تحمل بداية العام 2023 محطات وملفات معقّدة على صعيد المشهدين السياسي والميداني السوري، في وقت يغيب فيه أفق حل الأزمة ووقف الحرب التي تفاقم يومياً معاناة السوريين، سواء القاطنين في مناطق سيطرة المعارضة أو النظام. ويعيش هؤلاء في العامين الأخيرين ظروفاً هي الأسوأ على الإطلاق، في ظل الغلاء وندرة المواد التموينية وضعف المدخول، ما يجعل الواقع المعيشي أقرب للكارثي.
وعلاوة على ذلك، فقد لاحت أخيراً بوادر انهيار للبنية المالية والاقتصادية للنظام بسبب تهاوي الليرة أمام العملات الأجنبية، وشح الوقود اللازم لتشغيل وسائل النقل، ما شل الحركة في مدن عدة، على رأسها العاصمة دمشق، واضطر النظام لإيقاف العمل بالدوائر الحكومية على فترات متقطعة، وهو خيار لم يلجأ إليه طوال سنوات الحرب.
عموماً، باتت البلاد تعيش على الحوالات من المغتربين أو بالأحرى المهجرين الذين باتوا بالملايين حول العالم، فيما يعيش النازحون على المساعدات الأممية. وحتى تلك المساعدات باتت مهددة بالتوقف مع انتهاء تفويض إدخال المساعدات الإنسانية الأممية من معبر باب الهوى، بانتظار ما سيدور في أروقة مجلس الأمن يوم العاشر من الشهر الحالي من مناقشة قبل التصويت على تجديد الآلية من عدمه. ويظل الترقب خاصة لجهة مساومة سياسية ما من روسيا الساعية للحصول على مكاسب لصالح حليفها، نظام بشار الأسد، مقابل عدم رفع حق النقض (فيتو) في طريق تجديد الآلية، وهو أول الملفات الإشكالية بداية العام الحالي.
وتنتهي في العاشر من الشهر الحالي آلية تجديد المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وفي اليوم ذاته سيعقد مجلس الأمن جلسة لتمديدها، لا يُتوقع أن تصل إلى نتائج قبل التفاوض مع روسيا لتجديد الآلية.
ونجحت موسكو سابقاً في تقليص آلية دخول المساعدات من أربعة معابر إلى واحد، ثم تقليص المدة من عام إلى ستة أشهر، ثم تفعيل المساعدات عبر الخطوط (من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة وبالعكس) لتتيح للنظام الاستفادة والتحكم جزئياً بآلية تمرير المساعدات. كما أدخلت برنامج التعافي المبكر الذي تستفيد منه الهياكل المؤسسية للنظام.
وتتذرع موسكو بأن دخول المساعدات عبر معبر تسيطر عليه المعارضة، أو خارجة عن سيطرة النظام بوصفه ممثلاً لـ"الدولة السورية"، ينتهك مبدأ السيادة، وهذه الورقة استخدمتها دائماً ومن المتوقع أن تستخدمها في جلسة مجلس الأمن المقبلة عند التصويت على مشروع قرار التمديد.
في الملف الثاني، تسود "الخيبة" أوساط المعارضة السورية وجمهور الثورة حيال توجّه تركيا لتطبيع علاقاتها مع نظام بشار الأسد، لا سيما بعد الاجتماع الثلاثي بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام في موسكو، الأربعاء الماضي، وسيتبعه اجتماع آخر لوزراء الخارجية هذا الشهر، بما يعني أن الخطة التدريجية التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد تسير كما هو مرسوم لها.
أمام هذه المعطيات بات الارتباك عنواناً لتعاطي المعارضة السياسية والعسكرية السورية. وعلم "العربي الجديد" أن وفداً من المعارضة مؤلفاً من رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، سيزور أنقرة، اليوم الإثنين، للقاء مسؤولين في وزارة الخارجية قد يكون على رأسهم وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو. لكن التوقعات تستبعد أن تحصل المعارضة على نتائج مهمة من اللقاء.
إلى ذلك، تريد تركيا من النظام إبعاد المجموعات الكردية عن حدودها، إذ تتشارك أنقرة مع النظام الموقف ذاته بخصوص عدم قيام أي "كانتون كردي" على الحدود، فيما يتشدد النظام بفرض سلطته من دون القبول بـ"الإدارة الذاتية" الكردية أو "الوضع الخاص" لأي منطقة كما يطمح الأكراد في شمال شرقي سورية. كما يطلب النظام تفكيك "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بالكامل وهذا ما سيمكنه في حال الاتفاق مع تركيا من السيطرة على الحدود كبديل للأكراد.
أمام كل ذلك يزداد المشهد السياسي انسداداً، لا سيما أن المسارات السياسية متوقفة، وهي في طريقها أساساً للموت، بعدما عجز المبعوث الأممي غير بيدرسن عن إحياء مسار لجنة إعادة صياغة الدستور. ووجد النظام والروس حجة بعدم الذهاب إلى جولتها التاسعة بذريعة عدم قدرة المسؤولين الروس على الذهاب إلى جنيف لمتابعة اجتماعاتها بسبب العقوبات الغربية على روسيا على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، علماً أن المسار يوصف بـ"السوري - السوري"، أي بمشاركة ممثلي النظام والمعارضة وقائمة تمثل المجتمع المدني للمنظمات والهيئات السورية.
وإن كانت اللجنة الدستورية توقفت على أبواب الجولة التاسعة، فإن جولاتها الثماني الماضية لم تفض إلى صياغة أو إقرار أي مادة من الدستور، نتيجة مراوغة النظام بدعم روسي بالقفز على جداول الجلسات وتمييعها. كما أن المسار السياسي العام، المتمثل بالقرار 2254 الذي وضع خريطة طريق لعملية الانتقال السياسي في سورية والذي تُعتبر لجنة صياغة الدستور جزءاً منه، لم يتم تطبيق أي من مخرجاته فعلياً منذ إقراره في العام 2015 في مجلس الأمن.