"مجزرة" إعدامات جديدة تُسجل في ذمة القضاء المصري المسيس، لكن هذه المرة حملت سخرية تعبّر عن حالة التخبط والعشوائية في التجهيز للأحكام من قبل النظام، إذ إنه من ضمن 102 حكم بالإعدام هناك أربعة إعدامات تعود إلى شهداء وأسير فلسطينيين، وذلك في قضية "اقتحام السجون".
وقررت محكمة جنايات القاهرة المصرية، برئاسة المستشار شعبان الشامي، إرسال أوراق قضية الهروب من السجون، إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إلى مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي في إعدام 102 متهم في القضية، في مقدمتهم الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، والداعية الشيخ، يوسف القرضاوي، وحددت جلسة 2 يونيو/ حزيران المقبل للنطق بالحكم.
اقرأ أيضاً بالفيديو: تسريب صوتي للفريق عنان يبرّئ مرسي
أما الشهداء الذين حكم عليهم القضاء المصري بالإعدام فهم: حسام الصانع وهو المتهم رقم 2 في القضية واسمه بالكامل، حسام عبدالله إبراهيم الصانع، (فلسطيني الجنسية)، واستشهد في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الضربة الأولى للحرب بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2008.
والشهيد الثاني، هو تيسير أبو سنيمة، المتهم رقم 37 بالقضية، فلسطيني الجنسية. شارك في العملية العسكرية لحركة المقاومة "حماس" في أسْر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، واستشهد في العدوان الإسرائيلي عام 2009.
إضافة إلى رائد العطار، المتهم رقم 71 في القضية، فلسطيني الجنسية، وهو القائد في كتائب "عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، واستشهد في عملية اغتيال من قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014.
وهناك حسن سلامة، المتهم رقم 35 في القضية، فلسطيني الجنسية، ومحكوم عليه بالمؤبد من قبل الاحتلال الصهيوني عام 1996، وقضى في سجون الاحتلال حتى الآن 19 عاماً ومازال أسيراً.
واستمرت جلسات القضية لمدة 468 يوماً، إذ بدأت أولى الجلسات يوم 28 يناير/كانون الثاني 2014، وعقدت خلالها قرابة 35 جلسة، حتى حجزت للحكم بجلسة اليوم الموافق 16 مايو/ أيار الجاري.
من جهة ثانية، تعبّر هذه الأحكام عن سيناريوهين للأزمة المصرية المستفحلة؛ أول تلك السيناريوهات هو عدم قدرة النظام الحالي على تقديم حلّ سياسي للأزمة المستمرة منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب، وهو مرسي بانقلاب، إذ لم يتمكن الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، على مدار عامين تقريباً، من تقديم رؤية للحل.
بل بدا أن النظام الحالي يتجه للتصعيد مع جماعة "الإخوان" وقطاع عريض من التيار الإسلامي الموالي لمرسي، عبر قمع التظاهرات والاعتقالات والأحكام السياسية على قيادات التيار الإسلامي.
ويشير مراقبون إلى أن استمرار النظام الحالي على النهج نفسه يمكن أن يُدخل مصر في نفق مظلم، خصوصاً في ظل تزايد الضغط على رافضي الانقلاب، وهو ما قد يسعى إليه النظام الحالي، من خلال دفع الشباب نحو الخروج من السلمية إلى العنف المسلّح.
غير أنّ هؤلاء رأوا أنّ هناك عدم ميل أو جنوح للتيار الإسلامي نحو استخدام العنف، ما يفوت الفرصة على السيسي لتحقيق مراده.
أما السيناريو الثاني الذي تذهب إليه قيادات من التيار الإسلامي، هو محاولة النظام الحالي الضغط بشكل كبير على رافضي الانقلاب، في محاولةٍ لإجبارهم على الجلوس على طاولة مفاوضات، وتحسين شروط التفاوض عبر الأحكام الجائرة والزجّ بالشباب في السجون.
