بعد نجاحها في إبرام اتفاق الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، أمس الأحد، تدخل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي المرحلة الأصعب في مسيرة "بريكست"، حيث تسعى لإقناع بلادها بجدوى صفقتها.
وبدأت ماي حراكها بتحذير أعضاء مجلس العموم من أن التصويت ضد الاتفاق سيعيد بريطانيا إلى المربع الأول، بينما باشرت تحويل خطابها باتجاه الشارع البريطاني بدلاً من ممثليه السياسيين، ربما في استعدادٍ منها لتصويتٍ شعبي قريب، سواء أكان عبر انتخابات عامة أم استفتاء جديد، وذلك وسط أنباء عن نيتها دعوة زعيم المعارضة جيريمي كوربن إلى مناظرة حيّة حول "بريكست".
وكان زعماء الاتحاد الأوروبي قد وقعوا، أمس، اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك في قمة خاصة أنهت أكثر من عام ونصف من المفاوضات المضنية. وأكد قادة الاتحاد في ختام قمتهم على أن لا خيار آخر أمام بريطانيا غير الخروج من دون اتفاق، في حال رفض البرلمان للصفقة الحالية.
وبانتظار التصويت البرلماني منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، بدأت ماي حملة لإقناع النواب والشارع البريطاني بخطتها، وكانت البداية عبر مؤتمر صحافي عقد بعد القمة مباشرة، لم تنف فيه رئيسة الوزراء احتمال استقالتها من منصبها في حال التصويت ضد صفقتها.
وتجتمع ماي، اليوم الإثنين، بحكومتها لإطلاعها على التطورات قبل التوجه إلى البرلمان. وستحذر ماي النواب المترددين من الاصطفاف ضد صفقتها إلى جانب المعارضة والمتمردين من حزبها. وتقول ماي "بإمكاننا دعم الصفقة وتطبيق نتيجة الاستفتاء ومتابعة حياتنا وبناء مستقبل أفضل تسوده الفرص والرخاء لكامل شعبنا، أو يمكن لهذا المجلس أن يرفض هذه الصفقة والعودة إلى المربع الأول".
وكان وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت قد أقر، أمس، بصعوبة تمرير الاتفاق في البرلمان، ولم ينف بدوره أيضاً إمكانية انهيار الحكومة في تلك الحال، وذلك رغم فشل محاولة انقلاب داخل حزب المحافظين ضد ماي الأسبوع الماضي.
وقال هانت إنه "ليس من الممكن استبعاد أي شيء، ولذلك يجب علينا جميعاً أن نرى ما يريد ناخبونا في مثل هذا الوضع. ويجب علينا أيضاً التأكد مما هو في المصلحة الوطنية".
وحاولت ماي خلال كلمتها التودد إلى الشارع البريطاني وشرح حسنات الاتفاق، مؤكدة نهاية حق مواطني الاتحاد الأوروبي في الإقامة في بريطانيا في إطار الاتحاد الأوروبي إلى الأبد. كما حاولت ماي لفت أنظار البريطانيين إلى ضرورة تصديق الاتفاق في البرلمان، كي تستطيع الحكومة التركيز على أولوياتها الداخلية، معتبرة أن "الشعب البريطاني لا يريد إضاعة المزيد من الوقت على بريكست".
ويعود توجيه ماي خطابها للشارع البريطاني إلى احتمال التوجه إلى تصويت شعبي في المستقبل القريب، وخاصة في حال رفض الاتفاق في البرلمان. وقد يشمل ذلك تحويل القرار إلى الشعب البريطاني في استفتاء على صفقة "بريكست"، أو التوجه إلى انتخابات عامة. وفي كلتا الحالتين، تسعى ماي للضغط على نواب حزبها والأحزاب المعارضة، من خلال إقناع ناخبيهم مباشرة بجدوى خطتها.
وكانت صحيفة "التلغراف" المقربة جداً من دوائر المحافظين قد تحدثت، اليوم، عن استعداد ماي للدخول في مناظرة تلفزيونية مع زعيم حزب العمال حول صفقة "بريكست". ورد متحدث باسم "العمال" باستعداد كوربن لمثل هذه المبارزة التلفزيونية.
وكان كوربن قد وصف خطة ماي بأنها "صفقة سيئة للبلاد. إنها نتيجة فشل ذريع للمفاوضات، سلمنا أسوأ الخيارات الموجودة... سيعارض حزب العمال هذه الصفقة في البرلمان".
ويصر حزب العمال على التوجه إلى انتخابات عامة فور إسقاط الاتفاق في البرلمان، بينما وضع احتمال دعم الاستفتاء الثاني كحل أخير. إلا أن كير ستارمر، وزير "بريكست" في حكومة الظل المعارضة، فطالب بخيار آخر يشمل تأجيل موعد "بريكست" إلى أبعد من مارس/آذار المقبل، محذراً من أن ماي استهلكت كامل مهلة المفاوضات في التوصل إلى اتفاق سيرفضه البرلمان. ويرى ستارمر أن بريطانيا بحاجة لمزيد من الوقت للتفاوض على اتفاق جديد، وبالتالي المزيد من الوقت.
وبما أن الاتحاد الأوروبي حذر بريطانيا من أن الخيار الآخر أمامها هو الخروج من دون اتفاق، فقد رأى ستارمر أن تجنب هذا السيناريو سيتطلب من أغلبية نواب البرلمان البريطاني الضغط على الحكومة البريطانية لترفض سيناريو عدم الاتفاق، وطلب تمديد المادة 50 التي طلبت بريطانيا بموجبها الخروج من الكتلة الأوروبية.
وأضاف "أعلم أن وقف عدم الاتفاق أمر سيتطلب موافقة كامل الاتحاد الأوروبي، ولكني أظن أن أغلبية البرلمان ستضغط ضد بريكست من دون اتفاق. لا أعتقد أن رئيسة الوزراء ستتجاهل ذلك، لأنها تعلم مدى خطورة هذا السيناريو".
ولكن قيادة أكبر الأحزاب المعارضة تفضل حتى اتباع استراتيجية تشمل توجيه اللكمات لحكومة ماي وخطتها، من دون الدفع بأي خيار عدا الانتخابات العامة. ونقلت صحيفة "الغارديان" المقربة من دوائر حزب العمال عن مصادر من داخل الحزب، أن الرأي السائد هو انتظار ما ستقوم به ماي في حال رفض البرلمان لخطتها، قبل الدعوة إلى تصويت لسحب الثقة من الحكومة، على أمل التوجه إلى انتخابات عامة. وتحتاج ماي لأن تتقدم بحلها البديل للبرلمان خلال 21 يوماً من التصويت على الاتفاق.
ويعود تردد حزب العمال لتبني الاستفتاء الثاني كحل أساسي، إلى سعي الحزب لكسب أصوات مؤيدي "بريكست"، وذلك للوصول إلى داوننغ ستريت. ويأمل "العمال" باجتذاب أصوات الدوائر الانتخابية المؤيدة لـ"البريكست"، والتي تعارض صفقة ماي، إضافة إلى ضرورة تجنب خسارة الدوائر العمالية المؤيدة للبريكست لصالح حزب استقلال المملكة المتحدة.