ما فرص نجاح جهود إنشاء محكمة دولية خاصة بسورية؟

23 يونيو 2023
تظاهرة منددة بالنظام السوري، أمستردام، مارس الماضي (أرويو فرنانديز/Getty)
+ الخط -

سجل "التحالف الأميركي لأجل سورية"، الذي يضم عدة منظمات في مقدمتها "المجلس السوري - الأميركي"، عدة نجاحات مهمة عندما تمكن من تكريس "قانون قيصر" للعقوبات على النظام السوري بعد عراقيل عدة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ثم "قانون الكبتاغون" في عهد خلفه جو بايدن، ثم الضغط لتمرير قانون يحظر التطبيع مع النظام في مايو/أيار الماضي من قبل لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مع انتظار التصويت عليه.

وحالياً كشف التحالف عن مشروع جديد، وهو مشروع قرار لآلية خاصة بسورية تهدف لإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على العديد من الجرائم المتهم بارتكابها.

مشروع قرار لإنشاء محكمة دولية خاصة بسورية

وكشف "التحالف الأميركي لأجل سورية"، أن مشروع القرار يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة النظام على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها بحق الشعب السوري، وذلك عن طريق إنشاء آلية قضائية دولية مختصة بسورية عن طريق الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك لتجاوز الفيتو الروسي في مجلس الأمن.

وأكد التحالف، الذي يشارك أعضاؤه المختصون بصياغة مسودات مثل هذه المشاريع، أن المشروع الجديد يدعو الرئيس الأميركي إلى توجيه سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد لاستخدام "صوت، وتصويت، ونفوذ الولايات المتحدة للدعوة الفورية لإنشاء آلية دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم بحق الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية".


محمد صبرا: إذا مر القرار سيلزم كل إدارة أميركية باعتبار بشار الأسد مجرم حرب مع وجوب ملاحقته

ويشير مشروع القرار إلى توافر قدر كبير من المعلومات التي تثبت ضلوع "حكومة الجمهورية العربية السورية بقيادة الديكتاتور بشار الأسد بانتهاك عدد كبير من الاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها سورية، ومنها اتفاقيات جنيف، منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا". كما يشير إلى أن إقامة محاكم خاصة من هذا النوع عبر الأمم المتحدة قد جرت بنجاح في حالات مشابهة للحالة السورية كيوغسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون.

كما يطلب مشروع القرار، أن تعلن الولايات المتحدة دعوتها لذلك رسمياً، وأن تساعد في وضع أصول إجرائية قضائية تمكّن من إجراء محاكمات علنية وعادلة للمتهمين باقتراف هذه الجرائم، وأن تتعاون مع هذه المحكمة الخاصة وتُقدم لها الدعم والمعلومات، وأن تحض جميع الدول الأخرى المعنية على إلقاء القبض على المتهمين.

وجاء في الرسالة التي وُجّهت إلى أعضاء الكونغرس لدعوتهم لتبنّي مشروع القرار هذا، أن بعض القوى الإقليمية قد سعت في الأشهر الأخيرة إلى التغاضي عن "الجرائم الوحشية" التي ارتكبها النظام، وذهبت نحو ‫تطبيع العلاقات معه والترحيب به مجدداً وكأن شيئاً لم يحصل، وأن محاسبة الأسد وحاشيته على جرائمهم أمر ضروري لضمان عدم تكرار هذه الجرائم. ‬

تحرك غربي لتثبيت عزلة الأسد

ومنذ كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/شباط الماضي، والانفتاح على النظام إقليمياً وعربياً من باب تقديم المساعدة وصولاً إلى إعادته للجامعة العربية وحضور بشار الأسد قمة زعمائها الأخيرة في 19 مايو الماضي، لوحظ تحرك غربي لتثبيت عزلة الأسد من جديد، وعلى الأقل عدم وصوله للتعويم الدولي.

فصدر "قانون الكبتاغون" الذي يحاول الأسد إيقاف تنفيذه، أو عرقلته على الأقل، وفرضت دول أوروبية عقوبات جديدة على النظام، وقدّم نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة مشروع قانون يمنع التطبيع مع النظام، من المتوقع مروره وتصديق بايدن عليه قبل نهاية العام الحالي.

تشير كل هذه الخطوات إلى عدم أهمية إعادة النظام "المشروطة" أساساً إلى الجامعة العربية، التي تنتظر التقرير الأول من اللجنة الوزارية العربية، التي اعتمدها بيان عمان، وتبناها القرار 8914 من الجامعة العربية، الذي أعاد النظام إلى مقعد سورية في الجامعة.

ومن المرتقب أن يوضح التقرير ما إذا كان النظام قد اتخذ خطوات لإزالة المخاوف العربية والغربية، حيال الحل السياسي والملف الأمني بما في ذلك تصنيع وترويج وتصدير المخدرات، إضافة إلى مسألة إعادة اللاجئين. غير أن مسألة طرح فكرة المحكمة الدولية من إحدى أهم عواصم صنع القرار في العالم، خلطت الأوراق في الملف السوري من جديد.

