عاد سيف الإسلام القذافي إلى الانتخابات الرئاسية في ليبيا، في الوقت الذي يُنتظر فيه أن تطعن إدارة القضايا بأي محكمة ليبية ستحكم في حكم قبول محكمة سبها لطعنه الذي أعاده إلى السباق الانتخابي المرتقب في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ويتزامن هذا مع جدل لم ينتهِ، بشأن الأسباب التي حدت بسيف الإسلام إلى الظهور فجأة لخوض الانتخابات الليبية، ورغبته الحقيقية في الانخراط في المسار الديمقراطي الذي لطالما جاهر والده بمعارضته، بل وتسليط آلته الحربية ضده، برفقة سيف الإسلام، طيلة الأشهر الثمانية من عمر ثورة فبراير عام 2011.
ولم تعلن المفوضية العليا للانتخابات الليبية التي استبعدت سيف الإسلام من قائمة الترشح للانتخابات الرئاسية، على خلفية مخالفة ترشحه لمواد في قانون الانتخابات أبرزها المادة العاشرة التي تشترط ألا يكون المترشح "محكوماً عليه نهائياً في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة"، عن موقفها من حكم لجنة الطعون بحكمة سبها، أمس الخميس، وكذلك المجلس الأعلى للقضاء في ما إذا كان حكم محكمة سبها ابتدائياً أم نهائياً ولا يمكن استئنافه.
لكن مصادر مقربة من الإدارة القانونية في مفوضية الانتخابات الليبية كشفت لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، عن اتصالات بين مجلس القضاء والمفوضية، بشأن إمكانية تولي إدارة القضايا بالمحكمة العليا الطعن في قرار محكمة سبها، استناداً إلى كتاب وكيل إدارة القضايا بمجلس القضاء إلى رؤساء فروع إدارته في محاكم ليبيا.
هل يتمّ إخراج سيف الإسلام مجدداً من السباق الانتخابي في ليبيا؟
واطلع "العربي الجديد" على نص الكتاب الموجه من وكيل إدارة القضايا إلى رؤساء فروع إدارة القضايا في محاكم ليبيا، الموافق تاريخه يوم الثلاثاء الماضي، بشأن اختصاصهم في "الطعن في كافة الأحكام الصادرة في الطعون الانتخابية من اللجان الابتدائية ضد المفوضية العليا للانتخابات أمام اللجان الاستئنافية"، كون المفوضية جهة إدارية، حيث تتولى إدارة القضايا وفروعها في محاكم البلاد تقديم الدفوع والمرافعات عن إدارات الدولة.
لكن مجلس القضاء والمفوضية لم يصلا إلى رأي قطعي حتى الآن حيال حكم محكمة سبها، وفقاً لذات المصادر، إذ يواجهان أيضاً مسائل قانونية معقدة أخرى، أهمها حكم صادر عن محكمة الزاوية بشأن استبعاد اللواء المتقاعد خليفة حفتر من القائمة الانتخابية، رغم أنّ المصادر أشارت إلى مسارين في قضية سيف الإسلام؛ الأول أن حكم محكمة سبها يُعتبر لاغياً كونه صدر بعد انتهاء فترة الطعون أمام لجان الطعون، والثاني تولي إدارة القضايا الاستئناف على الطعن أمام محكمة سبها.
ولا ترى أستاذة القانون الدستوري في الأكاديمية الليبية آمال السليني أن المسار الأول ممكن، "كون مجلس القضاء هو من شكّل هيئة قضائية جديدة في محكمة سبها للنظر في طعن سيف الإسلام وقبوله، وبالتالي لا يمكن للمفوضية أن تؤسس رفضها للحكم على صدروه بعد انتهاء فترة الطعون يوم الاثنين الماضي"، مضيفة "أما المسار الثاني بالاستئناف على الطعن فممكن جداً، مع وجود قدرة للمفوضية على استخراج وثيقة بشأن حكم الإعدام الصادر ضد سيف لارتكابه لجرائم حرب".
وتذكّر السليني في حديث لـ"العربي الجديد" بأنّ حكم الإعدام ضد سيف الإسلام في منتصف عام 2015 "صدر عن محكمة استئناف طرابلس وليس عن محكمتها الابتدائية، والأحكام الصادر عن محاكم الاستئناف نهائية"، لكنها تعود لتشير إلى أن "التشابك السياسي والقضائي الحاصل، إلى جانب تأثيرات خارجية لا تخفى على المسار الانتخابية، يبقي كل شيء ممكن، بما فيه عدم قبول استئناف المفوضية على طعن سيف الإسلام وبقاؤه في المشهد".
