مخاوف من تجدد المواجهات في مقديشو

26 ابريل 2021
شهد عدد من أحياء مقديشو أمس مواجهات متقطعة (فرانس برس)
+ الخط -

سيطر الهدوء الحذر على العاصمة الصومالية مقديشو صباح اليوم الإثنين، بعد ليلة من المواجهات المتقطعة في شوارع عدة بين قوات أمنية ومسلحين موالين لعدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية.
وعادت حركة التنقلات إلى العاصمة صباح اليوم، كما عاودت المحال التجارية في شارع مكة المكرمة المؤدي إلى القصر الرئاسي، فتح أبوابها. وشهدت العاصمة مقديشو أمس الأحد، مواجهات متقطعة في عدد من الأحياء، بين القوات الصومالية وحرس عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية، فضلاً عن حديث عن مواجهات بين قوات أمنية. وبحسب وسائل إعلام محلية، فإنّ نحو 5 أشخاص قتلوا في المواجهات التي دارت شمال مقديشو، بين أفراد من الجيش معارضين للتمديد للرئيس محمد عبد الله فرماجو لسنتين وقوات أمنية أخرى.
وكانت التوترات بدأت بعدما تحولت تظاهرة أمس، ضمت أنصار المعارضة للمطالبة برحيل فرماجو، بحضور مسلحين، إلى تبادل إطلاق النار مع القوات الصومالية في حي سانكا، شمال المدينة. وفي وقت لاحق، وقع تبادل ثان لإطلاق النار في حي مارينايا المجاور. وسمع دوي إطلاق نار متقطع خلال الليل. بينما أفاد شهود عيان، بتقييد الحركة على المحاور الرئيسية للعاصمة ونصب حواجز ليلاً على الطرق المؤدية إلى معاقل المعارضة بينما انتشر مسلحون وعربات مزودة بأسلحة رشاشة.

وتم تقييد الحركة على المحاور الرئيسية للعاصمة ونصب حواجز ليلاً على الطرق المؤدية إلى معاقل المعارضة بينما انتشر مسلحون وعربات مزودة بأسلحة رشاشة، بحسب شهود. وقال أحد السكان ويدعى عبد الله مير، لوكالة "فرانس برس"، إن "القوات الصومالية والمقاتلين الموالين للمعارضة تمركزوا على امتداد بعض الطرق الرئيسية، بعض وسائل النقل العام تسير، ولكن في بعض المناطق لا يُسمح لأي شخص بالتنقل".

جمعالي: القوات الأمنية تمكنت من السيطرة على المناطق والشوارع التي شهدت التوترات الأمنية

وقال وزير الأمن الصومالي، حسن حندبي جمعالي، في مؤتمر صحافي، مساء أمس الأحد، إنّ القوات الأمنية تمكنت من السيطرة على المناطق والشوارع التي شهدت التوترات الأمنية. ونفى جمعالي التهم التي وجهت للحكومة الصومالية من طرف الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود، بمهاجمة قوات أمنية مقر إقامته في العاصمة، وأوضح أن تلك الاتهامات غير دقيقة، وأن الرئيس الصومالي السابق يحظى بحماية خاصة من القوات الصومالية التي كانت تحرسه منذ سنوات.
من جهته، أعرب رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، في مؤتمر صحافي صباح اليوم عن "حزنه البالغ بسبب المأساة التي أخلت بالأمن في العاصمة". وأضاف "أدعو الجميع إلى الحفاظ على الاستقرار ورعاية المجتمع" داعياً القوات المسلحة إلى "احترام التزامها" و"حماية" شعب مقديشو. وأشار روبلي إلى أنّ "الحوار هو السبيل الوحيد لحل الخلافات السياسية، ونحن نعمل على إنجاح هذا الحوار مع الفرقاء السياسيين".

وفي بيان صحافي لبعثة الأمم المتحدة في مقديشو، صباح اليوم، دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال، جيمس إسوان، الأطراف الصومالية إلى وقف النزاع العسكري، والعودة إلى طاولة المفاوضات بشكل عاجل، معتبراً أنّ المواجهات الميدانية في مقديشو "ليست طريقاً للحل". 
وتعيش الصومال أزمة سياسية عميقة منذ النصف الثاني من العام الماضي، بعد فشلها في إجراء انتخابات أواخر 2020 ومطلع 2021 كما هو مخطط بسبب غياب الإجماع السياسي. وفي 12 إبريل/نيسان الحالي، أقرّ البرلمان الصومالي قانوناً يمدد ولاية الرئيس الصومالي سنتين بعد انقضائها في فبراير/شباط الماضي، وينص على إجراء انتخابات عامة مباشرة عام 2023.
في السياق، قال الصحافي الصومالي أويس حسين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الوضع الأمني في مقديشو خطير جداً، ولا تلوح في الأفق أي بوادر إيجابية، في حين يتمسك كل طرف بموقفه ويجمع أوراقه لحسم المعركة لصالحه، ويبدو أنّ أطرافاً خارجية ضالعة في إشعال الفتن في الصومال مما يبعد فرص الحل سياسياً". وهو ما كان ذهب إليه وزير الأمن في مؤتمره الصحافي أمس الأحد، إذ اتهم دولاً أجنبية بـ"الضلوع في الهجمات الأمنية التي تشهدها مقديشو"، ودعا المعارضة إلى "الحذر من عواقب هذا التدخل الأجنبي لعرقلة استقرار البلاد وأمنها".

