قال مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني حاتوقاي إن "الأردن يتعامل مع الملف السوري كأمر واقع، حيث لم نتدخل بشأنه الداخلي كونه دولة جوار ودولة حدودية، لكن لنكن واقعيين، فلدينا لاجئون سوريون، وعلى الحدود الأردنية السورية هناك جماعات لا بد من التعاطي معها حفظاً لأمن واستقرار المملكة، إلى جانب وضع حد لعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات".
وأضاف في لقاء جمعه مع رؤساء تحرير الصحف اليومية وعدد من الكتاب، ونُشر في وسائل إعلام محلية، الثلاثاء، "نتعامل مع الملف السوري بغض النظر عن التداخلات الموجودة فيه والمصالح الدولية هناك"، مضيفاً "علاقتنا مع دمشق أخذت دفعة للأمام، فالأردن لديه مشكلة كبيرة في الجنوب السوري، بالإضافة إلى تبعات قانون قيصر تجارياً واقتصادياً".
وقال: "في ضوء كل تلك المعطيات نؤكد أن الأردن لا يريد أن يعادي أحداً، لكن مصلحتنا هي الأردن أولاً، من حيث تخفيف عبء المياه وعودة طوعية للاجئين والبعد الاقتصادي، والبعد الأمني".
وأكد أن المملكة نأت بنفسها عن التدخل في الشأن السوري طيلة سنوات الأزمة، باستثناء بعض التدخلات في الجنوب السوري عبر تفاهمات أردنية روسية سورية، لانشغال النظام السوري بالمناطق الشمالية والشمالية الشرقية السورية.
وقال إن جيش النظام السوري يسيطر اليوم على 65% من أراضيه، مضيفاً "لا تزال الأزمة السورية تتفاعل، في ظل وجود قلق ماثل في مناطق شمال شرقي سورية، عدا عن وجود بؤر وحواضن لتنظيمات إرهابية لا تزال تسعى إلى استهداف أمن المنطقة".
وفي سياق العلاقات بين الأردن وسورية، أكد استمراريتها خلال السنوات الماضية بين جهازي الاستخبارات، وضمن خطة أمنية كان هدفها الحفاظ على التهدئة في الجنوب السوري، وفي إطار استراتيجية مكافحة المنظمات الإرهابية لتلافي ضغط الأزمة أمنياً وانعكاساتها على أمن المملكة.
وعن وجود قيادات من المعارضة السورية في الأردن ومحاولات منصات للمعارضة السورية الخارجية مهاجمة خطة التقارب الأردني - السوري، أكد حاتوقاي أن جميع السوريين في الأردن يتلقون معاملة تفرضها الظروف الإنسانية التي عاشوها خلال سنوات الأزمة، وأن المملكة سخرت إمكاناتها لاستضافة اللاجئين السوريين، ولن تقبل الإساءة لأي سوري يقيم على الأرض الأردنية ما دام يخضع للقوانين النافذة على الأردنيين وغيرهم من المقيمين في المملكة، في الوقت الذي تملك فيه المملكة كامل سيادتها على قراراتها في الشؤون كافة.
وتمسك مدير المخابرات بموقف بلاده من الحل السياسي للأزمة السورية، مشيراً إلى أن أي استقرار تشهده الأراضي السورية سينعكس حتماً على الاقتصاد الأردني، من خلال عودة التجارة البينية بين الجارين الشقيقين، ويخدم فرص العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلداتهم وقراهم.
وفيما استعرض اللواء التحديات الأمنية مع دول الجوار، بيّن أن تسارع الأحداث في ظل ظروف دولية معقدة يحتم على صاحب القرار دراسة الخيارات والبدائل التي تحافظ على المصلحة الوطنية العليا، كاشفاً عن جهود العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على الساحة الدولية للتكيف مع ظروف الجوار المضطرب، والمواجهة في التأثير على الدول ذات العلاقة.
وشدد المسؤول الأمني في حديثه، ضمن سياق تنسيق جهود الأجهزة الأمنية والمخابراتية العربية، على أهمية تشكيل المنتدى الاستخباري العربي الذي تأسس عام 2019، ويترأسه الأردن العام الحالي، لافتاً إلى أن المنتدى نجح في إنتاج لغة مشتركة في مواجهة التحديات، والتوافق على طبيعة معالجتها وقائياً، من خلال سهولة تبادل المعلومات، بما يخدم تعزيز منظومة أمن واستقرار المنطقة.
وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول، تلقى العاهل الأردني عبدالله الثاني اتصالاً هاتفياً من رئيس النظام السوري بشار الأسد، تناول العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما، وأكد ملك الأردن خلال الاتصال، وفق الموقع الرسمي للديوان الملكي، دعم الأردن لجهود الحفاظ على سيادة سورية واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها.
وكان الأردن أعاد فتح "معبر جابر/نصيب" الحدودي مع سورية، الأربعاء الماضي، أمام حركة الشحن والمسافرين تنفيذاً لقرار سابق لوزارة الداخلية، وفق مصفوفة إجراءات فنية ولوجستية في ظل تسارع عودة العلاقات بين الجانبين، بعد إغلاق دام شهرين إثر التطورات الأمنية بين قوات النظام وأهالي درعا.
وعُقدت الأسبوع الماضي اجتماعات بين وزراء من الدولتين في العاصمة عمّان، استمرت يومين، وانتهت بلقاء رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة وفداً وزارياً من النظام السوري، ضم وزراء الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، والموارد المائية تمام رعد، والزراعة والإصلاح الزراعي محمد قطنا، والكهرباء غسان الزامل، وذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف القطاعات بين الطرفين.
ويسعى الأردن إلى تخفيف العقوبات المفروضة على النظام السوري بموجب قانون "قيصر"، وذلك بهدف تقليل الخسائر على الاقتصاد الأردني، من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا.
وتتخذ العلاقات بين الأردن والنظام السوري مسار العودة السريعة، في ظلّ واقع يظهر أن الأردن الرسمي والقطاعين التجاري والصناعي وجزءاً من الرأي العام تستعجل عودتها، ويتضح حجم الرغبة في عودة العلاقات الرسمية بين الطرفين، وسط بروز عدد من المؤثرات على العلاقة الأردنية السورية منذ بدء الثورة السورية عام 2011 حتى الآن، وتحديد مسارها وفقاً للمتغيرات في الداخل السوري، ومواقف الدول الإقليمية والدولية.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن إغفال الجغرافيا، بسبب ارتباط الأردن بحدود طولها 375 كيلومتراً مع سورية، فضلاً عن التعقيدات الأمنية التي سادت طيلة العقد الماضي، ويعتبر الأردن، وفق ما يكرر مسؤولوه، أنه تحمّل جزءاً كبيراً من أعباء ما حدث بسورية عبر تدفق اللاجئين، وأن المجتمع الدولي لم يقدّم فعلياً الدعم الكافي.
ومهّد العاهل الأردني في مقابلة مع قناة "سي أن أن" الأميركية، في تموز/يوليو الماضي، لعودة العلاقات بقوله "إن رئيس النظام السوري بشار الأسد لديه شرعية، والنظام موجود ليبقى"، موضحاً أن "هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائماً، ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا: هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟".
وتساءل الملك حول طريقة التحاور مع النظام إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، نافياً وجود خطة واضحة إزاء أسلوب الحوار حتى اللحظة، معتبراً أن الدفع باتجاه الحوار بصورة منسقة أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه، وأضاف "أتفهم بالطبع غضب وقلق العديد من الدول إزاء ما حدث للشعب السوري، لكن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري".
وتعليقاً على ذلك، أوضح المتحدث باسم "هيئة التفاوض السورية" يحيى العريضي أن "العبارة المفتاحية التي قالها مدير المخابرات الأردنية هي سياسة (احتواء الآخر)؛ أي احتواء عربدة هذا النظام كعصابة مارقة تمتهن زعزعة أمن دول الجوار وابتزازها، وممارسة التهريب ونشر المخدرات".
وأوضح في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "حسني حاول تغطية فعلته بما سماه (علاقتنا مع دمشق)، وهو من المفترض أن يعرف أن النظام شيء ودمشق شيء آخر".
ولفت المتحدث باسم هيئة التفاوض إلى أن "النازحين السوريين ليسوا ذريعة قوية؛ فهم بشكل أو بآخر مفيدون اقتصادياً بعملهم والدعم الدولي الذي يصل إلى الأردن. بالطبع مع كل الشكر للأردن لحملهم". ولفت إلى أنه "لا أحد يريد للمسؤول الأردني أن يعادي أحدًا، ولكن أن يتحمّس كثيراً ويتحدث عن (العلاقات التي أخذت دفعاً) فمن أين أتى هذا الدفع وكيف يحصل بعد أن كان الأردن يملك موقفاً أخلاقياً تجاه أهله وإخوته في سوريا؟".
وتابع: "يبقى الأردن بلد أهلنا وإخوتنا ونحرص عليه؛ ولكن يقلقنا جداً ما قد يجنيه من مصائب إثر هذه الخطوة".