في ليبيا انتخابات، وفي الوقت نفسه لا توجد انتخابات، فالجميع تخلّى عن مسؤولياته تجاهها، من دون الاتفاق على الاستمرار في الإعداد لها بمواعيد وأطر دستورية جديدة، أو حتى الإعلان عن فشلها، وهذه حقيقة ماثلة للعيان.
لكن هناك أيضاً حقيقة أخرى كانت تواكب الأزمة طيلة السنوات العشر الماضية، وإن يكن باديا من الصعب تشخيصها لصنّاع علاج. تبدو الصعوبة في تشخيص الأزمة الليبية في أنها قادرة على التحور، كما يتحور فيروس كورونا، فهي تظهر في كل مرة بطفرة جديدة في شكلها، لكن مضمونها واحد.
حتى الأيام التي سبقت 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الموعد الذي كان محدداً لإجراء الانتخابات، كان مجلسا الدولة والنواب هما قطبا الخلاف، وتقف عندهما الأزمة الدستورية التي شكّلت أساس انهيار العملية الانتخابية.
لكن عندما اقترب الموعد، بدأت ملامح تحورهما تندفع للمشهد، بالحديث والتلميح عن اتصالات كثيفة لترتيب لقاء بين رئيسي المجلسين خالد المشري وعقيلة صالح، لـ"البحث عن حلول للانسداد"، وكأنهما ليسا من تسبّبا بهذا الانسداد. وحتى الآن لم يرشح شيء عن لقائهما السري في الرباط، والذي يأتي بحجم مفاجآت طفرات الأزمة الليبية.
ومن مظاهر التحور في أزمة البلاد، مشاهد المصافحات الحارة بين أبرز قادة الحروب التي فتكت بحياة الليبيين، طوال عام ونصف العام في جنوب طرابلس، وهما خليفة حفتر وفتحي باشاغا. الأول كان يصف الثاني بعراب الغزو التركي، والثاني كان يصف الأول بالمتمرد الذي لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل. وكان من المنتظر أن ينتج عن هذه المصافحة واللقاء شيء، لكن يبدو أنهما فضّلا الانتظار، ففي أكمة أزمة الانتخابات ما وراءها، وبالتالي عودة شعارات الثورة ومكافحة الإرهاب في تصريحاتهما ممكنة جداً.
أما الحكومة التي كانت قبل أيام قليلة على شفا الانهيار، والجميع صوّب أسهمه نحوها،فبقدرة قادر أعلن نائب رئيسها حسين القطراني، الرجوع إلى مكتبه في طرابلس لممارسة أعماله، من دون أي مقدمات، ومن دون أن يحدثنا عن تحقق مطالب برقة وحقوقها، بعدما وصل الصراع لأجلها بينه وبين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، إلى حد وقوف البلاد على عتبة انقسام حكومي. فما الذي حدث حتى تحورت العلاقة بينهما من طفرة الخلافات إلى الوفاق؟
أما أعجب المتحورين فهو سيف الإسلام القذافي، الذي برز فجأة مقدماً أوراقه للانتخابات، راغباً في ممارسة الديمقراطية، لينسف بجرة قلم، وهو يوقّع على مستندات الترشح، المبادئ والنظريات التي كان يحكم بها والده البلاد طيلة أربعين عاماً، وحمل سيف الإسلام لأجلها السلاح في وجه شعبه.