أنهى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، أمس الثلاثاء، زيارة للعاصمة الليبية طرابلس، التقى خلالها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، واعتبرها مراقبون للشأن في ليبيا مؤشراً جديداً على نية واشنطن الانخراط أكثر في جهود حلحلة أزمة الملف الليبي.
وفيما كرر المسؤول الأميركي دعم بلاده لجهود حكومة الوحدة الوطنية في المضي بالبلاد نحو مرحلة الانتخابات، إلا أنه شدد على رفضها لأي تدخل مسلح أو تدخل خارجي، مع ضرورة "تقيد كل الأطراف الداخلية والخارجية" باتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن التقيد بالاتفاق بشكل كامل "يشمل سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة".
ومن جانبها، أكدت وزيرة خارجية الحكومة الليبية نجلاء المنقوش، خلال مؤتمرها الصحافي المشترك مع هود، حرص الحكومة الليبية على "إنهاء الوجود الأجنبي وإنهاء حالة النزاع المسلح، وتوحيد مؤسسات الدولة، وتحرير القرار السيادي الوطني من أي إكراه مادي أو معنوي"، وطالبت واشنطن بإعادة فتح سفارتها في طرابلس وقنصليتها في بنغازي لـ"بعث رسالة على استقرار ليبيا".
ويرى المحلل السياسي الليبي معز الثابت أن توقيت الزيارة المفاجئة لمسؤول أميركي رفيع المستوى له دلالته التي تعكس رغبة أميركية في الانخراط بشكل أكبر في المساعي الدولية والأممية لحلحلة الأزمة في البلاد، مشيراً إلى أن الزيارة جاءت بعد أيام من إضافة مهمة جديدة للسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشاد نورلاند، وهي صفة المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا.
ولفت الثابت، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى عدة مستجدات أحاطت بجهود الاتجاه بالأزمة الليبية نحو الحل، منها الصراع في تشاد، الجارة الجنوبية لليبيا، وسط مخاوف من انجراف الجنوب الليبي إلى أتون فوضى السلاح والإرهاب والعصابات المسلحة مجدداً، خصوصاً مع وجود تقارير تتحدث عن علاقة مسلحي حركات التمرد التشادية بعناصر "الفاغنر" الروس الموجودين في ليبيا.
وأضاف: "هناك أيضاً موقف روسي غامض في الملف الليبي. فمقابل رغبة تركية في إعادة نظر وجودها العسكري في ليبيا، لا تزال موسكو تلزم الصمت"، معتبراً أيضاً أن حديث المسؤول الأميركي عن رفض بلاده لأي تدخل خارجي يشير إلى الضغوط التي تمارسها أطراف خارجية على وكلائها الداخليين من أجل عرقلة مسار الانتخابات والاتفاق على أساس دستوري لإطلاقها في موعدها المقرر نهاية العام الجاري، وهو ما تشدد واشنطن على ضرورة إنجازه في موعده.
لكن الباحثة الليبية في الشأن السياسي هنية فحيمة، ترى أن حديث المسؤول الأميركي، خلال المؤتمر الصحافي في طرابلس، يشير إلى أكثر من ذلك، فهي تعتبر أن وجود السفير الأميركي في طرابلس، ريتشارد نورلاند، بصحبة جوي هود في أثناء الزيارة له "دلالة أخرى".
وقالت فحيمة لـ"العربي الجديد" إن "نورلاند قبل أسابيع كشف النقاب عن مهمته الرئيسية في تصريح للصحافة، مؤكداً أنه عُيِّن لوقف عدوان (اللواء المتقاعد) خليفة حفتر على العاصمة، وعبّر عن اعتقاده أنه نجح في مهمته، ما يعني وجود دور أميركي مبكر في مسار التسويات التي وصلت إليها ليبيا"، معتبرة أيضاً أن إضافة مهمة مبعوث خاص إلى واشنطن للسفير الأميركي في هذا التوقيت تدل على انتقال الملف الليبي درجة أعلى في سلم الأولويات الأميركية.
وقالت: "أعتقد أن الزيارة على علاقة أيضاً بجموح حفتر ورغبته في الخروج عن السيطرة الدولية"، لافتة إلى أن السفير الأميركي كشف عن زيارة الدبيبة لبنغازي قبل إعلانها، بل أكد أن الدبيبة سيلتقي حفتر، وهي الزيارة التي منع حفتر حدوثها.
وتابعت: "تأكيد هود لدعم بلاده للدبيبة هو بمثابة رسالة مباشرة لحفتر، الذي لا يزال ميالاً للطرف الروسي، خصوصاً مع توارد عدد من الأنباء عن عزمه على معاودة السيناريو العسكري".
وتبدو معلومات فحيمة بشأن عزم حفتر على العودة إلى سيناريو الحرب تتفق مع تصريحات للناطقة الرسمية باسم حزب "العدالة والبناء" الليبي، سميرة العزابي، لتلفزيون ليبي ليلة أمس، كشفت خلالها عن عزم رئيس الحزب محمد صوان على زيارة عدد من الدول لــ"إطلاعها على نية حفتر إطلاق هجوم عسكري مرة أخرى".
وعلى الرغم من تأكيد فحيمة أن الوجود التركي يجعل أي نصر عسكري لحفتر غير ممكن، إلا أنها ترجح أن "حفتر سيبحث عن أي سبب للتصعيد العسكري بهدف خلط الأوراق بهدف عرقلة مسألة توحيد المؤسسة العسكرية التي يبدو أنه يواجه ضغوطاً للقبول بتوحدها دون أن يجد مكاناً مؤثراً له في الانفراد بقرارها".
ويتفق الثابت وفحيمة في أن مؤشرات زيادة الانخراط الأميركي في الملف الليبي لن ينتج منها أي تصعيد مع الجانب الروسي، لكنهما يؤكدان أنها مؤشرات أميركية تدل على عزم واشنطن على التضييق على خيارات موسكو في ليبيا، وسيكون من أبرزها إضعاف حفتر بكل تأكيد.