شكلت كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/ شباط الماضي فرصة للنظام السوري من أجل جني مكاسب اقتصادية وسياسية، ويبدو أنه يستميت من أجل استغلال هذه الفرصة لرفع العقوبات المفروضة عليه أميركياً وأوروبياً، على خلفية تعامله القمعي مع شعبه منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، ولأجل هدفه، يلجأ النظام إلى استخدام واجهات تتبع له عمل عملياً، إلا أنها ظاهرياً تصنف كمجتمع مدني أو مستقلة.
وفي محاولة للالتفاف على هذه العقوبات التي تمنع التعاون المباشر مع النظام وممثليه الرسميين، حتى بعد تخفيفها، أخيراً، من أجل تسهيل تقديم معونات للمتضررين من الزلزال، يلجأ النظام إلى استخدام واجهات تتبع له عملياً. وبرزت خلال كارثة الزلزال منظمة الهلال الأحمر السوري، التي تقدم نفسها على أنها مستقلة، لتستحوذ على نسبة كبيرة من المساعدات الدولية المقدمة لمناطق سيطرة النظام السوري.
وفي ما يمكن اعتباره نجاحاً للنظام في تثبيت التعامل الدولي مع هذه المنظمات، سوف توجه المفوضية الأوروبية الدعوة إلى رئيس الهلال الأحمر السوري، التابع للنظام، خالد حبوباتي، كممثل عن مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى دعوة ممثلين عن إدارة الدفاع المدني السوري وشخصيات معارضة، لتمثيل المناطق المتضررة بالزلزال ضمن سيطرة المعارضة شمال غربي سورية، للمشاركة في مؤتمر بروكسل للمانحين، منتصف مارس/ آذار الجاري، وفق ما أورده موقع "كلنا شركاء".
وينحدر رئيس منظمة الهلال الأحمر خالد حبوباتي من مدينة دمشق، وظهر، خلال الأيام الأخيرة، في المطارات خلال استقبال طائرات المساعدات وتوقيع الاتفاقيات مع منظمات إغاثية دولية، من دون أن يظهر في المواقع المتضررة ولا مع المنكوبين من الزلزال، ما يشير إلى خلفيته السياسية، بوصفه رئيساً لأكبر منظمة إنسانية في البلاد. كما تشير مصادر عدة إلى انخراطه في أنشطة تجارية وخدمية بالشراكة مع النظام السوري.
دعوة حبوباتي إلى بروكسل أثارت اعتراضات من جانب ناشطين حقوقيين سوريين، وهيئات المعارضة، الذين اعتبروا أن الهلال الأحمر السوري مجرد واجهة سياسية وأمنية للنظام، معتبرين أن تسليم المساعدات لهذه المنظمة يمثل دعماً للنظام وسياساته الرافضة للحل السياسي، وآلته الحربية، ولن يصل منها إلى المحتاجين فعلاً إلا النذر اليسير.
ودعا حقوقيون في فرنسا إلى توقيع مذكرة قانونية، موجهة إلى الجهات المعنية في أوروبا، تعارض التنسيق مع النظام السوري، وتحديداً منظمة الهلال اﻷحمر التابعة له، والتي تتجه المفوضية الأوروبية إلى توجيه دعوة لها لحضور مؤتمر بروكسل للدول المانحة لمساعدة ضحايا الزلزال.
وفي الصدد، أوضح المحامي السوري زيد العظم، لـ"العربي الجديد"، أنّ المذكرة موقعة بأسماء عدد من الحقوقيين السوريين، وموجهة إلى البرلمانين الفرنسي والأوروبي، والمفوضية الأوروبية، لتحذيرهم "من خطورة قبول مشاركة منظمة الهلال الأحمر السوري كممثل عن السوريين في مؤتمر المانحين المقرر عقده في بروكسل بتاريخ 16 مارس/ آذار الجاري، باعتبارها منظمة تتبع لنظام الأسد، وتعمل بتوجيهات المخابرات السورية، ومتهمة بالمساهمة في سفك دماء السوريين، وفق تقارير منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش".