وأكد محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في "المجلس السوري - الأميركي" و"التحالف الأميركي لأجل سورية"، أن المسودة التي أعدت وأعلن عن بعض تفاصيلها هي لمشروع قرار وليست لقانون.

وكشف غانم في حديثٍ مع "العربي الجديد" أنه كان من المفترض أن يقدّم مشروع القرار للكونغرس الثلاثاء الماضي، لكن بسبب وجود عطلة طويلة في الولايات المتحدة تأجل طرح المشروع إلى مساء أمس الخميس، ليأخذ النواب العائدون من الإجازة وقتهم في دراسته ووضع الملاحظات عليه إن وجدت.

ولفت غانم إلى أن تقديم مشروع القرار إلى الكونغرس لا يعني التصويت عليه، وإنما يتم اعتماده كمسودة رسمية وإلحاقه برقم وقيدٍ، مشيراً إلى أن عملية التصويت والإجراءات التي تعتمد القرار وتجعله نافذاً هي إجراءات لاحقة.


النظام استخدم الأسلحة المحرمة دولياً 262 مرة في سورية

وحول ما إذا كانت كثرة المشاريع التي يساهم بها التحالف لتقديمها والدفع بها إلى الكونغرس، ستشتت جهود حصار النظام ومحاسبته فيما بينها، أشار غانم إلى أنه "لا يمكننا الاعتماد على خط واحد، والعمل بالنسبة لنا تراكمي وعلى أكثر من مسار، فكلما كثرت هذه المشاريع، سواء من خلال قانون الكبتاغون، أو منع التطبيع، أو العقوبات بشكل عام، وصولاً إلى مشروع هذا القرار، أصبح الأمر أصعب أمام من يحاول طمس الجرائم ويلهث للتطبيع مع النظام وتعويمه".

محاسبة النظام على المستوى الدولي

وتبدو مسألة محاسبة النظام على المستوى الدولي، هدفاً غربياً، سواء في أوروبا أم أميركا، إذ كانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلنت في 12 يونيو/حزيران الحالي أن حكومتي كندا وهولندا رفعتا دعوى مشتركة ضد النظام السوري لدى المحكمة بشأن تعذيب سوريين.

وأشارت المحكمة إلى أن الطلب أكد أن النظام في دمشق ارتكب: "انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي، ابتداءً من عام 2011 على الأقل، بقمعه العنيف للتظاهرات المدنية"، وطالبتا باتخاذ تدابير طارئة لحماية المعرضين لخطر التعذيب.

 تظاهرة للمعارضة السورية في بروكسل ـ بلجيكا، مارس الماضي(تييري موناس/Getty)
تظاهرة للمعارضة السورية في بروكسل ـ بلجيكا، مارس الماضي (تييري موناس/Getty)

وبيد أي محكمة ثلاث إدانات من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، باستخدام قوات النظام للسلاح الكيميائي، في مواقع مختلفة من البلاد، إذ جرّمت المنظمة النظام في ثلاثة تقارير. التقرير الأول هجمات في ريف حماة باستخدام غازي الكلور والسارين عام 2017، والثاني عن استخدام نظام الأسد غاز الكلور السام خلال هجومه على سراقب في ريف إدلب الشرقي في 2018، والثالث الذي صدر بداية العام الحالي يدين النظام بارتكاب مجزرة دوما بريف دمشق باستخدام الغازات السامة عام 2018.

غير أن مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، ومنظمات سورية أخرى تؤكد أن النظام استخدم الأسلحة المحرمة دولياً 262 مرة في سورية.

ويشير المركز إلى أن الهجمات أدت إلى مقتل نحو 3 آلاف مدني، وإصابة 14 ألفاً آخرين، فيما يعمل المركز مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في ملفات 70 هجوماً شنها النظام على العديد من المناطق السورية، ومن المتوقع أن تتوالى الإدانات بخصوص هجمات أخرى.


محمد علاء غانم: نعمل على تحريك كل أدوات الضغط المتاحة

وذلك عدا عن العديد من الملفات التي تدين النظام بالوثائق، سواء من تقارير أشرفت عليها جهات سورية أو غربية، لاسيما ملف صور "قيصر" للتعذيب والقتل داخل السجون، وملف المقابر الجماعية لعمليات الإعدام الجماعية أو المعتقلين، وكذلك القصف الوحشي الموثق بالصور والرصد العسكري للمناطق المأهولة بالسكان، علاوة عن عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافية، وكلها تضع النظام في قفص الاتهام داخل أي محكمة، وتكفي تهمة واحد منها لإدانته وإفقاده شرعيته بحسب القانون الدولي.

ورأى كبير المفاوضين الأسبق في "هيئة التفاوض" المعارضة، الخبير القانوني محمد صبرا، أنه يجب التفريق بين أمرين، الأول مشروع القرار الأميركي، والثاني إمكانية إنشاء محكمة خاصة في سورية.

وأوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن مشروع القرار له أهمية سياسية كبيرة، وفي حال مروره من غرفتي الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) ثم مصادقة الرئيس عليه، سيلزم الإدارة الأميركية من أي توجّه كانت، أن تعتبر بشار الأسد مجرم حرب مع وجوب ملاحقته، وهو ما يمنع أي إدارة من التساهل مع النظام، وسيلزمها ببذل جهود لطرح إنشاء محكمة دولية خاصة بالنظام في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

ولفت صبرا إلى أن "مشروع القرار في حال صدوره، سيلزم الإدارة ببذل عناية لا تحقيق غاية، أي أن الإدارة تبذل جهداً في مؤسسات الأمم المتحدة أو غيرها، لإنشاء آلية خاصة لمحاسبة النظام. وهنا يجب ألا يغيب عنا أن الولايات المتحدة لا تملك النفوذ الكافي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فتركيبة الجمعية معظمها من دول العالم الثالث والكثير من حكوماتها تعد أنظمة ديكتاتورية ومنها متهمة أو مشاركة بارتكاب جرائم حرب".

وأضاف: "هذه الأنظمة عادة ما تقاوم أي آليات محاسبة، وبالتالي تمرير مشروع كهذا في الجمعية العامة ليس مضموناً أو سهلاً، وهو ليس صعباً بطبيعة الحال، ولكن كل ذلك لا يلغي أهمية مشروع القرار الأميركي الذي يجري الإعداد له حالياً، لا سيما على المستوى السياسي على الأقل".

طبيعة المحكمة الخاصة

وحول إمكانية اتخاذ الجمعية العامة قرار إنشاء محكمة خاصة، وما هي طبيعة هذه المحكمة في حال تحقيق وجودها، أشار صبرا إلى أن أول محاكمة كانت في هذا الإطار هي المحكمة الخاصة برواندا عام 1994 وهي بطبيعة الحال قبل أن تنشأ المحكمة الجنائية الدولية. وتضمن محكمة رواندا الخاصة نظامها الأساسي محاكمة مسؤولين رفيعي المستوى، وكان ذلك سابقة مهمة عما كان قبله.

ورأى صبرا: "الآن وضمن المعطيات في القضية السورية، هل يمكن للجمعية العامة أن تتخذ مثل هذا القرار لإنشاء محكمة خاصة؟ الجواب نعم، استناداً إلى قرار الجمعية العام (377 / د) لعام 1950، والمعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام".

وأوضح أنه "بموجب هذا القرار، عندما يتم إغلاق مجلس الأمن أمام ممارسة اختصاصاته في حماية الأمن والسلم الدوليين، سواء لتورط أحد أعضاء المجلس بالنزاع أو تعطيله القرار بموجب حق النقض (الفيتو) بشكل مستمر، فإنه يتم نقل الحالة إلى الجمعية العامة لتنوب عن مجلس الأمن لاتخاذ قرار".

وتابع: "سيكون هنا السؤال مطروحا، هل يمكن اعتبار إنشاء المحكمة الخاصة ضمن نطاق حماية الأمن والسلم الدوليين، والجواب نعم، فالإجابة يمكن أن نجدها في مقدمة (ميثاق روما) المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، الذي ينص على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي تهديد للأمن والسلام الدوليين ورفاه الإنسان".

ولاحظ صبرا أن الإشكالية التي تواجه القضية السورية، هي أنه عندما تحال أي قضية أو مشروع قرار إلى مجلس الأمن كانت روسيا تصر على أن الحالة السورية لا تهدد الأمن والسلام الدوليين، لكن هذه المسألة هنا إجرائية وليست معقدة.

وأوضح أنه استناداً للقرار 2118 لعام 2013 والخاص بنزع السلاح الكيميائي للنظام والمحاسبة على معاودة استخدامه استناداً للفقرتين 15 التي تشدد على المحاسبة، و21 التي تشير إلى أن مجلس الأمن يمكن استخدام وسائل محاسبة تحت الفصل السابع في حال مخالفة القرار الذي صوتت عليه روسيا.

وأشار صبرا إلى أن آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة قد أثبتت تورط النظام في ثلاث هجمات على الأقل، بعد تاريخ نفاذ القرار 2118.

وأضاف: "بالتالي نحن لدينا مستند قانوني أساسي بموجب القرار وفقرتيه المذكورتين، يسمح بطرح القرار على مجلس الأمن، وعندما تستخدم روسيا حق الفيتو ضد أي إجراء في مجلس الأمن، فإنه يمكن نقل الموضوع إلى الجمعية العامة، ويمكن في حال مرور مشروع القرار في الولايات المتحدة أن تبذل الإدارة الأميركية مساعيها لدى الدول الأعضاء في الجمعية العامة من أجل تنفيذ الفقرة 21 من القرار الأممي 2118 في حال عرقلة روسيا اتخاذ قرار في مجلس الأمن".