- بن غفير يوسع استهدافه ليشمل نشطاء السلام اليساريين والأجانب، بتشكيل فريق خاص لاستهدافهم في الضفة الغربية، بالتعاون مع شرطة الهجرة ووزارة الداخلية.
- تحركات بن غفير تثير قلق منظمات ونشطاء، معتبرة إياها محاولة لإسكات الأصوات المعارضة وتعكس تقدم التيار الديني القومي، مشيرة إلى استراتيجية لتغيير الوضع في المسجد الأقصى وتعزيز السيطرة الإسرائيلية.
منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، في ديسمبر/ كانون الأول 2022، إحدى أكثر الحكومات تطرفاً، منذ الاحتلال لفلسطين، لم يخف وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، زعيم حزب "عوتسما يهوديت" (القوة اليهودية)، مساعيه لتحصيل أكبر قدر من الصلاحيات والدفع نحو إجراءات متطرفة، فيما شهدت الأيام الأخيرة قرارات وخطوات جديدة، آخرها ما يتعلق بتشكيل فريق خاص يضم عدداً من المحققين في الوحدة المركزية في الشرطة، تحت قيادته، لاستهداف نشطاء السلام من يساريين إسرائيليين ومتضامنين أجانب في الضفة الغربية المحتلة.
مليشيات وتسليح
من أبرز قرارات بن غفير، في المراحل الأولى من عمر حكومة الاحتلال، إنشاء ما يُسمى "الحرس القومي"، وهو عبارة عن مليشيات أراد لها دوراً منفصلاً عن الشرطة، وموازية لها وخاضعة له مباشرة، تحسباً لحدوث مواجهات بين الإسرائيليين وفلسطينيي الداخل، على غرار ما حصل في هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021، وتخطيطه لقمع الفلسطينيين.
عمل بن غفير على تشكيل فريق خاص لاستهداف نشطاء السلام في الضفة الغربية
وكان بن غفير قد أشار في مناسبات عدة إلى سعيه للاستعداد لمواجهات من هذا النوع. كما بادر إلى تسهيلات كبيرة لتسليح الإسرائيليين منذ توليه الوزارة. وحاول بن غفير إشراك جهاز "الشاباك" في قضايا مدنية، والمطالبة بصلاحيات لإصدار أوامر اعتقال إداري تتيح احتجاز شخص لمدة ستة أشهر من دون أمر قضائي. لكنه قد يستخدم صلاحياته أيضاً في ملاحقة يساريين إسرائيليين، وقمع من يعارض سياسته، فيما أشارت تقارير إسرائيلية سابقة إلى أنه قد يستخدم "الشاباك" لتصفية حساباته مع خصوم سياسيين. وأفادت وسائل إعلام عبرية، أخيراً، بأن المتوقع إقامة قاعدة "الحرس القومي"، قرب مفترق مسكنة (وهو تقاطع طرق) في الجليل، ما يعني تحويله إلى مشروع استيطاني أيضاً، لتواجده قرب بلدات عربية في الداخل.
كما يشدد بن غفير منذ استلامه منصبه، التضييق على الأسرى الفلسطينيين، ليعيشوا أوضاعاً مأساوية، وسط انتهاكات واضحة لحقوقهم وحقوق الإنسان، من حيث عدد من يتواجدون في الزنزانة الواحدة وحرمانهم من حقوق كثيرة والتضييق عليهم حتى في الطعام والشراب والاستحمام، وعدم تلقّي الرعاية الطبية اللازمة، ما تسبب بوفاة عدد منهم داخل السجون. ويؤيد الوزير المتطرّف إعدام الأسرى، ويرى بذلك حلاً لمشكلة الاكتظاظ داخل السجون.
تحريض بن غفير على اقتحام الأقصى
ويواصل بن غفير توغله في الصلاحيات، مستغلاً تركيبة الحكومة الحالية، وكذلك ارتفاع شعبيته في استطلاعات الرأي الإسرائيلية. ولا يكتفي بن غفير بتحريض المستوطنين على اقتحام المسجد الأقصى وقيامه بذلك بنفسه، لكنه أعد أخيراً، خطة ترمي إلى تغيير ما يُسمى "الوضع القائم" في الحرم القدسي، على نحو يسمح للمستوطنين باقتحامات أوسع وأداء طقوس تلمودية هناك وحرية أكبر، زاعماً وجود "تمييز" ضد اليهود يحد من اقتحامهم الأقصى، ومنادياً بسيطرة إسرائيلية أكبر عليه، وتوسيع استخدام وزارة الأمن القومي للوسائل التكنولوجية فيه.
لكن شهية بن غفير لا تزال مفتوحة على مزيد من القوانين والقرارات، وإقامة لجان ووحدات وفرق، هدفها تعزيز القمع والملاحقات والمشاريع التهويدية والاستيطانية وملاحقة المتضامنين مع الفلسطينيين والمدافعين عن حقوقهم، حتى لو كانوا إسرائيليين أو أجانب.
