يعمل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على تمتين جبهته القضائية والسياسية، في خضمّ التحقيقات المرتبطة به، سواء باقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، أو بشأن الممارسات التجارية لعائلته، أو في الاقتحام الأخير لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) مقر إقامته في مارآلاغو في فلوريدا، مساء الاثنين الماضي. وفي طليعة بنود المواجهة، طلب ترامب من أنصاره تقديم تبرعات للجنة العمل السياسي "أنقذوا أميركا"، التابعة له.
في نيويورك، أدلى ترامب بشهادته، أمس الأربعاء، في تحقيق تجريه المدعية العامة لولاية نيويورك ليتيتيا جيمس، لمعرفة ما إذا كانت منظمة ترامب بالغت في تقدير قيم عقارات. ووافق ترامب واثنان من أبنائه البالغين، دونالد ترامب جونيور وإيفانكا ترامب، على الإدلاء بشهاداتهم. ونفى ترامب ارتكاب أي مخالفات ووصف تحقيق نيويورك بأن له دوافع سياسية.
وقبيل الإدلاء بشهادته ركز هجومه على المدعية جيمس التي تنتمي للحزب الديمقراطي. وقال ترامب، الجمهوري، في منشور على منصته "تروث سوشال"، مساء أول من أمس الثلاثاء: "أرى المدعية العامة العنصرية لولاية نيويورك غداً، نظرا لاستمرار أعظم مطاردة في تاريخ الولايات المتحدة. أنا وشركتي العظيمة نتعرض للهجوم من جميع الجهات. جمهورية موز".
وكانت جيمس قد أفادت بأن تحقيقها كشف عن أدلة مهمة على أن منظمة ترامب، التي تدير فنادق وملاعب غولف وعقارات أخرى، بالغت في تقدير قيم الأصول للحصول على قروض مواتية وقللت من القيم للحصول على إعفاءات ضريبية.
ترامب يدعو للتبرع
وفي موضوع اقتحام منزله في فلوريدا، اعتبر ترامب أن الاقتحام خطوة ذات دوافع سياسية من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، طالباً المزيد من التبرعات له وللحزب، قبل الانتخابات النصفية المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وذكر ترامب في رسالة عبر البريد الإلكتروني لجمع التبرعات، مساء الثلاثاء: "إنهم يحاولون إيقاف الحزب الجمهوري وإيقافي مرة أخرى. يجب فضح ووقف هذه الممارسات من الخروج على القانون والاضطهاد السياسي وحملات التشهير".
وأطلق ترامب لجنة العمل السياسي "أنقذوا أميركا" بعد أيام من خسارته الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر 2020 أمام بايدن. وتملك اللجنة أكثر من 100 مليون دولار في أرصدتها في المصارف.
نانسي بيلوسي: لا أحد فوق القانون ولا حتى رئيس سابق للولايات المتحدة
وفي موازاة حملته، تعهّد حلفاء ترامب الجمهوريون في الكونغرس ببدء تحقيق في عملية تفتيش منزله نفسها، إذا استعادوا السيطرة على مجلس النواب أو مجلس الشيوخ في نوفمبر.
وأعرب كبار مسؤولي الحزب الجمهوري، مساء الثلاثاء، عن دعمهم للرئيس السابق. وحضّ العديد من مستشاريه السابقين ترامب على التأكيد بشكل فوري أنه سيكون مرشحاً رئاسياً في عام 2024.
وجاء الدعم الأبرز لترامب من مايك بنس، النائب السابق له خلال الولاية الرئاسية (2017 ـ 2021)، والمنافس المحتمل في 2024. فعبّر بنس عن "قلق عميق" إزاء تفتيش منزل ترامب وقال إنه ينمّ عن "انحياز حزبي" من جانب وزارة العدل.
ووصفت النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك مداهمة المنزل بأنه "يوم مظلم في التاريخ الأميركي". وغرّدت على "تويتر": "إذا كان بإمكان مكتب التحقيقات الفيدرالي مداهمة رئيس أميركي، تخيل ما الذي يمكن أن يفعلوه بك"، ليرد عليها النائب الديمقراطي تيد ليو بالقول: "لماذا لا يستطيع مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيق مع رئيس أميركي؟ لسنا روسيا حيث لا ينطبق القانون على رئيس الدولة ورفاقه".
من جانبه اتهم كيفن ماكارثي، النائب عن كاليفورنيا والطامح لرئاسة مجلس النواب في حال استعاد الجمهوريون الغالبية في المجلس في انتخابات التجديد النصفية في نوفمبر المقبل، وزارة العدل بممارسة "التسييس المسلح".
ووصفت رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رونا ماكدانيال عملية الدهم بـ"المشينة". أما السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الحليف المقرب من ترامب، فقال إن "إطلاق تحقيق بحق رئيس سابق في توقيت قريب جدا من الانتخابات أمر يتجاوز الإشكالية".
وحضّ المدير السابق لمنصات ترامب الاجتماعية دان سكافينو الرئيس السابق على التعجيل بالإعلان عن ترشحه للانتخابات مجدداً. وكتب سكافينو في تغريدة على "تويتر": "ترشح يا 45، #ترامب 2024"، في إشارة إلى أن ترامب كان الرئيس الـ45 للولايات المتحدة.
