أعلنت باريس وأثينا، اليوم الثلاثاء، توقيع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس على عقد عسكري لشراء اليونان ثلاث فرقاطات فرنسية.
ويأتي هذا الإعلان بعد إلغاء عقد ضخم للغواصات بقيمة 55 مليار يورو من قبل أستراليا، التي اختارت شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، إن الاتفاق سيدعم سيادة البلدين.
وقال ماكرون إن شراء اليونان للفرقاطات التي سيتم بناؤها في فرنسا يعد "شهادة على الثقة وإثباتاً لجودة العرض الفرنسي"، في إشارة إلى الحجة الاسترالية لفسخ عقد الغواصات، إذ قال المسؤولون الأستراليون إن الغواصات الفرنسية لا تلبي احتياجاتها الأمنية.
وذكر ميتسوتاكيس أمس أن اليونان تجري محادثات مع فرنسا لتعزيز تحالفهما الدفاعي، في الوقت الذي تسعى فيه أثينا إلى رفع قدرات قواتها المسلحة.
وبينما يمكن للبعض قراءة هذا الاتفاق على أنه "جائزة ترضية" لفرنسا، بعد الأزمة التي أثارها التحالف الأمني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وأدى إلى استدعاء فرنسا لسفيريها من أستراليا وأميركا، إلا أنه في حقيقة الأمر ملف سعت إليه فرنسا بشكل كبير كجزء من استراتيجيتها الجيوسياسية في مياة البحر الأبيض المتوسط، كما أنه لم يكن يوماً أقل أهمية من الاستراتيجية التي توليها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأعلن ماكرون أن "الاتفاقية ستساعد في حماية أمن وسيادة واستقلال وسلامة أراضي بلدينا، مع تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في المناطق ذات الاهتمام المشترك".
وشدد على أن الاتفاقية "تتوافق تماماً مع التزاماتنا تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من خلال تعزيز فعاليتها لحماية أراضينا والسماح لنا بالعمل بشكل أكثر فعالية وتنسيقاً (..) من أجل السلام والأمن في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا والبلقان".
وتعد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط مجالاً حيوياً لأوروبا وفرنسا بشكل خاص، فبرغم أن باريس لديها مصالح في كل مكان وقوة بحرية عالمية، إلا أن الحيز المائي الاستراتيجي يشهد منافسة شديدة ونهمة، خصوصاً من قبل تركيا وروسيا، كما أنه كان البوابة التي فتحت أزمة الهجرة من الشرق الأوسط نحو أوروبا.
ومما يمكن استخلاصه من هذا الاتفاق، أن فرنسا ستلتفت، بعد الضربة التي أصابتها نتيجة فسخ عقد الغواصات مع أستراليا، إلى تثبيت أساسات البيت الأوروبي، خصوصاً عندما يتحدث ماكرون عن "تعزيز الحماية لأراضينا والعمل بشكل أكثر فعالية وتنسيقاً"، وهذه المقاربة تتطابق مع السعي الفرنسي لتشكيل قوة أوروبية مشتركة للدفاع الذاتي، والابتعاد تدريجياً عن الولايات المتحدة، التي تركت أوروبا في كثير من الأحيان وحيدة تدفع ثمن أخطاء ترتكبها في المنطقة.
واللافت أن تحديث برنامج الأسلحة اليوناني كان يشهد منافسة شديدة بين عروض قدمتها فرنسا (Naval Group-FDI)، وهولندا (Damen) وإيطاليا (Fincantieri)، وبريطانيا (Babcock)، وألمانيا (ThyssenKrupp Marine Systems)، والولايات المتحدة أيضاً من خلال شركة (Lockheed Martin)، إلا أن تزامن وقوع الخيار على فرنسا يطرح أسئلة كثيرة عن السياق الذي جاء فيه بعد الأزمة الأخيرة مع الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.
وحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى احتمال تعزيز التعاون مع اليونان بحذر شديد، خصوصاً أن أثينا تتصرف تحت التأثير الأميركي، لكن الاتفاقية الجديدة مع فرنسا من شأنها أن تخفف من وطأة القلق والحذر الفرنسي، فباريس باتت لديها الآن عقود بيع طائرات رافال إلى اليونان، والفرقاطات الثلاث، فضلاً عن أنه من الناحية السياسية تعد باريس أكبر الداعمين لأثينا في أزمتها مع تركيا، كما أنها الرافعة الأساسية لإبقاء اليونان في الاتحاد الأوروبي بوجه 15 دولة ترغب في إخراجها.
وخلال توقيع عقد الفرقاطات، شدد ماكرون على أن هذه الشراكة المعززة تمثل "خطوة جريئة أولى نحو الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي"، وهو الموضوع الذي يحاول اتخاذه في مواجهة تطور السياسة الخارجية الأميركية، التي تعيد تركيز أولوياتها الاستراتيجية على الصين.
وتخفي تصريحات ماكرون طمأنينة كبيرة لدى فرنسا بتجنبها ضربة جديدة بعد أستراليا، كان يخشى بشدة أن تكون ساحتها في اليونان، وهي مخاوف عبر عنها علانية نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في مجلس الشيوخ الفرنسي سدريك بيران مؤخراً.