اعترض محامون تونسيون على رفض عمادتهم إضراب القضاة احتجاجاً على قرارات الرئيس قيس سعيّد، ومساندة العمادة سعيّد وخياراته.
ويخوض القضاة في تونس إضراباً للأسبوع الثالث على التوالي، بهدف تحقيق مطالبهم المتعلقة بتراجع رئيس الجمهورية عن المرسوم 35 (الصادر بتاريخ 1 يونيو/حزيران 2022 والذي يسمح لرئيس الجمهورية بإعفاء قضاة) والعدول عن قائمة الإعفاءات الأخيرة التي شملت 57 قاضياً.
وأصدرت "الهيئة الوطنية للمحامين بتونس" (عمادة المحامين)، برئاسة إبراهيم بودربالة، أول أمس الإثنين، بياناً قالت فيه إنّ استمرار إضراب القضاة "يتعارض مع مقتضيات ممارسة الحق النقابي الذي يقتضي استمرارية سير المرفق العام، وينال من حقوق المواطنين في النفاذ إلى العدالة والإنصاف القضائي".
وأكد مجلس الهيئة في بيانه "تمسّكه بمبدأ سيادة القانون القائم على قرينة البراءة، والحق في الدفاع والتقاضي والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب"، معتبراً أنّ استمرار إضراب القضاة للأسبوع الثالث على التوالي "يؤكد عدم شرعيته لمخالفته للقوانين السارية التي تحجر الإضراب".
وذكّر في هذا الصدد بالإضراب الذي كان نفذه القضاة خلال السنة القضائية المنصرمة لمدة شهرين متتاليين، "لا لشيء إلا لتحصيل جملة من المنافع المالية، مما جعل مرفق العدالة وحقوق المتقاضين رهينة مصالحهم القطاعية وأضر بالصالح العام"، كما ورد في البيان.
ودعت عمادة المحامين وزارة العدل والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، إلى "إيجاد الحلول العاجلة والكفيلة بضمان استمرارية المرفق القضائي، وضمان حق المواطنين في النفاذ إلى القضاء".
وفي الوقت عينه، أكدت الموقف المبدئي للمحاماة التونسية الرافض لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، محمّلة "الأطراف الحاكمة خلال العشرية الفارطة كامل المسؤولية في النتائج المترتبة عن عدم إصلاح المنظومة القانونية، والتمادي في تكريسها بإقرار مواصلة العمل بها بموجب الفصل 149 من دستور 2014".
ويحتج القضاة التونسيون بسبب الأمر الرئاسي عدد 516 المتعلق بإعفاء 57 قاضياً، وصدور المرسوم عدد 35 المنقح لبعض فصول قانون المجلس الأعلى المؤقت للقضاة.
ويخوض القضاة إضرابهم للأسبوع الثالث في تونس بعدما أصدرت هياكل القضاء لائحة، السبت الماضي، تضمنت جملة من التدابير والتحركات التي سينتهجها القضاة خلال الفترة المقبلة؛ أبرزها خوض القضاة المشمولين بأمر الإعفاء إضراباً عن الطعام، ومواصلة تعليق العمل بكافة المحاكم لمدة أسبوع آخر (3 أسابيع على التوالي) وتنظيم "يوم غضب"، فضلاً عن دعوة رئيس الجمهورية للاستجابة لطلب عقد لقاء مع الهياكل القضائية.
وفي مقابل ذلك، حيّا المحامون موقف الفرع الجهوي للمحامين بتونس، الذي كسر صمت العمادة بعد محاكمة المحامي سيف الدين مخلوف.
وأصدر الفرع بياناً، مساء أمس الثلاثاء، عبّر فيه عن "رفضه المطلق" للمساس بصلاحيات هياكل المهنة في ضبط ومسك جدول المحامين بموجب مجرّد حكم قضائي صادر عن محكمة عسكرية، واصفاً الأمر بأنّه "سابقة خطيرة".
وندّد بـ"المساس بصلاحيات هياكل مهنة المحاماة"، وحذر من "مغبّة اعتمادها كمنهج لتطويع المحاماة أو المساس باستقلاليتها".
والأسبوع الماضي، قضت محكمة الاستئناف العسكرية بتونس بسجن مخلوف مدة عام مع النّفاذ، وحرمانه من ممارسة المحاماة مدّة 5 سنوات.
