مالي توجه اتهامات خطيرة لفرنسا: تدريب الإرهابيين في كيدال ووجود قوات فرنسية غير متفق عليهما
تسير تطورات الموقف بين مالي وفرنسا إلى مزيد من التأزم، بعد اتهامات خطيرة وجهها رئيس الحكومة الانتقالية في مالي شوغويل مايغا إلى باريس بالتورط في "تدريب مجموعات إرهابية" في منطقة كيدال، شمال مالي، القريبة من الحدود مع الجزائر، للحفاظ على مبررات وجودها في المنطقة، ويمهد ذلك لمطالبة باماكو باريس بسحب قواتها من البلاد.
وكشف رئيس وزراء مالي، في حوار مع وكالة "نوفوستي" الروسية، نشر اليوم الجمعة، أن الجيش الفرنسي يمنع السلطات المالية من الوصول إلى منطقة كيدال، وقال: "لا تستطيع حكومة مالي الوصول إلى كيدال، وهي جيب خاضع لسيطرة فرنسا، وهناك تنظيمات مسلحة دربها ضباط فرنسيون، ولدينا أدلة على ذلك".
وشكك مايغا في أن باريس تقوم بذلك للتستر على طبيعة الوضع هناك، وأضاف أن "هناك مثلا في مالي مفاده أنه من المستحيل العثور على إبرة داخل غرفة مغلقة إذا وقف عليها عمدا أحد المشاركين في البحث عنها"، مضيفا: "هذا هو الوضع الذي نواجهه في مالي حاليا، ولا نفهمه ولا نريد التسامح معه".
ويقصد مايغا بـ"عدم فهم" الوضع في كيدال وشمال البلاد، خاصة مع تزايد الهجمات الإرهابية في الفترة الأخيرة في المنطقة، واستهداف المدنيين وقوات الجيش المالي، على الرغم من تسع سنوات من وجود القوات الفرنسية في المنطقة بحجة محاربة الإرهاب.
واتهم المسؤول المالي باريس بـ"المسؤولية عن وصول الجماعات الإرهابية إلى شمال مالي"، قادمة من ليبيا، "بعدما دمرت الدولة الليبية على أيدي فرنسا وحلفائها في الناتو"، وهو التفسير نفسه الذي تتبناه الجزائر.
واعتبر رئيس الحكومة الانتقالية في مالي أن الوجود الفرنسي في شمال مالي "غير مشروع، ولم يكن ضمن اتفاق التعاون الذي حصل بين الحكومة المالية وباريس"، وقال: "عندما وافقت مالي على التعاون مع الجانب الفرنسي في محاربة الإرهاب في أراضيها، طلبت من باريس فقط مساعدتها بالبيانات الاستخباراتية والإسناد الجوي، ولم يدر الحديث عن نشر قوات على الأرض".
وذكر مايغا أن "فرنسا التزمت بهذا الاتفاق في مدن كونا وغاو وتمبكتو، لكنها منعت قوات الجيش المالي من دخول مدينة كيدال وسلمتها إلى حركة تم تشكيلها من ممثلين عن حركة (أنصار الدين) التي تعد مرتبطة بتنظيم (القاعدة)".
وتنظيم "أنصار الدين" تحالف يضم مجموعات مسلحة تنشط في شمال مالي، أعلن عن إنشائه في مارس/آذار 2018، بعد توحيد عدة جماعات متطرفة بقيادة آغ غالي، وهو دبلوماسي مالي سابق عمل في مدينة جدة السعودية، كما سبق له أن شارك في محادثات السلام بين الحكومة المالية وقادة حركات الطوارق في الجزائر، عندما كان يقود حركة طوارق.
وتدفع هذه التصريحات الأزمة بين باماكو وباريس إلى حدها الأقصى، خاصة أنها اتهامات خطرة وغير مسبوقة، وتستدعي توضيحات عاجلة من باريس بشأنها، كما تأتي بعد أيام فقط من استدعاء يحدث للمرة الأولى للسفير الفرنسي في مالي من قبل وزارة الخارجية المالية، على خلفية ما وصفتها بـ"تصريحات غير ودية" من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن مالي.
وقد تدفع هذه التطورات باريس لتعديل خطة سحب قواتها من شمال مالي والتسريع بها، بعدما كان ماكرون قد أعلن، في يوليو/تموز الماضي، أن عملية السحب ستبدأ اعتبارا من نهاية العام الجاري، تزامنا مع غلق قواعد كانت قد أقامتها في هذه المنطقة، خاصة بعد توقيع مالي على عقد مع قوات مجموعة "فاغنر" الروسية.
ولا تنفصل الأزمة بين باريس وباماكو عن سياق الأزمة مع الجزائر، حيث يعتقد أن الجزائر تحض الحكومة الانتقالية في مالي على دفع باريس خارج المنطقة، ودفعها لسحب وجودها العسكري الذي بات يقلق الجزائر بسبب قرب الحدود من جهة، ولكون هذا الوجود يشوش على مساعي الجزائر لتطبيق اتفاق السلام الموقع في مايو/أيار 2015 في الجزائر بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الطوارق في شمال مالي، وهو ما يفسر الزيارات المكثفة في الفترة الأخيرة للمسؤولين الجزائريين إلى مالي، وآخرها زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الأربعاء الماضي.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر محمد دواجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر تملك أوراقا في مالي، خاصة في الشمال، بسبب تاريخ الجزائر في الوساطة بين الفرقاء الماليين، وعلاقات الصداقة والروابط الأسرية بين طوارق شمال مالي وطوارق الجزائر، وهذا ما يجعل الجزائر في وضع قوي لتعطيل أي مشروع فرنسي في مالي واستمالة الماليين، خاصة بعد البرودة بين الماليين والفرنسيين منذ الانقلاب في مالي، وظهور هبة شعبية مالية مناهضة ومعادية للنفوذ الفرنسي والمصالح الفرنسية من طرف نخب سياسية وإعلامية مالية قامت، العام الماضي، بحراك شعبي ضد هذا الوجود".