لكن السؤال الأبرز بشأن وضع سيف الإسلام الجدلي، يتمحور حول أسباب ظهوره الفجائي في المشهد السياسي الحالي الذي يقف على عتبة فترة سياسية جديدة يأمل الليبيون في أن تخرج بالبلاد إلى فترة أكثر استقراراً. ولا يرى الناشط السياسي من سبها رمزي المقرحي ذلك ممكناً، في ظل إصرار سيف الإسلام وحلفائه الخارجيين على انخراطه في عملية ديمقراطية كان من أكبر المعارضين لها، رغم العوائق القانونية التي تواجهه.
القبول بسيف الإسلام أمر واقع؟
ويوجه المقرحي في حديثه لـ"العربي الجديد" الأنظار إلى أن مظهر سيف الإسلام الذي خرج به أثناء تقديمه لأوراق ترشحه يحمل رسالة واضحة بأنه لم يتغير، وقال "ارتدى لباساً يشبه لباس والده ليلة خطابه الشهير وهو يحرض على ملاحقة الليبيين زنقة زنقة... سيف أراد أن يقول جئت لأنطلق من تلك الليلة لأكمل المشوار".
ويضيف المقرحي "لم يبين سيف الإسلام برنامجاً انتخابياً ولا رؤية ولا مشروعاً يمكن أن يُفهم منه تغير مساره السابق، وأنه تخلى عن بندقيته التي كان يشهرها أثناء خطاباته أيام الثورة على والده... طيلة عشر سنوات كان يتولى خطاباً إصلاحياً ضمن نظام والده، لكنه أبان عن وجهه الحقيقي في أولى أيام الثورة، إذ من الضامن ألا يكون انخراطه في الانتخابات وقبوله بالمسار الديمقراطي خدعة جديدة؟"، مذكراً بأن لقاءه الصحافي مع صحيفة "نيويورك تايمز"، في أغسطس/ آب الماضي، بعد سنوات من اختفائه، دافع فيه عن نظام والده وأنكر أن يكون أخطأ طيلة 42 سنة.
لكن السليني ترى أن القبول بسيف الإسلام بات أمراً واقعاً، وتؤكد أن من فتح له أبواب المرور إلى الانتخابات هي القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب بشكل غامض، وقالت "رغم حدة المعارضة لصدور القوانين الانتخابية بشكلها المعيب الحالي، إلا أنها فُرضت وأصبحت واقعاً، وحتى حفتر بآلته العسكرية لم يمنع سيف الإسلام من التقاضي أمام محكمة سبها، والمفوضية تغاضت حتى الآن عن تقديمه لطعنه بعد انتهاء فترة الطعون"، وترى أن وراء كل هذا صراع العواصم الدولية والإقليمية في خلفيات وكواليس المسار الانتخابي، "خصوصاً وأن الجميع يدرك أن سيف لن يقبل به قطاع كبير من الليبيين ليخلف أبيه في الحكم".
ولقلب هذه الأوضاع، ترى السليني أنّ القبول بسيف الإسلام "أقرب الحلول لإنقاذ العملية الانتخابية، فكونه مدعوماً من طرف دولي، لا يستبعد أن تكون روسيا، يجعل الطرف الآخر، أي واشنطن والعواصم الأوروبية، تضغط من أجل تأجيل الانتخابات وإجراء معالجات في القوانين الانتخابية للتخلص منه ومن شخصيات عبثية أخرى مثل خليفة حفتر".
بل وترى السليني أن الحديث المتزايد عن عودة الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز لتولي البعثة الأممية في ليبيا خلفاً للمبعوث الأممي يان كوبيتش، في المستقبل، قد يكون ضمن اتجاه إصلاحي للمسار الانتخابي، تدفع إليه واشنطن وعواصم أوروبية وإقليمية أيضاً لصالح حساباتها السياسية في ليبيا، ضمن تنافسها الخفي مع موسكو في الملف الليبي الذي يبدو أن تأثيره يتجاوز الحالة الليبية ليؤثر في المنطقة برمتها.