دعت الأمم المتحدة الأطراف الصومالية إلى وقف النزاع العسكري، والعودة إلى طاولة المفاوضات بشكل عاجل

وتوقع أويس حسين "استمرار المواجهات المتقطعة في مقديشو، لكنها لن تتطور إلى حرب شاملة"، مضيفاً "من المتوقع أن تتدخل قوات حفظ السلام الأفريقية لتهدئة الوضع وإجبار الجميع على التنازل وقبول الطرف الآخر". وبحسب حسين، فإنّ "المعارضة تراهن على المجتمع الدولي وبعض دول الجوار التي ترفض تمديد فترة الرئيس، لهذا تحاول أن تزيد الضغط على الحكومة الصومالية، ولكن الخيار الوحيد لتجاوز المأزق الحالي هو الحوار والعودة إلى طاولة التفاوض".
وبحسب محللين أمنيين، فإنّ التصدعات التي برزت أخيراً داخل المؤسسة العسكرية (الشرطة والجيش) لا تخدم مصلحة البلاد واستقرارها، معتبرين أنّ السيناريو المتوقع إذا فشلت المحادثات، هو المواجهة العسكرية الشاملة في العاصمة مقديشو، التي شهدت هدوءاً نسبياً منذ انسحاب حركة "الشباب" المتطرفة منها عام 2011.
وبثت وسائل إعلام محلية أمس الأحد، مقاطع فيديو لوصول عدد من العربات العسكرية التي تقل جنودا حكوميين إلى الأحياء الشمالية في مقديشو، بينما نفى ضباط في الجيش المعلومات عن انشقاقات داخل الجيش بين مجموعات مؤيدة لفرماجو وأخرى معارضة له.
وفي السياق، قال أستاذ الإعلام، أحمد جيسود، في حديث مع "العربي الجديد": "تبدو مواقف الأطراف السياسية تتجه إلى مرحلة جديدة مثخنة بالتوتر والتصعيد العسكري المتبادل، الذي لا يحقق نتائج على الأرض لناحية إنهاء الأزمة السياسية الراهنة في البلاد". وأشار جيسود إلى أنّ "بروز حالة الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية وتدخّل الجيش في العملية السياسية، يُعقّد المشهد السياسي في البلاد، وربما سيؤجج الخلافات، لكن في النهاية، ستذهب الأطراف السياسية إلى قاعة التفاوض لتناقش جميع المسائل المتصلة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية".

جيسود: تبدو مواقف الأطراف السياسية تتجه إلى مرحلة جديدة مثخنة بالتوتر والتصعيد العسكري المتبادل

وعبّر جيسود في الوقت نفسه عن اعتقاده بأنّ "الأمور تتجه نحو مواجهات يومية في مقديشو، ما لم تنجح جهود الوساطة التي يبذلها رئيس الوزراء محمد حسين روبلي لوقف النزاعات العسكرية في المدينة"، معتبراً أنّ "المواجهات لن تكون في صالح أي من الأطراف المعنية، والحكومة ستكون مجبرة على التفاوض، خاصة بعد فشل استخدام القوات العسكرية في فرض رؤيتها في تمديد ولاية فرماجو".
ويحذر مراقبون من استغلال حركة "الشباب" المتطرفة، الظروف الأمنية التي تعيشها مقديشو، وتوسعها نحو الثكنات العسكرية التي أخلتها عناصر الجيش الصومالي في إقليم شبيلى الوسطى، قبل تحركها نحو العاصمة مقديشو، رفضاً لتمديد فترة البرلمان والرئاسة. وكانت حركة "الشباب" تواجه في الفترة الأخيرة حملة عسكرية مكثفة من الجيش الصومالي، وتم استعادة عشرات القرى من قبضتها، بينما تمكن الجيش من القبض على الكثير من مسلحي الحركة، وقتل نحو 100 منهم في مواجهات عسكرية شهدها إقليم شبيلى السفلى الشهر الماضي.

المساهمون