يبدو أن مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أعمال القمة الأميركية الأفريقية، التي عقدت في العاصمة واشنطن من 13 إلى 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بمشاركة 49 من القادة والزعماء الأفارقة، لم تأت بجديد على مستوى العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن.
ولم تشهد الملفات الرئيسية بين البلدين مثل سد النهضة أي تطور يُذكر، باستثناء بعض المكاسب التي حققها النظام المصري، ومنها تجنب الانتقاد العلني في قضية حقوق الإنسان، والإشادة بدوره في حفظ أمن إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
مباحثات مع أوستن وبلينكن
والتقى السيسي، في أول زيارة له إلى واشنطن منذ تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في عام 2021، بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأربعاء الماضي.
وجاء اللقاء بعد أن حضر جلسة مباحثات منفصلة في اليوم نفسه مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن وعدد قليل من أعضاء مجلس النواب. كما التقى بايدن في لقاء عابر على هامش القمة يوم الخميس الماضي. وأشار أوستن، أمام الكاميرات قبيل الاجتماع، إلى أن "الإدارة (الأميركية) تقدر تقديراً عالياً قيادة مصر وتعاونها في تحقيق أهدافنا الأمنية المشتركة".
كما أشاد بنموذج مصر "كأول دولة عربية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل". وأثنى على "الإشراف المسؤول للقاهرة على قناة السويس، والمساعدة الحيوية التي قدمتها لتأمين وقف إطلاق النار في إسرائيل وغزة في أغسطس/آب الماضي".
أوستن والسيسي ناقشا مجموعة واسعة من التهديدات التي تشكلها إيران
في غضون ذلك، لفت بيان صادر عن البنتاغون إلى أن أوستن والسيسي ناقشا "مجموعة واسعة من التهديدات التي تشكلها إيران، بما في ذلك توفير أنظمة جوية بدون طيار لروسيا". وأشار البيان إلى أن هذه الطائرات "تم استخدامها لمهاجمة المدنيين والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا".
وأجازت الإدارة الأميركية، في وقت سابق من هذا العام، طلب مصر منذ سنوات لشراء طائرات مقاتلة من طراز "أف -15" من الولايات المتحدة. وجاءت موافقة واشنطن بعد أن أفادت تقارير بأن القاهرة ألغت خططاً للحصول على طائرات "سو- 35" الروسية.
من جهته، أكد بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء الماضي، أن بلينكن جدد في لقائه مع السيسي "التزام الإدارة بالشراكة الاستراتيجية" بين الطرفين. كما أشاد بلينكن بـ"العلاقات الدفاعية الثنائية المستمرة منذ عقود". ولفت بلينكن إلى "إفراج مصر عن معتقلين سياسيين أخيراً، وشجع على إحراز مزيد من التقدم في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
لا جديد في قضية حقوق الإنسان
وكانت قضية "حقوق الإنسان" من ضمن الملفات التي لم تشهد أي جديد خلال تواجد السيسي في واشنطن. فعلى الرغم من رهان بعض الحقوقيين في مصر، على تحقيق انفراجة في هذا الملف، اعتماداً على الضغط الذي من الممكن أن تمارسه الولايات المتحدة على النظام المصري، بما يسمح بالإفراج عن بعض النشطاء، إلا أن ذلك لم يحدث.
ودفع هذا الواقع الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم أحزاباً وشخصيات سياسية عامة، إلى تأكيدها على موقفها بضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين. وقالت الحركة، في بيان، إن "الاعتراف بالحق في التعددية والتنوع كان يمكن، ولا يزال بإمكانه، أن يجنب البلاد كثيراً من الأزمات".
ولفت البيان إلى أن "الإفراج عن سجناء الرأي من المعارضين السلميين يمثل إشارة إيجابية على إمكانية تصحيح المسار، بهدف مواجهة الأزمة بالانتصار الحاسم لمبدأ العدالة الاجتماعية وفتح رئات المجتمع للحرية". وعلى الرغم من تأكيد الخارجية الأميركية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أن القمة سوف تؤكد على "تعزيز التزام الولايات المتحدة وأفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان"، إلا أن بياناً أميركياً واحداً لم يوجه نقداً علنياً لمصر في هذا المجال.
الحركة المدنية الديمقراطية: الإفراج عن سجناء الرأي من المعارضين السلميين يمثل إشارة إيجابية على إمكانية تصحيح المسار
وتعد مصر واحدة من أكبر الدول التي تسجن الصحافيين، فقد تم اعتقال 28 على الأقل بتهم تعسفية، وفقاً لمنظمة مراسلون بلا حدود. كما أن هذه القمة لم تشهد أي جديد على صعيد ملف سد النهضة. فبينما كرر السيسي طلب المساعدة من واشنطن، في القضية التي تهدد الأمن المائي لمصر، إلا أن البيانات الرسمية الصادرة عن الجانبين لم تذكر سوى الألفاظ والتعابير التي استخدمت أكثر من مرة في سياق الحديث عن هذه القضية.
بدوره، لفت بيان رئاسي مصري، الخميس الماضي، إلى أنه تم التباحث خلال لقاء السيسي وبلينكن حول عدد من الملفات الإقليمية، ذات الاهتمام المشترك، خاصة قضية سد النهضة الإثيوبي. وأكد البيان أن السيسي أعرب عن "تمسّك مصر بتطبيق مبادئ القانون الدولي ذات الصلة، ومن ثم ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد للحفاظ على الأمن المائي لمصر".
كما أشار البيان إلى ضرورة "عدم المساس بتدفق المياه في نهر النيل الذي قامت عليه أقدم حضارة عرفتها البشرية منذ آلاف السنين". وشدد البيان على أن بلينكن أكد "دعم بلاده لجهود حل تلك القضية على نحو يحقق مصالح جميع الأطراف ويراعى الأهمية البالغة التي تمثلها مياه النيل لمصر".