أدان محامون تونسيون قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقت معين، معتبرين أن ذلك "اختطاف للسلطة القضائية وتكريس للاستبداد بجميع السلطات".
وأصدرت مجموعة من المحامين، الثلاثاء، عريضة مفتوحة، منددة بقرار سعيد "حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بهيئة غير شرعية تحت مسمّى (المجلس الأعلى المؤقت للقضاء)، نظمها مرسوم صدر فجر يوم الأحد 13 فبراير/شباط 2022، بما يمثل نسفاً للاستقلاليّة الهيكليّة والوظيفيّة للسّلطة القضائية ومبادئ دولة القانون، وبما يؤكد إرادة رئيس الجمهورية لإخضاع القضاء لسلطته الانفرادية زمن الحالة الاستثنائية".
وأكد الحقوقي والمحامي عبد الرؤوف العيادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تعويض المجلس الأعلى للقضاء بهيئة وقتية غير شرعية مرفوض من القضاة والمحامين، وهو قرار لا أساس دستورياً وقانونياً له"، مشدداً على أن "حل المجلس الأعلى للقضاء هو امتداد لانقلاب سعيد على الدستور وعلى المؤسسات المنتخبة منذ 25 يوليو/تموز، وتكريس للاستبداد بالسلطات".
ويأتي بيان المحامين الموقعين على العريضة على خلفية "موقف الهيئة الوطنية للمحامين بتونس المعبّر عنه في بيانها الأخير، والتصريحات الإعلامية للعميد الأستاذ إبراهيم بودربالة، والصادرة خاصة إثر المرسوم المذكور، والتي عبرت عن موقف لا يليق برسالة المحاماة وتاريخها وقيمها في الدفاع عن استقلال القضاء، بما هو شرط جوهري وأوّلي للمحاكمة العادلة وضمان نجاعة حق الدفاع"، بحسب نص الوثيقة.
وأشاروا إلى أن "دسترة المحاماة في الدستور عبر الفصل 105 الذي ينصّ على أن (المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق والحريات)، تحمل تكليفًا، وليس مجرّد تشريف، للمحامين وهياكلهم للقيام بالدور اللازم، واتخاذ الخطوات الضرورية لحسن أداء رسالة المحاماة التي كانت وستظلّ جدار صدّ لأي مشروع للسيطرة على مفاصل الدولة وارتهان سلطاتها تحت أي مسمّى أو ذريعة".
وعبر المحامون عن رفضهم "المطلق لحلّ المجلس الأعلى للقضاء بوصفه مؤسسة دستورية ضامنة لحسن سير القضاء واحترام استقلاله"، مؤكدين أن "تحفظنا المشروع على أدائه في بعض الملفات طيلة عهدته لا يحول دون التزامنا بالحفاظ على هذه المؤسسة الدستورية إيماناً منّا بأن الإصلاح القضائي هو مسار متتابع عبر الزمن يستدعي الانخراط فيه عبر وسائل المراقبة والتعديل والاقتراح، وعبر تعزيز ضمانات الاستقلالية الهيكلية والوظيفية المكفولة بالدستور لا تقويضها".
وتابع البيان أن "حلّ المجلس الأعلى للقضاء وما تضمّنه المرسوم عدد 11 لسنة 2022 يأتي ضمن مشروع رئيس الجمهورية لوضع يده على كافة سلطات الدولة، وبالخصوص رغبته البيّنة بإخضاع القضاء لإمرته، وهو الذي يعتبر القضاء وظيفة لا سلطة. ونؤكد بذلك أن المجلس الأعلى للقضاء يظل المؤسسة الشّرعية الوحيدة الضامنة لاستقلال القضاء، داعين إلى عدم الاعتراف بالجسم الطارئ الجديد باعتباره جسما غير شرعي يتعارض مع أحكام الدستور والاتفاقيات الدولية والقانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء".
وأكدوا أن "موقف الهيئة الوطنية للمحامين الداعم لحلّ المجلس الأعلى للقضاء والمتفاعل سلبياً مع الانتكاسة الحالية عن المكاسب الدستورية الضامنة لاستقلال القضاء؛ لا يعبّر عن موقف عموم المحامين، ونعتبره موقفاً متخلفاً عن تاريخ المحاماة التونسية وقيمها وثوابتها في الانحياز لبناء سلطة قضائية مستقلة وقوية وناجزة، وغير خاضعة للسلطة التنفيذية".
وأشار نص العريضة إلى أن "الهيئة الوطنية للمحامين، وإن تمثّل الممثل الشرعي للمحاماة بلا شكّ، فهي لا تحتكر لوحدها شرعية تمثيلها في ملف المجلس الأعلى للقضاء، باعتبار أن هذا المجلس يضمّ ضمن تركيبته ثمانية محامين، في مجالس الأقضية الثلاثة، منتخبين من زملائهم انتخاباً حراً ومباشراً، وهم لا يمثلون أنفسهم داخل المجلس، بل يمثلون المحاماة، التي ترشحوا باسمها وصعدوا للمجلس بأصوات منتسبيها. ونحيّي، في هذا الإطار، المحامين الأعضاء في المجلس الذين يناضلون من داخله للدفاع عن استقلالية السلطة القضائية ويؤدون الدور المطلوب لرسالة المحاماة".
واعتبروا أن "إعدام تمثيلية المحاماة فيما يسمّى المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، وعدا عن أنه يتعارض مع أحكام الفصل 105 من الدستور الذي ينص على أن المحاماة شريكة في إقامة العدل، فهو يؤكد حقيقة مشروع رئيس الجمهورية في تغييب المحاماة وتحجيم دورها رغم أنها مكوّن جوهري لا غنى عنه في أي إصلاح قضائي يُدّعى السعي إليه. ونذكّر بأن ضمان تمثيلية المحاماة في التنظيم المؤسساتي القضائي هو مكسب طالما ناضلت لأجله أجيال من المحامين زمن الاستبداد والتأسيس الدستوري، الذين عملوا على تعزيز مكانة المحاماة في مختلف المواقع لأداء رسالتها بالشكل المطلوب".
ودعا المحامون "مجلس الهيئة الوطنية للمحامين، وبالخصوص السيّد العميد، لإنقاذ الموقف وتدارك سوء التقدير، بإلإصداح بالموقف الطبيعي للمحاماة التونسية من قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء ومن مرسوم ما يُسمّى "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء"، وذلك بما يليق بتاريخ المحاماة التونسية وانحيازها غير القابل للمساومة إلى مبدأ استقلالية السّلطة القضائية والتصدّي لمشاريع إضعافها أو تقييدها. ونؤكد أن المحامي لا يمكن أن يمارس حقّ الدفاع إلا أمام قاض يتمتع بضمانات الاستقلالية خاصة الوظيفية منها، وليس أمام قاض موظّف يخضع مساره المهني لأهواء السلطة التنفيذية ورغباتها".
كما دعا المحامون "زملاءهم في مختلف الجهات، وباختلافاتهم السياسية والأيديولوجية، لعدم تفويت هذه اللحظة التاريخية لليقظة والانحياز لمبادئ المحاماة وثوابتها، والدفاع عن سلطة قضائية مستقلّة غير خاضعة إلا لحكم القانون لا لأهواء صاحب السلطة التنفيذية، باعتبار أن المحاماة مكوّن في تركيبة السلطة القضائية وشريكة في إقامة العدل".