ويعمل، في الآونة الأخيرة، على تشكيل فريق خاص يضم عدداً من المحققين في الوحدة المركزية في الشرطة، تحت قيادته، لاستهداف نشطاء السلام (اليساريين الإسرائيليين والنشطاء الأجانب)، في الضفة الغربية المحتلة. ويعمل الفريق بالتعاون مع مسؤولين من شرطة الهجرة ووزارة الداخلية، وجهات أخرى، ويتولى "مهمة تحديد أماكن النشطاء الذين يضرون بالاستقرار الأمني في المنطقة"، بحسب ادعاءات بن غفير، الساعي لاستهداف كل من يكشف الحقائق حول ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين. ولم يتوان الفريق أخيراً عن اعتقال نشطاء والتحقيق معهم وإبعادهم عن الضفة الغربية، بحسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت قبل أيام من دون أن تذكر أسماء محددة.
كريم جبران: بن غفير يحاول إسكات أي صوت يحاول فضح ممارسات الحكومة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان
وتتخوف منظمات إسرائيلية فاعلة ضد الاحتلال، فضلاً عن النشطاء الأجانب، من تعزيز قرارات ومشاريع بن غفير ملاحقتها والتضييق عليها. ويذهب بعضها مثل "السلام الآن" إلى حد وصف قرار إقامة فرقة لتعقب النشطاء بالفاشي، كما يخشى النشطاء على حياتهم.
يقول كريم جبران، مدير البحث الميداني في منظمة "بتسيلم"، إن "بن غفير، كما الحكومة الإسرائيلية بشكل عام، يحاول إسكات أي صوت يحاول فضح ممارسات الحكومة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ابتداءً من حملات التحريض وصولاً إلى محاولات سن قوانين لملاحقة هذه المؤسسات. هناك محاولات مستمرة لإخماد صوت هذه المؤسسات".
ويضيف جبران، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النشطاء الإسرائيليين اليساريين والأجانب، الذين هم جزء فاعل في الدفاع عن الفلسطينيين، ضد عنف المستوطنين، هدف دائم لأقطاب اليمين، ولطالما تعرضوا لاعتداءات وملاحقات. والحديث اليوم عن إقامة فرق لاكتشاف هؤلاء، شكل من أشكال محاكم التفتيش، هدفه ترهيبهم وكم الأفواه وإطلاق العنان لعنف المستوطنين. لكن رغم المضايقات فهم متواجدون دائماً إلى جانب الفلسطينيين للتصدي للحملات والممارسات الفاشية الإسرائيلية في الضفة الغربية".
ويخشى المتطوعون في ظل الظروف الراهنة، من استخدام الكاميرات، التي صادرت الجهات الإسرائيلية بعضها، فيما يتعرض عدد كبير من المصورين للتهديد. وتشكل الاعتداءات، برأي جبران، خطورة على حياة النشطاء، خصوصاً مع تحريض بن غفير، المدعوم من الحكومة وأقطابها، الصريح ضدهم.
تقدّم سريع للتيار الديني القومي
من جهته، يوضح الباحث والمحلل السياسي صالح لطفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بن غفير من رموز التيار الديني القومي ذي الأصول الكهانية. وهذه المجموعة تتغلغل في المجتمع الإسرائيلي الذي يجنح لليمين منذ عقود". ويضيف: "هذا التيار يتقدم سريعاً في قطاعات مجتمعية اسرائيلية تتجاوز القطاعات والطبقات والإثنيات، وهو بحاجة ماسة إلى مصفوفة أيديولوجية عملياتية تعينه على الاستمرار في التمدد المجتمعي الذي سيشكل مستقبلاً قاعدته الانتخابية للوصول إلى الحكم، أو المشاركة في وزارات سيادية".
ويقول لطفي، في تفسيره لمسارعة بن غفير للحصول على مزيد من الصلاحيات، إن "هذه المجموعة تعتقد أنها أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر، لذلك تعمل جاهدة لتحقيق برنامجها الأيديولوجي العملياتي من خلال ثلاثة أعمال، لها خلفية قيمية أيديولوجية ذات قاعدة نصية توراتية وتلمودية وحزالية (حزاليم منسوبة إلى الحكماء اليهود الذين قدموا شروحات للنصوص التوراتية والتلمودية وكبار الحاخامات)".
ويشير إلى أن "هذه الأعمال تتجلى في سياسات بن غفير في المسجد الأقصى، وتأسيس الحرس الوطني، وتجنيد الشباب اليهودي المنتمي للتيار الديني القومي، وتجنيد عموم اليهود، تحسباً من الوجود العربي، وطمعاً في التمكين الوجودي السياسي شعبوياً بين الإسرائيليين من جهة، وتغذية للتحريض المُستدام على الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم".
ويرى لطفي أن هذه الأعمال تهدف إلى مجموعة أهداف منها مسيانية (عقيدة يهودية تهدف للتحضير لمجيء المسيح)، مثل فرض الأمر الواقع في المسجد الأقصى، وتحويله راهناً إلى معبد مُشترك لأصحاب الديانتين، وهو ما يتساوق مع الإبراهيمية المتجددة التي تعتنقها علناً دول عربية، وتنُظِر لها العديد من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في المنطقة.
وأوضح أن الهدف اللاحق هو العمل على تغيير الوضع القائم الذي بدأ به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ويمضي به بن غفير إلى آخر الشوط، مدعوماً من الحكومة وقيادتها، وفي المقدّمة نتنياهو شخصياً وقيادات التيارين الديني الصهيوني والحريدي. ويعتبر أن هذه السياسات ستصطدم بحراك فلسطيني شعبي ومقاوم عملي ومتدحرج، قد يصل إلى انتفاضة تشمل كافة أماكن التواجد الفلسطيني في فلسطين التاريخية.