بيد أن هذا السيناريو، لا يخلو من مطالبات بعضهم بالتصعيد ضد النظام الحالي بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيكون له تأثير سلبي حتى على محاولات النظام.
ويرى بعضهم أن أحكام الإعدام، وما قضت به محكمة الأمور المستعجلة من حظر روابط "الألتراس"، تصعيد جديد من النظام ضدّ معارضيه، سواء من التيار الإسلامي أو غيرهم.
وما يدلّ على عشوائية هذه الأحكام التي صدرت، أمس، ومآربها السياسية، وجود شهيدين فلسطينيين وثالث أسير في سجون الاحتلال منذ نحو 19 عاماً، ضمن المتهمين في قضية السجون. فضلاً عن الثغرة القانونية المتمثلة في عدم وجود عقوبة الإعدام لمن هَرَب من السجن.
ويقول وزير العدل السابق خلال حكم مرسي، المستشار أحمد سليمان، لـ"العربي الجديد"، إن الكشف عن أسماء شخصيات فلسطينية، كانت في سجون الاحتلال خلال الأحداث، يؤكد فساد التحريات التي قامت بها الأجهزة الأمنية.
ويشدد على أن قضية الهروب من سجن وادي النطرون، هي دليل إدانة دامغ ضدّ وزارة الداخلية، ومأمور السجن في تلك الأحداث، متسائلاً "كيف يتم اتهام أشخاص كانوا مختطفين أو معتقلين منذ ليلة 28 يناير/كانون الثاني 2011، بارتكابهم تلك الجريمة؛ إذ إنه من المفترض في الظروف الطبيعية أن تتم محاكمة مأمور السجن الذي سمح بسجن هؤلاء الأشخاص، على الرغم من عدم وجود أمر بالحبس من النيابة أو الجهة القضائية المختصة".
وحول قرار الإحالة، أشار سليمان إلى أن السياسة تلعب دوراً كبيراً في تلك الأحكام، موضحاً أنّ "رأي المفتي ليس مُلزماً ولن يقيّد المحكمة، إذ من الممكن للقاضي ألا يأخذ برأيه ويصدر حكماً مخالفاً؛ نظراً لأنّ رأي المفتي استشاري وليس مُلزماً".
بدوره، يقول القيادي في "الجبهة السلفية"، مصطفى البدري، إنّ إحالة قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" ومرسي للمفتي أمراً ليس بجديد، والحكم متوقع من سلطة الانقلاب وقضائه.
ويضيف البدري لـ"العربي الجديد"، أنّ "القضاء المصري يؤكّد ثلاثة أمور، أولها عداؤه لثورة يناير بكل تفاصيلها، وثانيها أنه مجرد لعبة بيد السلطة العسكرية، وثالثها، أن لا علاقة له بالقوانين ولا قواعد المحاكمات العادلة".
ويشدّد على أنّه "كان يتوقع صدور هذه الأحكام، حتى يكون بيد السلطة العسكرية أوراق أكثر للضغط على قادة الحراك المتواصل منذ انقلاب يوليو، إضافة إلى استغلالها عند حدوث أي مفاوضات لتحقيق مكاسب في مقابل إسقاط هذه الأحكام".
ويلفت القيادي في "الجبهة السلفية" إلى ضرورة التصعيد ضدّ الانقلاب، وأن يكون رد الفعل على هذه الأحكام مناسباً لها، داعياً إلى تصعيد قد يصل "لاقتحام السجون وتحرير المعتقلين وبينهم مرسي"، على حدّ قوله.
ويشير إلى أن القاضي يؤجّل التنفيذ بعض الوقت "فلو وجد استجابة سيقوم بإلغائها أو تخفيفها بحسب درجة الاستجابة، لكن من الممكن أن يبدأ في التنفيذ بعد فترة ليست طويلة، غير أنه لن يستعجل ذلك".