وأشار العظم إلى أنه زار، صباح اليوم الخميس، بلدية باريس بصفته عضواً في مجموعة حقوقيين سوريين في فرنسا، لتسليم المذكرة المحذرة من حضور منظمة الهلال الأحمر السوري إلى مؤتمر المانحين المقرر عقده في بروكسل.
وأردف أنه جرى "تدوين إفادتي القانونية حول الانتهاكات التي ترتكبها منظمة الهلال الأحمر وفقاً لتقارير حقوقية دولية. كما أكدت مسؤولة تعمل في بلدية باريس أنها ستقوم بإرسال المذكرة الحقوقية إلى الأحزاب الأوروبية الداعمة للثورة السورية، لا سيما أحزاب الخضر".
وأرسلت دول من الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا والنرويج، عدة قوافل إغاثية إلى النظام السوري عن طريق منظمة الهلال الأحمر السوري، على الرغم من اعتراض أكثر من عشرين منظمة سورية في بيان مشترك، السبت الماضي.
كما تحرك معارضون سوريون في واشنطن لمنع دعوة الهلال الأحمر السوري إلى مؤتمر بروكسل، وفق ما ذكر الصحافي أيمن عبد النور على صفحته في "فيسبوك".
وقال عبد النور المقيم في الولايات المتحدة إنّ "التحدي المستعجل الأبرز الآن أمام قيادات المعارضة هو منع دعوة ممثل عن النظام الأسدي لحضور اجتماع المانحين ببروكسل، لما سيشكله ذلك من فتح الطريق ولأول مرة منذ سنوات طويلة للتواصل المباشر بين المسؤولين الأوروبيين والنظام الأسدي، ولما سيشكله التبرع النقدي للنظام (الذي سيقوم بسرقة ذلك التبرع كعادته) من دعم لجيشه الذي يستخدمه في قتل الشعب السوري".
وأضاف أنّ "عدداً من أعضاء اللقاء التشاوري الأول الذي عقد في واشنطن في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، والذي يضم أرفع الشخصيات السورية السياسية الموجودة في أميركا من كل مكونات الشعب السوري، مع شخصيات سورية -أوروبية اعتبارية ولديها الخبرة اللازمة للتعامل مع مثل هذه الحالات، سوف تتواصل مع قيادات في الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض".
من جهته، حذر المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي من عدم الاستفادة من قيمة المبالغ التي سيجرى جمعها من خلال مؤتمر بروكسل، معتبراً أنه لن يصل منها إلا النذر اليسير إلى متضرري الزلزال.
وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنه من "خلال الخبرات السابقة، فإن المساعدات التي ستتقرر في مؤتمر بروكسل المقبل، سيذهب 90% منها إلى تركيا، و10% المتبقية لسورية. ومن حصة سورية، سيذهب 90% منها لنظام بشار الأسد و10% للشمال الغربي المنكوب"، موضحاً أنه "لو أقر المؤتمر مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار، فسيصل إلى الشمال السوري نحو 35 مليون دولار فقط".
كما رحج قاضي أن "لا تفي الدول المانحة بالتزاماتها"، مشيرة إلى أنها "غالباً تدفع فعلياً نحو 60% فقط مما تعد به، وفق ما تفيد التجارب السابقة مع هذه المؤتمرات".
وشدد في هذا الصدد على "ضرورة وجود شفافية وآلية مراقبة فعّالة على ما يتبقى من مساعدات، خاصة أنّ الفساد ليس فقط مستشرياً لدى النظام السوري ومؤسساته، بل داخل منظومة الأمم المتحدة نفسها"، مبيّناً أنّ "مثل هذه المساعدات تمول أيضاً الآلاف من موظفي الأمم المتحدة ووكالاتها المنخرطة في الشأن السوري، ونفقات مكاتبهم، التي يجرى اقتطاعها من المبالغ المخصصة للشعب السوري"، وفق قوله.