استمع إلى الملخص
- **حياة محمد الضيف ومسيرته**: وُلد في غزة عام 1965، انضم لحماس عام 1987، واعتُقل عام 1989. بعد إطلاق سراحه، أسس خلايا عسكرية وأصبح القائد العام لكتائب القسام عام 2002.
- **تطوير كتائب القسام**: تحت قيادته، تطورت كتائب القسام في التسليح والتدريب، بما في ذلك تطوير الصواريخ والأنفاق والطائرات المسيّرة، وظهر في مناسبات عدة رغم محاولات اغتياله.
بعد محاولات متعددة طوال سنوات، ادعى جيش الاحتلال، في بيان، اليوم الخميس، أنه نجح في الوصول إلى القائد العام لـ"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة حماس، محمد الضيف وقتله في غارة استهدفته والقيادي البارز في الكتائب رافع سلامة، في منطقة مواصي خانيونس في الثالث عشر من يوليو/ تموز الماضي. وفي أول تعليق على هذا الإعلان الإسرائيلي، قال القيادي في حركة حماس عزت الرشق، إن تأكيد أو نفي استشهاد أي من قيادات القسام هو شأن قيادة كتائب القسام وقيادة الحركة، مشدداً على أنه "ما لم تعلن أي منهما فلا يمكن تأكيد أي خبر من الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام، أو من قبل أي أطراف أخرى".
وقد تربع الضيف على عرش قائمة الاغتيالات التي وضعتها إسرائيل على مدار عقود، وسبق أن نجا من أكثر من سبع محاولات اغتيال طاولته خلال العقود الماضية، حتى أطلقت عليه المؤسسة الأمنية للاحتلال "صاحب الأرواح التسعة" أو "رجل الموت".
ابن القبيبة وخانيونس
محمد الضيف هو محمد دياب المصري، وُلد في غزة عام 1965، وهو من أسرة فلسطينية لاجئة هُجّرت عام 1948 من قرية القبيبة إلى غزة، حيث نشأ في مخيم خانيونس للاجئين جنوبيّ القطاع، وظل يعيش فيه قبل ملاحقة إسرائيل له. نشأ الضيف المعروف فلسطينياً باسم "أبو خالد" في أسرة فقيرة وعمل مع والده في مجال الغزل والتنجيد، وأنشأ مزرعة لتربية الدواجن، وعمل سائقاً لفترات، واضطر في بعض الأحيان إلى التوقف عن الدراسة لمساعدة أسرته في تأمين احتياجاتها، وفق عدد من المصادر والمعلومات المنشورة. وجاء لقب "الضيف" الذي يشار إليه نتيجة تنقله في أكثر من مكان بين غزة والضفة الغربية قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، ولكثرة استقباله من الأسر الفلسطينية التي كانت تؤويه وتستضيفه من الملاحقات الإسرائيلية.
حصل محمد الضيف وهو الرجل الأول في "القسام" على شهادة البكالوريوس في تخصص العلوم من الجامعة الإسلامية في غزة، حيث كان ناشطاً بارزاً في الحركة الطلابية خلال فترة دراسته في الثمانينيات من القرن الماضي، وعُرف بهدوئه وذكائه الشديد بين أقرانه. التحق القائد العام لـ"كتائب القسام" بصفوف حركة حماس بعد تأسيسها عام 1987، في أعقاب اندلاع انتفاضة الحجارة، واعتُقل عام 1989 وقضى في سجون الاحتلال 16 شهراً بتهمة العمل العسكري.
لقب "الضيف" سببه تنقل قائد "القسام" في أكثر من مكان ولكثرة استقباله من الأسر الفلسطينية
في أثناء سجنه في تلك الفترة، اتفق محمد الضيف مع زكريا الشوربجي وصلاح شحادة، وهما من كبار قادة "حماس" العسكريين، على تأسيس خلايا عسكرية تعمل على تنفيذ عمليات أسر لجنود الاحتلال، حيث نفذت الخلايا عدة عمليات، كان أشهرها عملية خطف الجندي الإسرائيلي نحشون فكسمان عام 1994. في أعقاب العملية، ظل الضيف ملاحقاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وانتقل إلى الضفة الغربية المحتلة وأشرف على تأسيس فرع "القسام" فيها، وبقي هناك لسنوات عديدة، لكنه اعتُقل عام 2000 من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
عام 2002، أصبح محمد الضيف القائد العام لـ"كتائب عز الدين القسام" بعد اغتيال سلفه صلاح شحادة بغارة إسرائيلية، ثم أُدرج عام 2015 على اللائحة السوداء الأميركية "للإرهابيين الدوليين"، كذلك أُدرج على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
تطوير "القسام": تسلح من العدم
بعد تسلّم الرجل الأول لـ"القسام" أو "رجل الظل" كما يطلق عليه، إدارة "كتائب القسام"، أنشأ محمد الضيف أكاديمية للتدريب والتطوير العسكري، كان أول إفصاح عنها بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005. وتُنسب إلى الرجل نجاحات عدة حققتها "القسام"، لعل أبرزها في ملف الصواريخ، حيث بدأت بإنتاج صواريخ يبلغ مداها بضعة كيلومترات، حتى وصلت إلى مرحلة تغطي جميع مدن فلسطين المحتلة من أقصى جنوبها حتى شمالها.
