"لست متأكداً مما يمكن أن أقوله. ما هو ممنوع وما هو المسموح"، جملة قالها إسرائيلي من إحدى عائلات المحتجزين المفرج عنهم للقناة 13 الإسرائيلية قبل بضعة أيام، عندما سُئل عن الفترة التي قضوها في الأسر لدى حركة حماس منذ اندلاع الحرب على غزة.
تلخّص هذه العبارة الكثير بشأن تردد الاسرائيليين في الحديث عن الظروف التي احتجزوا فيها لدى المقاومة الفلسطينية، وعن المعاملة الحسنة التي تلقّوها، بشهادة عائلاتهم.
شهادات عززتها المشاهد التي نشرتها كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، لعملية تسليمهم وأيضا ملامح بعض المفرج عنهم، والتلويح بأيديهم للآسرين، مودعين إياهم، الأمر الذي لفت الأنظار.
واليوم نشرت كتائب القسام رسالة كتبتها إحدى المحتجزات الإسرائيليات قبل الإفراج عنها في صفقة التبادل ضمن التهدئة الإنسانية، أعربت فيها عن امتنانها لعناصر وقادة القسام على حسن المعاملة معها ومع طفلتها خلال فترة احتجازهما.
وجاء في الرسالة التي كتبت بخط اليد باللغة العبرية وأرفقتها كتائب القسام بترجمة عربية "للجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أننا سنفترق غدا، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إميليا".
وتابعت "كنتم مثل الأبوين، دعوتموها إلى غرفتكم في كل فرصة أرادتها.. هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء؛ وإنما أحباب جيدون.. شكرًا شكرًا شكرًا على الساعات الكثيرة التي كنتم فيها كالمربية".
وكانت كتائب القسام قد نشرت تسجيلا مصورًا لذات المحتجزة في الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث وجهت حينها رسالة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ودعته للعمل على إطلاق سراح المحتجزين.
وفي اليومين الأخيرين، اضطر الإعلام العبري للحديث عن المعاملة الحسنة التي تلقاها الإسرائيليون لدى احتجازهم، ذلك لأن بعض العائلات تحدثت عنها.
ونقل موقع "والاه" عن قريب لمحتجزين أطلق سراحهم، في اليومين خلال الهدنة الحالية، بأنهم "لم يمروا بأي شيء سيء وتمت معاملتهم بصورة إنسانية، ولم يتعرضوا إلى تهديد كما ظننا أنه قد يحدث".
مع هذا واظب الإعلام الإسرائيلي على شيطنة الحركة، مشيراً من خلال عدة معلقين وصحافيين، إلى أن المعاملة الجيدة تخدم حماس، مشككين بحال المحتجزين الذين لا يزالون في غزة.
وتحاول إسرائيل التعتيم على شهادات الإسرائيليين الكاملة، بذريعة الحفاظ على خصوصيتهم وحاجتهم للعناية الخاصة، جسدياً ونفسياً.
لكن فعلياً، فإن أحد أسباب فرض إجراءات مشددة على المحررين في المستشفيات، هو "استخلاص العبر" من تجربة الإفراج عن المحررة الإسرائيلية يوخبيد ليفشيتس الشهر الماضي، والتي خرجت إلى الإعلام وتحدثت عن المعاملة الطيبة من قبل حماس خلال احتجازها، ما اعتبرته إسرائيل ضربة لمساعيها الحثيثة في شيطنة المقاومة وخاصة الحركة، ووصف كل من ينتمي لها بالحيوانات البشرية، الأمر الذي نسفته يوخبيد، ليس فقط في ما قالته ولكن قبل ذلك في الفيديو الذي ظهرت فيه وهي تودّع عناصر "القسام" لدى تسليمها في حينه للصليب الأحمر عائدة إلى إسرائيل.
وأعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية، بعد ذلك المؤتمر الصحافي، عن فرض إجراءات خاصة للتعامل مع الأسرى والمحتجزين الذين تقوم حركة حماس بإطلاق سراحهم، عبر احتجازهم في مواقع مخصصة بالمستشفيات، منفصلة عن باقي المرضى، لتفادي إدلائهم بمعلومات تمس بالدعاية الإسرائيلية بشأن الحرب.
وألقت مختلف المؤسسات الإسرائيلية في حينه باللوم على بعضها البعض وتحميل بعضها مسؤولية خروج يوخبيد إلى وسائل الإعلام بدون ضوابط واضحة.
وصبت الجهات الحكومية جام غضبها على مستشفى "إيخيلوف" الذي نقلت إليه يوخبيد في حينه، حتى تسبب الأمر لاحقاً بإقالة الناطق باسم المستشفى.
ويحمل هذا دلالات أيضاً على سبب عدم حديث المحتجزين لوسائل الإعلام. لكنهم بالمقابل يتحدثون إلى أطبائهم وإلى أفراد عائلاتهم.
وتحدثت المستشفيات الإسرائيلية التي استقبلت المحررين بصورة عامة، بأن وضعهم الصحي جيد ومستقر، باستثناء حالة واحدة لمسنة وصفت حالتها بالخطيرة، بفعل أمراض تعاني منها.
واعتبر مغردون على منصة "إكس" أن "منع الحكومة المختطفين الذين أمضوا 50 يوماً في الأسر، من الحديث عما مروا به، لأنها تخلّت عنهم، هو ببساطة أمر مثير للاشمئزاز".
في المقابل، تحدث بعض الأطباء في المشافي التي استقبلت المحتجزين وبعض الأقارب الذين تم الإفراج عنهم، عن أن المحتجزين عانوا من سوء تغذية، وأنهم حصلوا على طعامهم بما تيسّر من الطعام المتوفّر لكي يكفي الجميع كما تحدّثوا عن انقطاع التيار الكهربائي أحياناً لفترات طويلة خلال القصف وانقطاعهم عن العالم الخارجي.