ماكرون يعترف باغتيال العربي بن مهيدي.. خطوة رمزية أم اعتراف بلا معنى

01 نوفمبر 2024
متظاهرون جزائريون يحملون صورة للعربي بن مهيدي/ 1 مارس 2019(Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمسؤولية فرنسا في اغتيال العربي بن مهيدي، قائد ثورة الجزائر، ضمن سلسلة اعترافات تهدف لتحقيق ذاكرة مشتركة بين فرنسا والجزائر.
- العربي بن مهيدي، أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية، تعرض للتعذيب والاغتيال بأمر من الجنرال أوساريس، الذي حاول تبرير الوفاة كانتحار، لكن الرواية رفضت.
- يرى باحثون جزائريون أن الاعترافات الفرنسية تهدف لامتصاص التوتر مع الجزائر وتعتبر رسائل سياسية للداخل الفرنسي دون قيمة تاريخية حقيقية.

أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الجمعة، رسمياً بمسؤولية الدولة الفرنسية في اغتيال وإخفاء جثة قائد ثورة الجزائر الشهيد العربي بن مهيدي، وذلك على يد عسكريين فرنسيين تحت قيادة الجنرال بول أوساريس.

وأكد بيان للرئاسة الفرنسية، وقع عليه ماكرون بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية، أنه "يعترف اليوم بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، قتله عسكريون فرنسيون".

ويعتبر العربي بن مهيدي أبرز قادة الثورة الجزائرية التي اندلعت في نوفمبر 1954، حيث نظم العمليات الأولى في العاصمة ضد الاستعمار الفرنسي. واعتقل من قبل فرقة مظليين يقودها الجنرال ماسو في 23 فبراير/شباط 1957، وتعرض للتعذيب قبل أن يُغتال ليلة الثالث إلى الرابع من مارس/آذار 1957 بأمر من الجنرال بول أوساريس. وفيما بعد، أقر أوساريس بتعذيب الزعيم الثوري الجزائري، حيث تمت ملاحقته في باريس وأدين من قبل القضاء الفرنسي بتهمة ارتكاب التعذيب وجرائم حرب.

كشف البيان الرئاسي الفرنسي أنه بعد توقيف العربي بن مهيدي من قبل الجيش الفرنسي، تم تسليمه رسمياً إلى القائد أوساريس الذي كان مسؤولاً عن إيجاد مكان آمن للاحتفاظ به. غير أن أوساريس زعم أن بن مهيدي توفي نتيجة محاولته الانتحار سراً، وهو ما ظلت روايته مرفوضة من جميع الأطراف الفرنسية والجزائرية. في عام 2001، أعلن الجنرال أوساريس اعترافات رسمية بأنه اغتال بن مهيدي، مشيراً إلى أنه في عام 2002، كان قد خطط للذهاب إلى العاصمة الجزائرية لوضع إكليل من الزهور تكريماً له.

وأدرج البيان الفرنسي الرئاسي الإقرار الجديد بالمسؤولية في اغتيال بن مهيدي ضمن اعترافات سابقة أعلنها ماكرون، تتعلق باغتيال موريس أودين ومحامي الثورة علي بومنجل، والاعتراف بحدوث عمليات وإعدامات خارج القانون. وأكد أن "الاعتراف بهذا الاغتيال يؤكد أهمية مسعى الذاكرة المشتركة الذي بدأه الرئيس ماكرون مع الرئيس عبد المجيد تبون، والدور المهم الذي تلعبه لجنة المؤرخين المشتركة"، بهدف "تحقيق ذاكرة سلمية ومشتركة، وفقاً لإعلان الجزائر المشترك" الذي وقعه الرئيسان في أغسطس 2022 في الجزائر.

هذه هي المرة الثالثة التي يقر فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمسؤولية عن جرائم اغتيال سياسي في الجزائر. ففي مارس/آذار 2021، اعترف ماكرون رسمياً بتعرض المناضل الجزائري علي بومنجل "للتعذيب والقتل" على يد الجيش الفرنسي خلال الثورة التحريرية الجزائرية عام 1957، بعد أكثر من ستة عقود من تمسك السلطات الفرنسية برواية انتحاره.

وكان ماكرون قد اعترف سابقاً في عام 2019 بمسؤولية الجيش والدولة الفرنسية عن مقتل عالم الرياضيات موريس أدوان في الجزائر في يونيو/حزيران عام 1957، بعد تعذيبه بسبب مواقفه الداعمة للثورة والقضية الجزائرية. في ذلك الوقت، كانت باريس تزعم أن أودان، الذي سميت عليه ساحة في وسط العاصمة، قد فر من يد الشرطة وقتل في ظروف غامضة.

تذهب تقديرات سياسية إلى أن الإعلان الفرنسي الذي يمس أبرز شخصية ثورية جزائرية، يأتي في إطار محاولة باريس امتصاص التوتر في علاقاتها مع الجزائر، خاصة بعد خطواتها الأخيرة بشأن النزاع في الصحراء. ويعتقد خبراء وباحثون جزائريون في قضايا التاريخ والذاكرة المعقدة بين البلدين أن الإقرار الفرنسي الجديد سياسي بامتياز، وليس له أي قيمة تاريخية أو سياسية، لأنه لا يقدم جديداً، إذ إن اغتيال بن مهيدي تحت التعذيب هو مسؤولية تقع على عاتق الدولة الفرنسية.

وقال الباحث وأستاذ التاريخ في جامعة خميس مليانة غربي الجزائر، في تصريح لصحيفة "العربي الجديد"، إن "إعلان الرئاسة الفرنسية عن المسؤولية في اغتيال بن مهيدي دون أي تداعيات سياسية ومادية لا معنى له، فهو مجرد رسائل بلا قيمة واستمرار لسياسة التقسيط والتقطير في الاعتراف بالمسؤولية عن كامل جرائم الاستعمار. هذه محاولة فاشلة لتجزئة الأحداث والوقائع التاريخية التي سبق أن رفضتها الجزائر تماماً".

وأضاف أن "الاعتراف الجديد للرئيس ماكرون باسم الدولة الفرنسية هو رسالة سياسية للداخل الفرنسي أكثر من كونه موجهاً للجزائر، تهدف إلى تخفيف الضغط القائم والتخلص من الأعباء المتعلقة بملف التاريخ الذي لا يزال يثير الجدل في الداخل الفرنسي".

المساهمون