أثار إعلان الشرطة العراقية في محافظة ميسان، جنوبي العراق، يوم السبت الماضي، عن اغتيال عضو بارز في "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، مخاوف من عودة موجة الاغتيالات في المنطقة، والتي ارتبط معظمها، بحسب متابعين، بمشاكل وخلافات بين "التيار الصدري" وجماعة "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي.
وكانت حوادث الاغتيال قد توقفت فعلياً في المحافظة قبل نحو ثلاثة أشهر، بعد تشكيل "لجنة مصالحة" بين "التيار الصدري" و"عصائب أهل الحق". وضمّت اللجنة رجال دين وممثلين عن الجيش العراقي، لوقف عمليات الاغتيال في المحافظة، ودعم الشرطة في التحقيقات الخاصة بها، وتسهيل القبض على المشتبه بهم وإنفاذ القانون.
اغتيال عضو في "التيار الصدري" في ميسان
ولم تكشف الشرطة بعد عن تفاصيل اغتيال عضو "التيار الصدري" ضمن جماعة "سرايا السلام" عباس دينار، السبت الماضي، لكنها تعهدت بالتحقيق بعملية الاغتيال التي جرت على مقربة من منزل دينار وسط مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان. وبدا التحسب الأمني واضحاً في المدينة بعد الحادثة، خصوصاً مع تحشيد عشيرة الضحية، وتوعدها بمعرفة الجهة التي تقف خلف مقتله، وهو ما اعتبر مراقبون أنه مؤشر سلبي.
ترتبط أغلب الاغتيالات في ميسان بخلافات بين "التيار الصدري" و"عصائب أهل الحق"
ووصف مسؤول أمني في جهاز الشرطة في ميسان، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، اغتيال عباس دينار بأنه "حدث سيئ على المستوى الأمني".
ولمّح المسؤول إلى احتمال وجود علاقة بين اغتيال دينار وحوادث الاغتيال السابقة التي وقعت في المنطقة، بالقول إن "أغلب عمليات الاغتيال التي حصلت سابقاً مرتبطة بالمشاكل بين سرايا السلام (التابعة لـ"التيار الصدري") و"عصائب أهل الحق"، وأخرى لها أسباب عشائرية وجنائية". وأبدى المسؤول تخوفه من أن "تجر الحادثة إلى حوادث أخرى، ونأمل عدم حصول ذلك".
واعتبر المسؤول الأمني في حديثه أن "المشكلة القائمة بين الصدريين وجماعة عصائب أهل الحق سياسية بالدرجة الأولى، وترتبط بالتنافس على النفوذ، خصوصاً في ما يتعلق بالدوائر الحكومية والأنشطة الاجتماعية والمنافع المترتبة عنها".
وشرح المسؤول خطورة استمرار مثل تلك العمليات، بقوله إنها "غالباً ما تجر إلى نزاعات عشائرية، إذ إن جميع المستهدفين هم من عشائر المنطقة، والمتهمون أيضاً هم من عشائر أخرى، ما يعني أن عمليات الاغتيال التي تحصل لها ارتدادات واسعة تتخطى حدود التيار الصدري وعصائب أهل الحق".
ومطلع فبراير/ شباط الماضي، شهدت محافظة ميسان تشكيل لجنة صلح بين "التيار الصدري" و"عصائب أهل الحق"، ضمّت رجال دين ومسؤولين أمنيين، وذلك بعد عمليات اغتيال متبادلة وقعت في المدينة وقتل فيها أشخاص ينتمون إلى أحد الجانبين، أبرزهم حسام العلياوي المرتبط بجماعة "عصائب أهل الحق"، والذي أعقبت اغتياله عملية اغتيال العضو البارز في "التيار الصدري" كرار أبو رغيف، بعد اغتيال عضو آخر في "التيار" أيضاً، هو مسلم عيدان، بعملية مماثلة لما سبقها، وذلك بواسطة أسلحة كاتمة للصوت قرب منزله في ميسان.
