ما الجديد بخطاب مصر لمجلس الأمن بشأن سد النهضة؟

08 أكتوبر 2023
إثيوبيون بسد النهضة، فبراير 2022 (إيمانويل سيلشي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن قرار التوجه بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، في قضية سد النهضة، جاء على الرغم من نصائح قدمها خبراء إلى القيادة السياسية، بعدم الإقدام على هذه الخطوة، للمرة الثالثة، بعد فشلها في تحقيق أي اختراق للقضية، في المرات السابقة.

وأكدت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من اقتناع وزارة الخارجية وهيئة الأمن القومي (تابعة للمخابرات العامة) بعدم جدوى هذه الخطوة، نظراً لأن مجلس الأمن الدولي لم يتعامل مطلقاً مع النزاعات المائية على أنها قضايا تمس السلم والأمن الدوليين، إلا أن القيادة السياسية أصرت على التوجه إلى مجلس الأمن مرة أخرى".

وأرسل الممثل الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق إلى رئيس مجلس الأمن الدولي خطاباً يؤكد فيه "استمرار إثيوبيا للسنة الرابعة على التوالي، في انتهاك قواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 بشأن سد النهضة".

محمد محمود مهران: على مجلس الأمن تحمل مسؤوليته في حل هذا النزاع

وأكد الخطاب "رفض مصر القاطع لتصرفات إثيوبيا، والتي أعلنت في 10 سبتمبر/ أيلول 2023، الانتهاء من المرحلة الرابعة من الملء الأول لخزان سد النهضة، وأن هذا الاستئناف جاء من جانب واحد، إلى جانب قرار إثيوبيا ببدء تشغيل السد من جانب واحد في فبراير/ شباط 2022".

مخالفة إثيوبيا لبيان مجلس الأمن

وأوضح أن "كل ذلك جاء بدون التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً بشأن القواعد التي تحكم ملء وتشغيل السد، بالمخالفة للبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021 (S/PRST/2021/18)، والذي تم فيه توجيه الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، إلى وضع اللمسات النهائية والإسراع بنص اتفاق مقبول وملزم للكافة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، خلال إطار زمني".

وجاء في الخطاب أن مصر "تقدمت بالعديد من الرسائل إلى مجلس الأمن خلال السنوات القليلة الماضية، قدمت فيها وصفاً تفصيلياً لهذه القضية، نظراً لاعتماد مصر شبه الحصري على نهر النيل ومياهه الفريدة، وأنها تعاني من الندرة في المياه، وأن هذه الممارسات الإثيوبية، تشكل تهديداً وجودياً لمصر واستقرارها، وتهديداً للسلام والأمن الإقليميين والدوليين، وأن مصر، انخرطت بحسن نية في مفاوضات ثلاثية مع إثيوبيا والسودان، من أجل التوصل لاتفاق، وحثت إثيوبيا على الرد بالمثل وإبرام اتفاق يلبي المصالح الوطنية المعلنة لإثيوبيا، مع حماية مصالح وحقوق 150 مليون مواطن في دول المصب، دون جدوى".

وقال مندوب مصر في الرسالة إنه "وفقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة، وكعضو مسؤول في المجتمع الدولي، توجه مصر مرة أخرى انتباه مجلس الأمن إلى قضية سد النهضة، وتدعو مصر المجلس إلى الاضطلاع بمسؤولياته بموجب المادة 24 من الميثاق، وإبقاء الأمر قيد نظره لضمان التوصل إلى حل سلمي، بما في ذلك من خلال التنفيذ الكامل لبيان رئيس مجلس الأمن المشار إليه".

ضرورة تحمل مجلس الأمن مسؤوليته

وفي هذا السياق، أكد أستاذ القانون الدولي العام، محمد محمود مهران، لـ"العربي الجديد"، "ضرورة تحمل مجلس الأمن الدولي، مسؤوليته في قضية سد النهضة، لأن هذا النزاع يختص به المجلس".

ولفت إلى أن "تحقيق السلام والاستقرار في منطقة البحر الأحمر والشرق الأوسط يتطلب تعاوناً دولياً قوياً وتدخلاً فعالاً من المجتمع الدولي"، مشدداً على أن "القضية المتعلقة بسد النهضة، لن تؤثر على الدول المتنازعة فحسب، بل تمس مصالح العديد من الدول في المنطقة، ولأن هذه القضية تمس الأمن المائي لدولتي المصب مصر والسودان، وهو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي".

وأشار مهران، وهو الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إلى "التأثيرات السلبية الحالية والمحتملة لسد النهضة على مصر والسودان، مثل تهديد إمدادات المياه وتدهور جودة المياه وتأثيرها على الزراعة والصناعة وملايين السكان"، مؤكداً أن "تدخل مجلس الأمن يعد ضرورياً، وأنه يجب أن يتحمل المجلس مسؤوليته في حل هذا النزاع، والعمل على منع التصعيد وحماية حقوق دولتي المصب في مياه النيل".

وأكد مهران "أحقية مصر في طلبها اللجوء إلى مجلس الأمن، وفقاً لما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السادس المواد 33 حتى 38".

وأوضح أن "معيار اللجوء إلى المجلس، يتمثل في حالة وجود نزاع يهدد الأمن والسلم الدوليين، ويؤثر على المجتمع الدولي، وهو ما ينطبق على النزاع المصري الإثيوبي حول سد النهضة، والذي قد يؤدي إلى سيناريوهات لا يمكن تدارك أضرارها، وقد تتصاعد الأزمة لتأثيرها على سيادة مصر والسودان وحياة مواطنيهما".

