفاء حقيقة تجويع إسرائيل للشعب الفلسطيني ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة "هو تأكيد جديد لتواطؤ هذه الإدارة الأميركية، وبلينكن وبايدن شخصياً، في جريمة الإبادة ضد شعبنا".

وطالبت الحركة في بيان "المؤسسات القضائية الدولية، وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية، بضرورة أخذ هذه التقارير على محمل الجد، واتخاذ المقتضى القانوني ضد بلينكن، باعتباره مشاركاً في التجويع المتعمد والإبادة ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".