سجلت الحملة الانتخابية للاستفتاء على مشروع دستور تونس الجديد منذ انطلاقها تجاوزات عديدة من قبل الحكومة التونسية وأنصار الرئيس قيس سعيّد، والمدافعين عن مشروع الدستور الجديد، فيما اعتبر مراقبون وخبراء دعوة سعيّد التونسيين للتصويت على الدستور بـ"نعم"، أمس الجمعة، مخالفة انتخابية واستغلالاً لمنصبه وتشويشاً على حملة الاستفتاء.
ووثق مراقبون أيضاً تجاوزات من أعضاء الحكومة لقواعد الحملة وقانون الانتخابات، من خلال تعمد وزير الشباب والرياضة كمال دقيش تفسير مزايا الدستور في برنامج إذاعي ودعوته لتخصيص مؤسسات الشباب الحكومية لتفسير الدستور.
وحذرت منظمة مراقبون، المختصة في مراقبة نزاهة الانتخابات والاستفتاء، من عدم حياد الحكومة واستغلال موارد ومؤسسات الدولة في حملة الاستفتاء والدعاية الانتخابية الحالية في تونس.
وينص القانون الانتخابي في المادة الـ "52" على أن تخضع الحملة لحياد الإدارة وأماكن العبادة، وحياد وسائل الإعلام الوطنية، كذلك تمنع المادة الـ "53" استعمال الوسائل والموارد العمومية لمصلحة قائمة مترشّحة أو مترشّح أو حزب.
واعتبر مراقبون أن دعوة الرئيس سعيد للناخبين في مذكرة تفسيرية لم تحترم الآجال من حيث الشكل، لأنها نُشرت خلال الحملة، كذلك يفترض أن توضح محتوى النص دون الدعوة لتأييد موقف ما.
وتفاجأ التونسيون، مساء أمس الجمعة، بإعلان الرئيس سعيّد، في كلمة ألقاها بمناسبة عيد الأضحى، "تسرب بعض الأخطاء إلى مشروع الدستور الذي نُشر"، معلناً نشر نسخة معدلة في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)"، وفق قوله.
ومنذ ثلاثة أيام، نشرت الرئاسة التونسية بياناً انتخابياً دعا خلالها سعيد التونسيين للتصويت بـ "نعم" على مشروع الدستور، مقدماً بعض التوضيحات حول الجدل الذي رافقه منذ نشره رسمياً في 30 يونيو/حزيران الماضي.
واعتبر رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ رئيس الجمهورية ارتكب مخالفة انتخابية بدعوته الناخبين إلى التصويت بـ "نعم". ودعا معطر هيئة الانتخابات إلى "تحمّل المسؤولية وتوضيح الأمر وإصدار البيانات والقرارات والمخالفات، باعتبارها تضم مراقبين محلفين دورهم رفع هذه الملاحظات".
وبين أن "هيئة الانتخابات أمام اختبار كبير، وقد رفعنا لهذه الهيئة المعينة ملاحظاتنا، وقلنا لها باعتبار أن مجلس الهيئة معين ومصداقيته غير مكتملة ويحوم حولها جدل كبير، فإن تعاطيهم مع الاستفتاء سيكون فرصة لإثبات مصداقيتهم، وإذا كانوا غير قادرين على إدارة الاستفتاء وفق المعايير المثلى، فعليهم مطالبة الرئيس بالتأجيل".
وأضاف معطر أنه يفترض على الرئيس "تغيير موعد الاستفتاء بعد اكتشافه لأخطاء وإدخاله لتعديلات على مشروع الدستور، فلا معنى لإدخال تعديلات مع الإصرار على ذات الموعد، بعد أن تبين له أن مشروعه غير مكتمل أو شابته بعض الأخطاء".
وشدد على ضرورة "فتح المجال لحوار وطني حقيقي والاستماع للخبراء قبل الذهاب للاستفتاء على الدستور، وأن يكون حوله نوع من التوافق".
وتطوي حملة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد أسبوعها الأول، إذ بدأت يوم الأحد 3 يوليو/تموز داخل البلاد، ويوم 1 يوليو في دوائر الخارج، ووصفها مراقبو الشأن الانتخابي بـ"البداية الضعيفة" في غياب أي ملامح لبرامج ودعاية انتخابية.
وتابع رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" أن "المنظمة رفعت العديد من المخالفات الانتخابية والتجاوزات خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية للاستفتاء من خلال استغلال العلم في غير أماكنه، ورفعت التوصيات إلى هيئة الانتخابات، وتنتظر إجابات حول الاستفتاء".
وتساءل المحلل السياسي والباحث في القانون العام، شكري بن عيسى، على صفحته بفيسبوك، قائلاً: "ما الذي يحصل في الرئاسة؟ وما الذي يحصل في هيئة الانتخابات؟ كيف يسمح للرئيس بتعديل مقترحه للدستور ونشره كما أشار من جديد في الرائد الرسمي؟".
وتابع بن عيسى: "أي نص ينشر في الرائد الرسمي لا يصحح ولا يصوّب بإعادة نشر نص جديد، بل بنشر التصويبات، وهذا أصلاً لا ينطبق على مشاريع أو مقترحات الدساتير أو القوانين المعروضة على الاستفتاء".
وتساءل بن عيسى أيضاً: "كيف تسمح الهيئة الانتخابية لسعيّد ثلاث مرات على التوالي بالدعاية للاستفتاء دون اتخاذ التدابير القانونية بإيقافه، خاصة أنه يستعمل الصفحة الرسمية للرئاسة". وتساءل: "أي فوضى وأي عبث في هذا الوطن بنشر نصين في الرائد الرسمي في ظرف أقل من عشرة أيام؟".
وقالت المستشارة السابقة للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، المحامية سعيدة قراش، على صفحتها بفيسوك: "السيد الرئيس تحدث في خطابه على جملة تصحيحات لغوية وإعادة ترتيب لفصول وأبواب وإصلاح مضامين درءاً للالتباس والتأويل! ذكر ذلك في أول الخطاب وفي آخره".
وتابعت: "على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تطبق القانون، وعليها أن لا تعرض على الاستفتاء إلا النسخة التي تم تقديمها في الآجال". وأضافت: "ما سيصدر اليوم، وفق ما صرح به السيد الرئيس، من معالجة للمضامين بقصد توضيحها ورفع اللبس عنها، هو بمثابة دستور جديد يفترض إعادة فتح الآجال وإعادة الإجراءات".