وحول شمول الحكم أسماء شهداء فلسطينيين وأسيراً منذ نحو 19 عاماً في سجون الاحتلال، يقول البدري إن "هذا يؤكد فشل أجهزة الأمن والاستخبارات في جمع الأدلة بشكل سليم". ويتابع أن "القضاء لا يفنّد أدلة الاتهام ولا ينظر فيها. هو فقط ينفذ التعليمات التي تصل إليه".
من جهته، يرى القيادي في حزب "الحرية والعدالة"، أحمد رامي، وهو أحد المتهمين في قضية الهروب من سجن وادي النطرون، أنّ القضية لا تتعدى كونها إحدى أدوات التضليل وتزييف الوعي من قبل الثورة المضادة.
ويضيف رامي أن "الهدف من القضية تشويه المقاومة الفلسطينية المسلحة عامة وحركة "حماس" خصوصاً؛ عبر الترويج لأكذوبة تدخلها في الشأن المصري واقتحامها للسجون خلال ثورة 25 يناير".
ويتابع أنّ "الهدف هو إحكام الحصار على قطاع غزة المقاوم، استجداء وطلباً لدعم سياسي صهيوني، وهو ما تحقق له". ويشير إلى أن "القضية جاءت للترويج بأن ثورة 25 يناير مؤامرة من جهات إقليمية على مصر الدولة والوطن، وليست أنبل ثورة قام بها شعب تلبيةً لأشواقه للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".
وحول تفنيد قضية الهروب من السجون، يقول رامي إن "هناك شهادات أكّدت كذب هذه القضية، ومنها شهادة أخت اللواء البطران والمسجّلة في فيلم وثائقي عن اغتياله، والتي اتهمت فيه الداخلية بوضوح لا لبس فيه بقتله، وذلك بناء على آخر مكالمة هاتفية دارت بينهما يوم استشهاده اتهم هو فيه (وزير الداخلية الأسبق الحبيب) العادلي صراحةً بأنه وراء ما جرى".
ويتابع "وهناك شهادة المقدم، عمرو الدرديري، ضابط مباحث سجن أسيوط مع الإعلامي حافظ المرازي، والتي قال فيها، إنه رفض تنفيذ تعليمات تسهيل هروب المسجونين، فتم تهديده وتنحيته من قبل قيادته لتنفيذ الأمر".
ويشير إلى شهادة مصطفى الفقي حول أن سيناريو إخراج المساجين بهذه الطريقة كان أحد السيناريوهات المعدّة من قبل العادلي للسيطرة على الأوضاع في البلاد، وقد ذكر هذا على شاشة قناة "النهار".
ويخلص القيادي في حزب "الحرية والعدالة" إلى شهادة وزير الداخلية عقب الانقلاب، اللواء محمد إبراهيم، الذي كان يرأس قطاع السجون في 25 يناير/كانون الثاني، ويقول إنّه "لا يوجد مستند رسمي يثبت تواجد مرسي ومن كانوا معه في وادي النطرون في السجون حينها".
في سياق متصل، يرى خبير سياسي فضل عدم نشر اسمه أنّ "النظام يحاول الضغط على جماعة (الإخوان) ومؤيدي مرسي بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، إما لإجبارهم على الدخول في موجة عنف ضده، ولكن هذا بعيد عن فكرة التحالف ومؤيدي مرسي.
وأضاف الخبير لـ"العربي الجديد"، أنّ "السيسي لديه هاجس من تكرار تجارب سابقة وقعت خلال العقود الماضية، لجهة تصفية مسلّحة للمعارضة، من خلال دفعهم لحمل السلاح".
وأكد أن قيادات التيار الإسلامي نجحت حتى الآن في تفويت هذه الفرصة على السيسي، ولكن السؤال هنا.. "إلى متى تتمكن هذه القيادات من كبح جماح الشباب؟"
اقرأ أيضاً: أحكام الإعدام بعد الانقلاب في مصر