محاولات خلط أوراق في جنوبي العراق
وتحدث النائب عن "التيار الصدري" محمد التميمي، لـ"العربي الجديد"، عن علاقة تلك الاستهدافات المتكررة بما وصفه بـ"محاولات لثني السيد مقتدى الصدر عن مشروع تشكيل حكومة أغلبية وطنية".
وبحسب التميمي، فإن "هذه المحاولات تتنوع بين استهداف إعلامي ممنهج وآخر ميداني لقادة عسكريين من سرايا السلام، ونحن نعتقد أيضاً أن هنالك جهات سياسية تعمل على خلط الأوراق الأمنية وخلق فوضى كبيرة في الجنوب ووسط العراق، لكي تستمر بسيطرتها ونفوذها وفسادها ولتسقط بذلك مشروع الإصلاح الذي يتبناه الصدر".
وحذّر النائب عن "التيار الصدري" من أن تلك الجهات تسعى "إلى جرّ البلاد إلى فوضى التصادم المسلح"، وأشار إلى أنه "في محافظة ميسان تحديداً، دفع البعض قبل فترة قصيرة، باتجاه إحداث صدام مسلح بين سرايا السلام وجهة أخرى، الأمر الذي دفع الصدر إلى إرسال وفد خاص يمثله لمعالجة الاحتقان وإجراء الصلح وعدم منح الفرصة لانزلاق الأوضاع".
لكن القيادي في جماعة "عصائب أهل الحق" سعد السعدي أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، عدم وجود أي توتر حالياً مع "التيار الصدري"، معتبراً أن "الموضوع بات من الماضي، ولا داعي للخوض فيه".
تجر معظم الاغتيالات إلى نزاعات عشائرية، وتكون لها ارتدادات واسعة تتخطى حدود "التيار" و"العصائب"
وتعليقاً على التطورات، قال قائد شرطة محافظة ميسان، اللواء ناصر الأسدي، لـ"العربي الجديد"، إن الأجهزة الأمنية "تتعامل مع الأوضاع بشكل مهني، بعيداً عن الملف السياسي".
وأضاف الأسدي: "عند وقوع أي حادثة أمنية، نفتح تحقيقاً مختصاً، ونتابع العمل حتى الوصول إلى معرفة الجناة والدافعين لهم والأهداف من وراء الاعتداء، وفي قضية اغتيال مواطن منتمٍ إلى جهة سياسة (عباس دينار عضو "التيار الصدري")، فتحنا تحقيقاً لا يزال مستمراً، ولن ينتهي حتى نعلن عن هوية من يقف خلف الاغتيال".
ولفت الأسدي إلى أن "الشرطة وبقية الأجهزة الأمنية في المحافظة تنفذ خطة أمنية لملاحقة المطلوبين للقضاء ومفتعلي النزاعات العشائرية، كما أنها شدّدت من إجراءاتها للوصول إلى المتهمين بالعمليات الأخيرة دون النظر لخلفيتهم السياسية والدينية والعشائرية".
ومنذ أسابيع تشهد مدن عدة في جنوبي البلاد اشتباكات عشائرية في محافظات ذي قار وميسان والنجف، راح ضحيتها نحو 10 قتلى وأكثر من 30 جريحاً، واستدعت فرض حظر تجول في بعض المناطق، وإصدار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قراراً بإرسال تعزيزات أمنية لضبط الأمن في تلك المناطق.
واعتبر الخبير في الشأن الأمني العراقي منتظر العقيلي أن عمليات التصفية التي تحدث في مناطق عدة جنوبي البلاد، لا سيما في محافظة ميسان التي تعتبر الخزّان البشري الأكبر لـ"التيار الصدري"، وأيضاً لجماعة "عصائب أهل الحق"، مرتبطة بعموم المشهد السياسي المتوتر في البلاد.
وشدّد العقيلي في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن "وقف عمليات الاغتيال المتكررة لا يمكن أن يتم من خلال قوات الأمن فقط، بل بقرار من الجهات التي تقف خلفها".