عادة ما تحمل بيانات الجهات الرسمية، المحلية منها أو الخارجية، عناوين مكررة وفضفاضة للتعبير عن موضوع أي لقاء بين المسؤولين، كـ"مناقشة الوضع السياسي"، و"سبل الخروج بحل توافقي"، و"الاستحقاق الانتخابي"، وغيرها من العناوين المكررة.
لكن مع طول الوقت بات المتابع متمرساً، وأصبحت لديه قدرة على المقارنة مع المعطيات ليتكهن بالمضامين الحقيقية لهذا البيان أو ذلك، وظروفه وأسبابه.
وفي حالة المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، جاءت تغريدات وبيانات البعثة الأممية، تحمل ذات العناوين، فهي تتأرجح بين ضرورة إنتاج "مسار توافقي بقيادة ليبية"، و"التوافق على إطار دستوري للانتخابات في أقرب فرصة". وواضح أن "المسار التوافقي" يشير إلى عمق التدخل الخارجي وتحوله إلى عثرة أمام التوافق الليبي ــ الليبي.
أما "التوافق" فيشير إلى عدم وضوح الرؤية بشأن الخلفية الدستورية للانتخابات حتى الآن، حول مسودة الدستور أو الخروج بقاعدة دستورية مؤقتة. وتؤكد هذه البيانات أن المبعوث الجديد يركز في جهوده على ملف الانتخابات، وبالتالي فإن رؤيته تتمحور حول الدخول من بوابة الانتخابات كأول الطريق نحو حل الأزمة في البلاد.
لكن من جانب آخر لا تبدو هذه الرؤية جديدة، لأن من وضع الأزمة على سكة الانتخابات هم مبعوثون سابقون، لم تنتج جهودهم شيئا يذكر، بل على العكس فإن ارتدادات الفشل في هذا المسار، عقّدت الأزمة وأعادت البلاد إلى الانقسام الحكومي مجدداً.
وفيما يبدو أن رصد تداعيات فشل إنجاز الانتخابات سهل، إلا أن لقاءات باتيلي حتى الآن تكشف عن قصور واضح في فهمه لعمق الأزمة وعرقلتها الحقيقية، وأنه سيحتاج مدة أطول ليتعرف على أهم عقبة تدور حولها العراقيل الأخرى، مثلما احتاج من سبقه من مبعوثين أمميين وقتاً للتعرف عليها أيضاً، وانتهت ولاياتهم من دون حل.
وذلك، لأن التدخل الأجنبي على الأرض هو تركي وروسي، وما كان الأول ليكون لولا تدخل الثاني الذي جاء بطلب من اللواء المتقاعد خليفة حفتر لمساندته في حروبه.
والخلاف على الإطار الدستوري لا يتمحور حول ما إذا كان دستوراً أم قاعدة مؤقتة، بل على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وتحديداً السماح للعسكريين ومزدوجي الجنسية بخوض الانتخابات. وهي شروط باتت لصيقة بوضح حفتر، فمتى يصل باتيلي لهذه الحقيقة ويدرك أن غول الأزمة الكبير والمهول ما هو إلا ظل لحفتر ووضعه ومن يقف وراءه؟