حشدت حركة "النهضة" أنصارها يوم السبت الماضي في واحد من أكبر شوارع تونس، شارع محمد الخامس وسط العاصمة، ونجحت في تنظيم واحدة من أكبر المسيرات التي عرفتها تونس في السنوات الأخيرة، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً رفعته "النهضة" أمام بقية الأحزاب حول مدى شعبيتها، خصوصاً بعد كل ما قيل حول تراجعها في استطلاعات الرأي. كانت الرسالة واضحة وجلية، ولعلها تسربت من حديث رئيس مجلس شورى "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، الذي قال في كلمة ألقاها أمام أنصار حزبه "حضوركم اليوم وبهذه القوة وبهذه القلوب التي تحب تونس دليل على أن إسقاط النظام صعب ولكن بناء الديمقراطية أصعب، والنهضة ستكون في مقدمة القوى الديمقراطية لأول ديمقراطية في العالم العربي".
ما أراد الهاروني وحزبه حقيقة قوله هو أن شعبيتهم كبيرة وأن إقصاءهم غير ممكن وعلى الساحة أن تجرب شيئاً آخر، وأنهم ماضون في دعم البرلمان ودعم رئيس الحكومة هشام المشيشي، وعبّر رئيس الحركة راشد الغنوشي عن ذلك بوضوح. عملياً، عاد أنصار "النهضة" إلى منازلهم سعداء بعد انتهاء المسيرة التي كانت سلمية ومنظّمة بشكل لافت، ولكن ماذا بعد؟ هل تراجع البنك الدولي عن طلبه تخفيض كتلة الأجور وهل تحسن الإنتاج وعاد الناس للعمل؟ هل تحسنت نسبة النمو وارتفع سعر صرف الدينار التونسي؟ هل وصلت لقاحات كورونا إلى بلد أصبح من آخر البلدان الملقِّحة بعد أن كان من أولها؟ لا شيء من ذلك تحقق أو سيتحقق في القريب العاجل، فيما أولويات التونسيين ليست سياسية مطلقاً وإنما اجتماعية واقتصادية وبيئية.
قبل ذلك بأيام خرج أنصار الحزب الدستوري في سوسة ووجّهوا أيضاً رسائل سياسية، ومن قبلهم أحزاب اليسار. وكل هؤلاء لم نرهم مطلقاً يتظاهرون من أجل قضية بيئية أو مدرسة أو مصنع أو ملعب للأطفال، كما تفعل أحزاب ومنظمات ديمقراطية في الخارج. مشكلتهم أنهم غارقون في أوحال السياسة على الطريقة القديمة، فماذا لو ساهمت كل تلك الجحافل من أنصار الأحزاب في حملة بيئية من أي نوع؟ كيف سيكون انعكاس ذلك على الناس وعلى رأيهم في السياسة والسياسيين؟
لكن ما حدث في تونس في الأيام الأخيرة ليس هيناً على الإطلاق، فكل المسيرات والتظاهرات انتهت بسلام على الرغم من مشاركة الآلاف، وخصوصاً السبت، حين كانت "النهضة" الإسلامية وحزب "العمال" اليساري في التوقيت نفسه في الشارع، ومع ذلك مر كل شيء بسلام، وهذا في حد ذاته مكسب جديد لشعب تتصارع أفكاره سلمياً ويحافظ على منجزه.