على الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي حتى الآن عن الجانبين، إلا أن المؤشرات والتسريبات تتوالى بشأن استعداد السعودية لاستئناف علاقاتها مع النظام السوري، بعد قطيعة دامت 12 عاماً، لتنضم بذلك إلى مجموعة من الدول العربية التي اختارت تطبيع العلاقات مع النظام في دمشق، من دون ربط ذلك على نحو واضح بالحل السياسي الشامل، بل مجرد حديث عن "مبادرة عربية"، أردنية الأصل، للانفتاح العربي على النظام مقابل انخراطه في الحل السياسي.
وذكرت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، الخميس الماضي، أن السعودية والنظام السوري اتفقا على إعادة فتح سفارتيهما، وذلك بعد محادثات في الرياض أجراها مسؤول استخباراتي سوري رفيع المستوى.
ووفق المصادر التي تحدثت للوكالة من دون ذكر اسمها، فإن مدير المخابرات العامة السورية، اللواء حسام لوقا، مكث أياماً عدة في الرياض، وتم التوصل إلى اتفاق لإعادة فتح السفارات في القريب العاجل، مشيرة إلى أن المحادثات شملت الأمن على الحدود السورية مع الأردن، وتهريب المخدرات إلى الخليج.
ووفق الوكالة، فإن إجراءات إعادة فتح السفارتين بعد قطع للعلاقات الدبلوماسية استمر أكثر من عقد، ستبدأ بعد عيد الفطر (الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان المقبل). وأضافت الوكالة، نقلاً عن مصدر إقليمي قريب للنظام السوري، لم تسمّه، قوله إن الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخماً بعد "اتفاق تاريخي" لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، الحليف الرئيسي للنظام.
ورأت "رويترز"، أن إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق، يُعدّ أهم تطور حتى الآن في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع رئيس النظام، بشار الأسد، الذي نبذته العديد من الدول الغربية والعربية بعد اندلاع الاحتجاجات ضد النظام في سورية عام 2011.
محي الدين اللاذقاني: لا يمكن أن تقدم السعودية على خطوة مع نظام مجرم بلا شروط
غير أن المصادر السعودية التي علقت على هذه الأنباء، لم تتحدث عن استئناف للعلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري. وأوضحت أن الاتصالات الجارية هدفها فقط استئناف تقديم الخدمات القنصلية.
ونقلت قناة "الإخبارية" السعودية الخميس الماضي، عن مصدر في الخارجية السعودية، قوله "في إطار حرص المملكة على تسهيل الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جار بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سورية حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية".
من جهتها، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الخميس الماضي، إلى أن النظام السوري والسعودية يقتربان من توقيع اتفاق بعد مفاوضات توسطت فيها روسيا.
وقالت المصادر الحكومية في سورية والسعودية، إن الأسابيع الماضية شهدت جولات عدة من المفاوضات في موسكو والرياض، هدفت إلى تقريب العلاقات بين الطرفين. وقال مسؤولون من السعودية وحكومة النظام السوري ودول عربية أخرى، إن الحكومة الروسية توصلت إلى اتفاق مبدئي عندما زار رئيس النظام السوري بشار الأسد موسكو، بين 14 و15 مارس، بعد زيارات لمسؤولين في النظام السوري إلى السعودية خلال الأسابيع الأخيرة.
ودعا الكاتب السوري المعارض محي الدين اللاذقاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى التريث في استخلاص النتائج بشأن ما يُقال عن قرب استئناف العلاقات بين السعودية والنظام السوري.
وقال إن الصورة غير واضحة بعد، وهل تتضمن هذه الخطوة إعادة افتتاح سفارات، وتبادل السفراء أم مجرد تسهيلات قنصلية؟ ورأى أنه "علينا عدم الإفراط في التحليلات والقفز إلى النتائج، قبل صدور تأكيد من المملكة العربية السعودية، وهي دولة ذات وزن إقليمي ودولي، ولا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوة مع نظام مجرم من دون شروط، وهذا ما يجب أن نعرفه منها لا من أعدائها"، على حد وصفه.