استمرار القاهرة بممارسة الضغط

وشدد على "ضرورة استمرار القاهرة في ممارسة الضغط الدولي على الجانب الإثيوبي، وأن تدعو إلى فرض عقوبات إذا استمر التعنّت من جانب إثيوبيا، بشكل عام".

هالة عصام الدين: النزاع قد يتحول إلى صراع يهدد السلم والأمن الإقليمي

من جهته، قال خبير الموارد المائية الدولي، ضياء الدين القوصي، لـ"العربي الجديد"، إن "الخطوة المصرية للتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، جاءت متوافقة مع توقعاته"، مشدداً على أن "الجانب المصري، عليه أن يركز على ضرورة تدويل القضية، بعد فشل الإحالة إلى الاتحاد الأفريقي".

بدورها، قالت خبيرة النزاعات المائية، هالة عصام الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مجلس الأمن الدولي، له صلاحيات كبيرة، يمكن أن يستخدمها لمنع هذا النزاع، الذي قد يتحول إلى صراع يهدد السلم والأمن الإقليمي، بل والعالمي، وذلك في حال تدخلت قوى خارجية لحماية مصالحها داخل الإقليم، ما قد يسبب احتقاناً ثم نزاعاً يتطور إلى صراع دولي".

لجوء مجلس الأمن للفصل السادس

وأشارت إلى أنه "في هذه الحالة، يمكن لجوء مجلس الأمن لتطبيق أحكام الفصل السادس، في المواد 33 إلى 38 من ميثاق الأمم المتحدة، والمتعلقة في حال وجود نزاع يهدد الأمن والسلم الدوليين، أو ضرر قد يؤثر على المجتمع الدولي، أن يكون هناك محاولات لحل تلك المنازعات سلمياً".

وأضافت: "قد يلجأ مجلس الأمن إلى تطبيق أحكام الفصل السابع إذا استحال الحل السلمي، والذي يشمل فرض العقوبات على الدولة المعتدية، وهي في هذه الحالة إثيوبيا، التي أخلت بكل معايير الأمن والسلامة الإقليمية، واستغلت كونها دولة المنبع لمحاولة السيطرة على نهر دولي عابر للحدود السياسة، يشكل لمصر شريان الحياة لشعبها، بل وانتهكت القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بالحقوق التاريخية المكتسبة لمصر من مياه النيل، وأهدرت حقوق 110 ملايين شخص يعتمدون كلياً على مياه النهر في الحياة".

وأضافت عصام الدين أن الأمر "قد يصل - وفقاً لأحكام الفصل السابع للأمم المتحدة - إلى أن يلجأ مجلس الأمن إلى استخدام القوة العسكرية، وذلك في حال تم استنفاد جميع الطرق السلمية والمفاوضات مع الطرف المعتدي".

وأشارت إلى أن "حصة مصر من مياه النيل، وصلت إلى أقل من النصف، وذلك مع وجود تضخم في عدد السكان"، مضيفة أن "ضغط المجتمع الدولي قد يساهم في تطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة، ويردع إثيوبيا، إذا وجد تعاطف دولي مع مصر وشعبها".

اعتراض على التخزين الرابع

بدوره، اعتبر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة والخبير المائي عباس شراقي أن خطاب مصر إلى مجلس الأمن الدولي "تسجيل للاعتراض على التخزين الرابع"، مشيراً إلى أن ذلك "حدث في السنوات الثلاث الماضية، وهذه هي المرة الثالثة التي تتوجه فيها مصر لمجلس الأمن".

وقال شراقي، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أتوقع أن يرفض مجلس الأمن هذه المرة، نظراً لخطورة الموقف"، مضيفاً أن "عودة الأطراف الدولية لأن يكون لهم دور حقيقي، شرط لاستئناف المفاوضات، وفي حالة رفض إثيوبيا، يعلن ذلك على المجتمع الدولي ثم نتقدم لمجلس الأمن مرة أخيرة، ولكن ليس كقضية مائية، بل كقضية وجود شعب وادي النيل الذي أصبح مهدداً بتكرار الأسوأ من كارثة درنة الليبية، حيث إن أكثر من 20 إلى 30 مليون مهددون بالفناء من سد زادت سعته من 11.1 مليار م3 إلى 74 مليار م3 في بيئة جيولوجية هي الأسوأ على مستوى العالم، حيث النشاط الزلزالي الأكبر في القارة الأفريقية، والفيضان السنوي الكبير من أعلى جبال تصل قمتها إلى أكثر من 4600 متر، وقد يصل إلى مليار متر مكعب يومياً عند سد النهضة، وفوالق هي الكبرى عالمياً (الأخدود الأفريقي العظيم)، والتجمع البركاني البازلتي الأكبر أيضاً عالمياً، والأضعف لمقاومة عوامل التعرية وتكوين طمي، وشدة انجراف التربة في إثيوبيا الأولى عالمياً".

وشدد شراقي على أن "الأمم المتحدة مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى للاستماع إلى تهديدات السدود، كما أعرب الأمين العام في كلمته عن القلق الشديد من تهديد السدود على سكان العالم أمام الجمعية العامة الأسبوع الماضي".

المساهمون