أعلنت الرئاسة الفرنسية، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمر بتسهيل الاطلاع على الأرشيف السري للثورة التحريرية الجزائرية، في خطوة جديدة ولافتة ستسهم في كشف الكثير من الحقائق التاريخية المتعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي والثورة التحريرية.
وأكدت الرئاسة الفرنسية، في بيان، وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس"، أنّ الرئيس ماكرون "اتخذ قرار السماح لدوائر المحفوظات بالمضي قدماً، اعتباراً من يوم غد (الأربعاء)، ورفع السرية عن وثائق مشمولة بسرية الدفاع الوطني، حتى ملفات العام 1970 ضمنًا". وذكرت أن "ماكرون يسهل الاطلاع على الأرشيف السري ومن ضمنه وثائق حرب الجزائر".
ويسمح القرار للباحثين الجزائريين بالولوج بسهولة أكثر إلى الأرشيف الفرنسي الخاص بالجزائر، وخاصة الأرشيف المتعلق بأحداث ثورة التحرير وما قبلها، بهدف كشف مزيد من الحقائق.
وتأتي هذه الخطوة بعد أسبوع من إعلان الرئيس الفرنسي عن خطوة أخرى بالغة الأهمية، تتعلق بالاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل، بعد 64 سنة من تمسك باريس برواية انتحاره عام 1957، بعد اعتراف سابق عام 2019 بالمسؤولية عن مقتل عالم الرياضيات موريس أدوان في الجزائر في يونيو/ حزيران 1957، بعد تعذيبه بسبب مواقفه الداعمة للثورة والقضية الجزائرية.
واقترح الرئيس الفرنسي 22 توصية لمعالجة ملف الذاكرة العالق مع الجزائر. وفي يونيو/حزيران الماضي، كان الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون قد اتفقا على تكليف شخصيتين بمتابعة ملف الذاكرة، وتم تكليف مدير الأرشيف عبد المجيد شيخي عن الجانب الجزائري، والمؤرخ بنجامين ستورا عن الجانب الفرنسي، وفيما قدم ستورا تقريره، لم يقدم الجانب الجزائري الذي يمثله المؤرخ شيخي تقريره حتى الآن.
وقال الأستاذ الجامعي والنائب السابق عن الجالية في فرنسا عبد القادر حدوش، لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار الرئيس الفرنسي "خطوة سليمة في الاتجاه الصحيح، وهي مهمة، ويجب أن تستمر، من أجل التهدئة وحل القضايا التاريخية التي تضع الطرف الفرنسي أمام مسؤولياته التاريخية".
وأضاف "يجب أن نصل إلى مستوى إنشاء مجلس علمي للنخب ومؤرخين يعملون بشكل مشترك، من أجل إعادة الاعتبار للحقيقة التاريخية من منظور تاريخي علمي"، وأكد حدوش أن مثل هذه الخطوات مهمة وتسهم في تغيير النخب الفرنسية مقاربتها للجزائر وللتاريخ، وهذا الأمر ضرورة سياسية بات يفرضها تطور المجتعين الجزائري والفرنسي".
وتابع حدوش "لا بد من أن نرافع من أجل رفاهية متقاسمة في الضفتين باعتبار أن لدينا مصالح مشتركة، لدينا كجزائريين جالية كبيرة مهمة في فرنسا، ولذلك علينا العمل لأجل فتح آفاق لعلاقات ندية والاحترام المتبادل".
لكن بعض الآراء تعبر عن مخاوف من أن يكون قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن فتح الأرشيف أمام الباحثين، رغم أهميته، مجرد محاولة ذكية للتهرب من مطلب جزائري يقضي باستعادة كامل الأرشيف الجزائري لما قبل سنة 1962، والذي نقلته فرنسا خلال جلاء القوات الفرنسية عن البلاد، إذ سبق لمستشار الرئيس الجزائري لقضايا الذاكرة عبد المجيد شيخي أن اتهم، قبل شهرين، باريس بالتهرب من المطلب.
وقال شيخي "نعتقد أن فرنسا تملك جزءا مهما من تاريخ الجزائر وتتستر عليه، كما أننا لم نصل إلى معاينة كاملة لما هو موجود في مخازن الفرنسيين، حيث يواجهوننا بحجة باطلة وهي أن الأرشيف لم يتم تنظيمه ولا ترتيبه".
وأضاف "لن تتراجع الجزائر أبداً عن مطالبتها باسترجاع كل الأرشيف الوطني الذي يؤرخ لعدة حقب من تاريخنا والذي تم ترحيله إلى فرنسا، لافتاً إلى أن "فرنسا قامت في 2006 بسن قانون يقضي بإدراج الأرشيف كجزء من الأملاك العمومية، لتعطيل تسليم الجزائر أرشيفها الخاص".