مواقف سعودية مستجدة من النظام السوري
وبغض النظر عن طبيعة أو مستوى الانفتاح السعودي المستجد على النظام في دمشق، فقد صدرت في الآونة الأخيرة مواقف سعودية جديدة، تجلت في التصريحات المتعاقبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، حول ضرورة التوصل إلى مقاربة جديدة للتعامل مع الوضع في سورية.
وقد أوضح ذلك في 18 فبراير/شباط الماضي، خلال جلسة حوارية في مؤتمر "ميونخ للأمن" 2023، معتبراً أن "هناك إجماعاً عربياً على أن الوضع الراهن في سورية لا يجب أن يستمر".
ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، اتخذت السعودية موقفاً قوياً إزاء النظام السوري وقطعت العلاقات معه، كما دعمت وما زالت، تيارات من المعارضة السورية. لكن الخطاب السعودي العلني شهد منذ مطلع العام الحالي تبدلات عدة، برزت خصوصاً مع وقوع الزلزال في سورية وتركيا في 6 فبراير الماضي، إذ بادرت السعودية لأول مرة إلى إرسال مساعدات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر طائرات سعودية حطت في مطار حلب، شمالي سورية.
يُمكن تقسيم مواقف الدول العربية إلى 3 مجموعات
وشكّل الزلزال فرصة سياسية للنظام في دمشق، فتحركت علاقاته السياسية مع العديد من الدول مثل السعودية ومصر وتونس والجزائر، فيما قادت دولة الإمارات جهوداً إغاثية وسياسية أعطت زخماً للانفتاح على النظام في دمشق.
الدول العربية ونظام الأسد: ثلاث مجموعات
ويمكن تقسيم مواقف الدول العربية من النظام السوري إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى، حافظت على العلاقات مع النظام طيلة السنوات الماضية رغم قرار المقاطعة العربي، وإن التزم بعضها شكلياً بإغلاق السفارات في دمشق، ثم عاودت فتحها. مثلاً، لم تقطع سلطنة عمان العلاقات قط مع النظام.
وزار رئيس النظام بشار الأسد مسقط، الشهر الماضي. كما أن العراق لم يقطع علاقاته مع النظام السوري، وكان إلى جانب الجزائر تحفظ على قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، حول تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية. وظلت بغداد على المستوى الرسمي تسير بحذر في علاقاتها مع النظام السوري. كذلك حافظ لبنان على علاقاته مع النظام السوري.
أما المجموعة الثانية، فقطعت علاقاتها مع النظام لبعض الوقت ثم عاودتها أو تفكر حالياً في استئنافها. وجزء من بلدان هذه المجموعة يختلط بشدة مع المجموعة الأولى، ذلك أن دول مثل الإمارات والبحرين لم تقطع علاقاتها فعلياً مع النظام.
وعلى الرغم من قرار إغلاق السفارات، إلا أن هذه الدول أبقت على الاتصالات مع النظام على مستويات عدة. وكان الأردن أيضاً من بين الدول العربية التي أبقت على علاقاتها مع اتصالات محدودة، إذ توقفت الزيارات الرسمية بين البلدين لسنوات عدة، قبل استئنافها في عام 2021، فيما التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نظيره السوري فيصل المقداد خلال اجتماعات دولية عدة، وزار دمشق بعد الزلزال. كما أعلنت البحرين في ديسمبر/كانون الأول 2021، تعيين أول سفير لها في سورية منذ نحو عقد. وعقب الزلزال، اتصل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بالأسد معزياً في الضحايا.
وبالنسبة إلى مصر، فقد شهدت علاقاتها مع النظام جموداً منذ عام 2011، تخللتها فترة دعم قوي للثورة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، ثم العودة مجدداً إلى الحذر، مع وجود اتصالات على مستوى متدن نسبياً. وشكّل الزلزال فرصة أيضاً لرفع مستواها، مع إجراء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مكالمة هاتفية مع الأسد هي الأولى بين الطرفين، فيما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري العاصمة السورية واجتمع مع رئيس النظام.