من جهة أخرى، أكد الفرع الجهوي للمحامين بتونس، أنّ "الاحترام الواجب للأحكام القضائية لا يُلغي الحقّ في نقدها ورفضها متى مسّت بالحقوق والحريات ونسفت ضمانات الدفاع والحقّ في المحاكمة العادلة بتفعيل آلية العقوبات التكميلية في غير مناطها".
وقال الكاتب العام لمجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، مالك بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "عمادة المحامين عوّدتنا للأسف، على خلاف ما عرف عن تاريخ المحاماة، منذ 25 يوليو/ تموز باصطفافها خلف الانقلاب وخلف القرارات التعسفية ووراء قرارات غير دستورية".
واستغرب بن عمر "عدم تنديد الهيئة بمحاكمة المحامي سيف الدين مخلوف عسكرياً، والتي تتجاوز شخصه إلى مبدأ محاكمة مدنيٍّ أمام القضاء العسكري إلى حرمان محامٍ من ممارسة مهنته لخمس سنوات بما يمسّ بصميم اختصاصات الهيئة ومن جدول المحامين، وهو ما لم يثر حفيظة الهيئة وكأنها مسألة عادية بالنسبة لها". وقال إنّ "ما يحدث مزعج وغريب جداً".
وعلّق على بيان العمادة، قائلاً إنّ "إضراب القضاة قانوني وشرعي وهو حق دستوري حسب البند 36 الذي يجيز لهم ذلك، ما عدا الجيش والأمن الوطني"، مشدداً على أنه "حق نقابي وأنّ باب الحقوق والحريات ينطبق وسارٍ على ذلك".
وتابع أنه "من العيب أن تصطف الهيئة وراء قرارات سعيّد"، متهماً بودربالة بأنّه ورّط قطاع المحاماة وجرّه وراء قراراته الشخصية".
وبيّن أنه "كان من المفروض أن ينخرط بودربالة بشخصه وأن يصرّح بذلك، وأما المشاركة باسم العمادة فالمفروض أن يستشار في هذا القرار قطاع المحاماة بكامل قواعده".
وحذر من أنّ المحاماة ينتظرها مأزق كبير بسبب التمديد في عهدة بودربالة إلى سبتمبر/ أيلول بدل عقد المؤتمر في يوليو/ تموز، وذلك بسبب ما سمّاه بن عمر "التلاعب بالقوانين وتأويلاته". واعتبر أنّ بودربالة يفكّر في المنصب الذي سيتولاه بعد العمادة، مضيفاً أنه "يمكن أن ينتخب العميد في سبتمبر/ أيلول، ولكن الهيئة ليست عميداً فقط، بل فروع جهوية ورؤساء فروع"، متسائلاً "متى سيتم انتخابهم؟".
وعلّق بن عمر على بيان وزارة العدل حول صرف غرامة القضاة المعفيين، قائلاً إنّ "الأمر لا يتعلّق بإصلاح القضاء ولا بنظرة استشراف ورؤية ومشروع يهم مستقبل العدالة، بل إن الأمر يتعلق بتصفية حسابات ووضع يد واستحواذ على السلطة".
ورأى أنّ الوزارة ماضية قدماً في تنفيذ قرار سعيّد، مشيراً إلى أنّ "من يريد الاستحواذ على السلطة لا تتوقع منه التراجع".
وقال المحامي كريم المرزوقي، في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك"، إنّ بيان هيئة المحامين "سيبقى مرجعاً للأجيال المقبلة في تبيان ليس فقط تخاذل هيئة المحامين أمام المشروع السلطوي لرئيس الدولة للانقضاض على السلطة القضائية، بل أيضاً يعكس مدى التواطؤ والمشاركة في الجريمة وهو أولاً ينزع عن القضاة حقهم في الإضراب المشروع لمواجهة هذه الهجمة، وثانياً يدعو وزارة العدل لاتخاذ الوسائل اللازمة لمواجهة الإضراب بما يعنيه ذلك من تحريض في سياق تصعيد ووعيد من سلطة الاستثناء".
ونشر المحامي سمير ديلو بيان هيئة المحامين على حسابه بـ"فيسبوك"، معلّقاً: "تبًّا، العار أطول من الأعمار".
ودونت المحامية علا بن نجمة قائلة: "بيان هيئة المحامين اليوم لا يمثلني: أبداً بتاتاً إطلاقاً"، فيما كتب المحامي أحمد بن حسانة "بيان الهيئة لا يمثلني، القضاة في حالة دفاع شرعي".
ووصف المحامي الحبيب بنسيدهم بيان العمادة بـ"بيان العار"، قائلاً: "لا يمثّلني ولا يعنيني ولا يُلزمني".