باتت "القسام" في عهده تمتلك سلسلة من الصواريخ، من أبرزها "قسام 1" و"2" و"أم 75" و"عطار 120" و"شمالة 120"، بالإضافة إلى "جي 80"، وهي صواريخ تحمل أسماء قيادات بارزة في "القسام" سبق أن اغتيلَت. وكان من الصواريخ البعيدة صاروخ "رنتيسي" الذي يشار إليه بـ "ر 160" القادر على الوصول إلى مدينة حيفا، بالإضافة إلى الصاروخ الذي قصفت فيه "القسام" مطار رامون عام 2021 والذي حمل اسم "عياش 250".
الصور التي نشرها جيش الاحتلال في خضم الحرب على غزة أشارت إلى تمتع الضيف بصحة جيدة وقدرته على الحركة
بالإضافة إلى ذلك، فقد أسهم الضيف في الإشراف على عمليات تطوير في مجالات أخرى، مثل "سلاح الأنفاق"، فضلاً عن مشروع تطوير الطائرات المسيّرة دون طيار عبر مهندسين فلسطينيين وعرب، من أبرزهم المهندس التونسي محمد الزواري. وخلال عهده نجحت "القسام" في تطوير أسلحة أخرى مثل "قاذفات الياسين 105" المضادة للدروع، بالإضافة إلى إنشاء وحدات متخصصة لـ"السايبر"، نجحت في تنفيذ عدة عمليات ضد جيش الاحتلال ومؤسسته الأمنية.
ورغم قلة المعلومات المتوافرة عن الرجل، فإنه ينسب إليه استقدام عدد كبير من الكفاءات والعقول الفلسطينية لتطوير التسليح وتحسين الجودة التي تمتلكها "القسام" في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق. ولعل من أبرز ذلك امتلاك "القسام" لوحدة كاملة من المهندسين تتولى عملية التطوير بشكل دائم في مختلف المجالات، وتتبع له مباشرةً، حيث تُوفَّر كل الإمكانات المتاحة لعملية التطوير الدائم. وفي عهده تحولت "كتائب القسام" إلى جيش منظم يمتلك وحدات تخصصية مثل "وحدة الهندسة" ووحدة "الضفادع البشرية" ووحدة "الدروع"، بالإضافة إلى الوحدات الصاروخية والمقاتلين الميدانيين.
محمد الضيف يُطلق "طوفان الأقصى"
تعرّض الضيف لسبع محاولات اغتيال نُفذت في عام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014، وعام 2021 عندما حاولت إسرائيل اغتياله مرتين حينها، فيما كانت أصعب محاولات اغتياله عام 2002. وخلال عام 2014 نجح الاحتلال في قتل زوجته وابنه الطفل علي في غارة استهدفتهم في منزل بحيّ الشيخ رضوان شمال غربيّ مدينة غزة، وتحدثت المنظومة الأمنية فيها عن محاولة الوصول إليه.
وخلال اليوم الأول للمعركة الحالية في غزة (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، ظهر الضيف بصوته وكان يتمتع بصحة جيدة، أعلن فيها انطلاق المعركة وشرح تفاصيلها وأسبابها ودعا الفلسطينيين في الداخل والخارج إلى الانخراط فيها بقوة وفعالية من أجل تحرير المسجد الأقصى. وحتى قبل معركة "طوفان الأقصى"، كان الاحتلال يروج لفكرة أن الضيف مقعد وفقد إحدى عينيه، إلا أن الصور التي نشرها جيش الاحتلال في خضم الحرب على غزة أشارت إلى تمتعه بصحة جيدة وقدرته على الحركة ولم يظهر سوى أنه مصاب في عينه اليمنى، وهي مغلقة.
وبعدها بأشهر، نشرت المنظومة الاستخبارية للاحتلال صوراً للرجل الأول في "القسام" برفقة رافع سلامة، قائد لواء خانيونس في "القسام"، في أحد الأماكن بالقطاع، ثم أعادت نشر صور من ذات المكان أظهرته بصحة جيدة. قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ظهر أبناء الرجل الأول لـ"القسام" في أكثر من مناسبة وفعاليات لحركة حماس، بعضها بصحبة زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار والبعض الآخر خلال تشييع والدته، بالإضافة إلى حلقات تحفيظ القرآن.