وتندرج تونس أيضاً في ركب الساعين للتطبيع مع نظام الأسد، وخلال الزلزال أعلن رئيسها قيس سعيد عزمه على إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع النظام منذ 2012.
أما المجموعة الثالثة التي كانت تقف على رأسها السعودية، فلم تعد تضم اليوم سوى دول قليلة مثل قطر والكويت، وبدرجة أقل وضوحاً المغرب الذي اختار الابتعاد نسبياً عن هذا الملف.
وتدعو هذه الدول إلى حل الأزمة من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يطالب جميع الأطراف بالتوقف عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، ويطلب من الأمم المتحدة جمع الطرفين للدخول في مفاوضات وإجراء انتخابات تحت إشراف أممي، وصولاً إلى الانتقال السياسي السلمي.
ما هي فرص نجاح الانفتاح على النظام؟
ويأتي الانفتاح العربي على النظام في دمشق، على الرغم من عدم صدور أية تبدلات في مواقف الأخير من القضايا الخلافية والتي أدت أساساً إلى قطع العلاقات معه، كما يبدو في إطار مبادرة عربية، كشف عنها وزير الخارجية الأردني في سبتمبر/أيلول الماضي.
وبدا الوزير الأردني متفائلاً في التغلب على تأثير العقوبات الأميركية المحتمل على هذه المبادرة، قائلاً إن الجميع يريد أن يرى نهاية للأزمة السورية. وأوضح الصفدي في حينه أن السعودية ودولاً عربية أخرى، ستكون منخرطة في هذه العملية التي يتم تنسيقها مع شركاء آخرين في الساحة الدولية.
غازي دحمان: النظام سيحاول إفراغ المبادرة العربية من مضمونها
وتقضي المبادرة بالشروع في عملية سياسية يقودها العرب، تهدف إلى حل الأزمة السورية استناداً لقرار مجلس الأمن 2254، فضلاً عن مطالبة النظام السوري بالبدء أولاً بمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود باتجاه الأردن ودول الخليج، وإظهار خطوات جدية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سورية.
وفي المقابل، ينخرط العرب بشكل محدود في البداية بتقديم المساعدات المالية والإنسانية، على أن يلي ذلك تنفيذ خطوات بناء الثقة مع المعارضة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، من أجل الشروع في مفاوضات جدية مع المعارضة، للوصول إلى حل سياسي شامل على أساس القرار الدولي 2254.
ورأى المحلل السياسي غازي دحمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العديد من دول الخليج، بما فيها السعودية، باتت ترى أن مواصلة ترك سورية ساحة للتنافس بين تركيا وإيران لا يتماشى مع المصالح العربية، خصوصاً أنه لا تلوح في الأفق أية حلول سياسية جدية، فيما تكتفي الولايات المتحدة بفرض بعض العقوبات على النظام والتي اتضح أنها لم تكن فعالة في التأثير على النظام.
وحول فرص نجاح هذه الجهود، اعتبر دحمان أن النظام في دمشق سيحاول ولا شك، كما فعل في الماضي، إفراغ المبادرة من مضمونها، والإبقاء فقط على العناصر التي تخدم مصالحه، مثل الانفتاح السياسي والمساعدات والاستثمارات، بينما يتهرب من الاستحقاقات السياسية، التي يعتقد جازماً أنها ستؤدي في النهاية إلى إزاحته من السلطة.
وأضاف أن النظام لن يقبل مثلاً بالابتعاد عن إيران، وهو ما أشار إليه الأسد في تصريحاته الأخيرة لوسائل الإعلام الروسية، بقوله إن ما عرض عليها هي مجرد أفكار، وليس من بينها ابتعاد نظامه عن إيران، وأن هذه القضية غير مطروحة.