من جهتهم، حاول الديمقراطيون التركيز على أولوية القانون، فقالت رئيسة مجلس النواب لشبكة "إن بي سي": "لا أحد فوق القانون، ولا حتى رئيس سابق للولايات المتحدة". أما السناتور الديمقراطي عن كونيتيكت كريس مورفي فقال: "متى قررنا أن الأثرياء والأقوياء هم فوق القانون، فإن أميركا لا تبقى أميركا".
من جانبه، أبدى النائب السابق لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أندرو ماكابي، اعتقاده أن المكتب قد يكون يبحث عن "شيء محدد" يتعلق بالتحقيق الذي يجريه بشأن سوء التعامل المفترض مع معلومات سرية. وفي مقابلة مع شبكة "سي أن أن" قال ماكابي: "لا بد أن هناك شكاً وقلقاً، وفي الواقع معلومات محددة دفعت مكتب أف بي آي إلى الاعتقاد بوجود مواد إضافية لم يتم تسليمها".
وجدّد البيت الأبيض التأكيد بعدم معرفته بالمداهمة. وقالت المتحدثة باسمه، كارين جان ـ بيار، إن الرئيس جو بايدن لم يكن لديه أي إشعار مسبق بشأن المداهمة ويحترم استقلالية وزارة العدل.
ورداً على سؤال حول احتمال اندلاع اضطرابات رداً على مشاكل ترامب القانونية، أجابت جان- بيار: "لا مكان للعنف السياسي في هذا البلد". وقال مسؤول في الإدارة الأميركية إن البيت الأبيض "لم يأخذ علماً بالإجراءات المذكورة" وأحال الاسئلة الأخرى إلى وزارة العدل.
صمت "أف بي آي"
ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يقوده كريستوفر راي، الذي عيّنه ترامب، الكشف عن أسباب الخطوة غير المسبوقة بحق رئيس سابق. غير أن العديد من وسائل الإعلام الأميركية ذكرت أن عناصر فيدراليين يجرون عملية تفتيش بإذن قضائي، وهي متعلقة بسوء تعامل محتمل مع مستندات سرية نُقلت إلى مارآلاغو بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض في يناير 2021.
وبعد يوم من المداهمة، أعلن النائب الأميركي سكوت بيري حليف ترامب أن عملاء من "أف بي آي" صادروا هاتفه الخلوي، من دون أن يبيّن السبب الذي دفعهم الى ذلك.
وأضاف بيري لشبكة فوكس نيوز: "أثناء رحلة مع عائلتي زارني ثلاثة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وصادروا هاتفي الخلوي"، وندد بما وصفه "هذا النوع من تكتيكات جمهوريات الموز".
عبّر مايك بنس عن "قلق عميق" إزاء تفتيش منزل ترامب
وفي فبراير/شباط الماضي، كشفت هيئة المحفوظات الوطنية الأميركية، عن استردادها 15 صندوقاً من الوثائق من مقر ترامب في فلوريدا، وطلبت من وزارة العدل التحقيق في كيفية تعامل ترامب مع معلومات سرية.
وأعلنت لجنة الرقابة في مجلس النواب الأميركي في ذلك الوقت أنها ستوسع نطاق التحقيق في تصرفات ترامب وطلبت من إدارة المحفوظات تسليم معلومات إضافية. وأكد ترامب في وقت سابق أنه وافق على إعادة بعض السجلات إلى إدارة المحفوظات، واصفاً إياها بأنها "عملية عادية وروتينية".
وأثار استرداد الصناديق تساؤلات حول التزام ترامب قوانين السجلات الرئاسية التي وُضعت بعد فضيحة "ووترغيت" في السبعينيات ويُطلب بموجبها من الرؤساء الاحتفاظ بالسجلات المتعلقة بعملهم.
وقالت مديرة الاتصالات السابقة في فريق ترامب أليسا فاراه غريفن لشبكة "سي أن أن" إن عملية الدهم يمكن أن تثير حماسة مؤيديه، الذين تجمع عدد منهم أمام مارآلاغو، مساء الثلاثاء. وأضافت "إذا اعتبرت (عملية الدهم) بمثابة تجاوز كبير وليس كمسألة خطيرة جداً، فهذا يوم جيد جداً لدونالد ترامب".
وبينما رفض المدعي العام ميريك غارلاند التعليق على تكهنات بإمكان توجيه اتهامات جنائية لترامب، إلا أنه أكد قائلاً: "لا يوجد شخص فوق القانون"، مبدياً عزمه على "محاسبة كل شخص مسؤول جنائياً عن محاولة قلب نتيجة انتخابات شرعية".
وإخفاء أو إتلاف سجلات حكومية جريمة جنائية في أميركا. ويُمنع أي شخص يُدان بانتهاك قانون يسمى قانون السجلات الحكومية من تولي أي منصب اتحادي ويواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
ويقضي ترامب، الذي اتخذ من ناديه في بالم بيتش منزلاً منذ مغادرته البيت الأبيض، الصيف في نادي الغولف الخاص به في بيدمينستر بولاية نيوجيرزي.
(فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز)