أكدت مصادر متعددة توقف المفاوضات والوساطة التي تجريها مصر بين فصائل المقاومة الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، عقب عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في العاصمة اللبنانية بيروت، مساء أمس الثلاثاء.
وقال مصدر مسؤول في حركة حماس لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن الحديث عن مفاوضات ووقف إطلاق نار، في ظل جريمة إسرائيلية بحجم اغتيال القائد صالح العاروري".
وأضاف المصدر أن "الوسطاء أنفسهم يشعرون بالحرج نتيجة هذه الجريمة الإسرائيلية التي جاءت بالتزامن مع الأجواء الإيجابية التي سادت المقترحات والردود عليها خلال يوم الاغتيال نفسه".
وأوضح أن "المشهد متروك للميدان في الوقت الحالي للرد على الجريمة الإسرائيلية، بنفس المقدار والحجم، والخيارات مفتوحة أمام الحركة وفي كل الساحات للرد على اغتيال العاروري"، مشيراً إلى أن "هناك اتصالات بين فصائل المقاومة داخل فلسطين وخارجها لتدارس الموقف والرد على الجريمة الإسرائيلية".
في مقابل ذلك، نقلت مواقع رسمية مصرية، عن مصدر (رفيع المستوى)، قوله إنه "لا يوجد بديل عن المسار التفاوضي لحل الأزمة في قطاع غزة، وأن الدور المصري لا يمكن الاستغناء عنه". وشدد المصدر أنه "في حالة عدم وساطة مصر، قد تزداد حدة الأزمة وتتفاقم بما يتجاوز تقديرات كل الأطراف".
وتعليقاً على الموقف الحالي للمفاوضات، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، إن "المفاوضات من أجل وقف القتال لمدة أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر قليلاً، وتبادل أعداد محددة من الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، قطعت شوطاً مهماً وأوشكت على التوصل إلى اتفاق بشأنها، ولكن اغتيال إسرائيل الشيخ صالح العاروري في بيروت سيؤدي إلى تأجيل المفاوضات إلى الأسبوع المقبل، بناء على رغبة قيادات المقاومة الفلسطينية في غزة، وخاصة حماس".
وأضاف حسن: "لن تضحي الأطراف المعنية بما تحقق، لإدراكها أهمية التوصل إلى وقف القتال، لإخراج إسرائيل من حالة هوس القتل والتدمير، وجعلها تدرك أنها لن تستطيع القضاء على حماس عسكرياً وسياسياً، كما لن تستطيع تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة وبلا مقابل، وأن على قادتها خاصة نتنياهو وغالانت، إدراك هذه الحقائق والتعامل مع الواقع بدفع أميركي في هذا الاتجاه".
من الناحية الميدانية، قال الخبير العسكري، اللواء واصف عريقات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "عملية اغتيال العاروري تطور خطير في مسار الحرب، وتدل على أن إسرائيل مهزومة في غزة وموجوعة في لبنان، ولذلك، فإن نتنياهو يريد قلب الصورة، من هزيمة أمام المقاومة الفلسطينية، إلى حرب واسعة مع حزب الله، وجرّ الأميركيين معه في الحرب، كما فعل في البحر الأحمر مع اليمنيين، خصوصاً بعد أن سحبت الولايات المتحدة حاملة الطائرات (فورد) من البحر المتوسط، وقال الرئيس الأميركي بايدن - على المكشوف - إن نتنياهو يريد جرنا للحرب مع حزب الله".
وأضاف عريقات: "من جانب حزب الله، ورغم هذه الضربة الموجعة، يدرك الحزب جيداً أن له حساباته الخاصة، لا سيما أن الجبهة اللبنانية مشتعلة ورادعة للعدو، وإسرائيل قلقة من تكرار ما جرى يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في عملية طوفان الأقصى في إصبع الجليل، وقد صرّح الحزب بأن العدوان لن يمر دون عقاب، ولكن بحسب حساباته المرتكزة على صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفشل الجيش الإسرائيلي بتحقيق أهدافه، وبعيداً عن حسابات نتنياهو".
وكانت مصادر مصرية مطلعة على تحركات القاهرة لإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قد كشفت أن مصر "أبلغت المسؤولين في حكومة الاحتلال، بتعليق مشاركتها في الوساطة بين الاحتلال وفصائل المقاومة، رداً على عملية اغتيال العاروري".
وقال مصدر مصري، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن "وفداً إسرائيلياً ضمّ مسؤول ملف المفقودين والأسرى في حكومة الاحتلال قطع زيارة للقاهرة التي وصلها الاثنين لبحث جهود الوسطاء الخاصة بالتوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل جديدة".
وفي السياق، أفادت هيئة البث الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، بأن حركة حماس طلبت من الوسطاء تجميد الاتصالات حول هدنة أو صفقة تبادل أسرى في أعقاب اغتيال العاروري. فيما ردت إسرائيل بأنها لن توقف عمليات التصفية لقادة "حماس".
في الوقت ذاته، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال استقباله اليوم الأربعاء، وفداً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري من مختلف لجان الكونغرس الأميركي، برئاسة السيناتور جوني إرنست، إن "الأولوية الراهنة تتمثّل في التوصل إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، ونفاذ المساعدات الإغاثية بالكميات الكافية لمواجهة المأساة الإنسانية التي يواجهها أهالي القطاع، اتساقاً وتنفيذاً للقرارات الأممية ذات الصلة".
كذلك شدد على "رفض مصر التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين من أراضيهم". وبينما لم يصدر من جانب مصر أي بيان أو تعليق على عملية اغتيال العاروري في لبنان، أكد السيسي، خلال لقائه الوفد الأميركي، "أهمية العمل المكثف والمسؤول لتجنب عوامل اتساع نطاق الصراع في المنطقة، لما لذلك من تبعات خطيرة على السلم والأمن الإقليميين والدوليين".