استهل رئيس النظام السوري بشار الأسد العام الجديد بمرسوم يقضي بدفع الأقساط المترتبة على العسكريين كافة في المشروع التعاوني المنزلي التابع للمؤسسة الاجتماعية العسكرية، ما يعني إعفاء العسكريين من باقي الأموال المستحقة عليهم لسداد ثمن تلك المنازل التي يقطنونها.
كما أصدر رأس النظام، اليوم الثلاثاء، أيضاً أمراً إدارياً بإحالة سبعة آلاف متطوع إلى التقاعد، بناءً على رغبتهم، ما يوفر على الميزانية العامة مليارات الليرات التي يمكن تجييرها لصالح المتطوعين الجدد. وكان النظام السوري قد أنهى عام 2023 بمراسيم صريحة تهدف لزيادة رواتب العسكريين والمحافظة عليهم، بهدف الوصول إلى "جيش احترافي" بحسب وزارة دفاع النظام.
وذكر موقع "صاحبة الجلالة"، المقرب من النظام، صباح اليوم، أن المرسوم الجديد يُعفي المشتركين في المشروع التعاوني من جميع الالتزامات المترتبة عليهم، ويشمل كل الضباط وصف الضباط والأفراد والمتقاعدين و"الشهداء" من العسكريين المشتركين، ويطبق اعتباراً من اليوم الثلاثاء.
وقد سبق هذه القرارات، التي توصف في أوساط النظام بـ"المكرمة"، أكثر من مرسوم خص العسكريين والمتقاعدين من العسكريين بميزات عن باقي قطاعات الدولة ومؤسساتها، حيث أصدر الأسد منتصف سبتمبر/أيلول من العام الفائت مرسوماً يقضي بتعديل سلفة الزواج المستردة والمقررة للعسكريين العاملين من الضباط وصف الضباط والأفراد في الجيش، والتي كانت من 30 إلى 50 ألف ليرة سورية بحيث تصبح منحة زواج لمرة واحدة غير مستردة بقيمة 2 مليون ليرة سورية.
وكذلك تم تعديل المادة 20 من قانون المعاشات العسكرية، لتصبح على نحو يستحق العسكري فيها تعويضات تعادل رواتب شهرين عن الخمس سنوات الأولى من الخدمة ويزيد هذا التعويض كلما زادت سنوات الخدمة، وفي الوقت نفسه صدر مرسوم تشريعي في بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي يسمح بدفع البدل النقدي لمن التحق بالخدمة الاحتياطية وبلغ سن الأربعين ويرغب بالتسريح أو عدم الالتحاق، مقابل دفع البدل النقدي.
ويمكن قراءة هذه التوجهات للرئاسة بأنها محاولة للمحافظة على ما تبقى من جيش النظام وقوى الأمن التابعة له، كما تخدم هذه التوجهات ما أُطلق عليه على لسان كبار المسؤولين في الجيش "بالجيش النوعي" بحيث يتميز العسكريون المثابرون في خدمة المؤسسة العسكرية مادياً ومعنوياً عن باقي العاملين في مؤسسات الدولة.
وقال أحد الضباط المتقاعدين من أبناء محافظة درعا، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إن هذه المراسيم والتوجهات "تخص حاضنة النظام السوري العسكرية والشعبية، وتسعى للمحافظة عليها عن طريق الترغيب والمكافأة".
وأضاف الضابط المتقاعد أن معظم الجيش العامل هو "من مكوّن اجتماعي واحد ومن مناطق سورية محددة، وهذا الواقع كان قبل الثورة السورية وأصبح أكثر تميزاً ووضوحاً، بعدما تمنّع جزء من السوريين عن القتال، ورفض جزء منهم الالتحاق بالخدمة الإلزامية".
وأشار المتحدث إلى أن هذه المراسيم تصب في خدمة مشروع "سورية المفيدة" الذي عمل عليه النظام الحاكم عندما اشتد حصاره عام 2015، والذي يقضي بتقوية مناطق وسط سورية والساحل والتخلي التدريجي عن الأطراف.
ويسترسل الضابط بوصف مكونات الجيش والقوى الأمنية قائلاً إن "جميع السورين يُدركون أن معظم قادة الفروع الأمنية وقادة أمن الفرق والألوية والكتائب في الجيش السوري من مكوّن واحد (العلويين في الساحل)، وليس غريباً أن يكون معظم قتلى ومصابي الجيش في هذه الحرب من المكون نفسه، ولهذا كان لا بد لهذا النظام أن يهتم بما تبقى لديه من جيش من أجل حمايته ومكافأة عائلات الضحايا".
وقال الناشط المدني، هاني عزام، لـ"العربي الجديد" إنه "من الواضح أن السلطة الحاكمة تسعى للحفاظ على حاضنتها الشعبية بعدما بدأت تتململ نتيجة سوء الأوضاع المعيشية والعداء المناطقي الناتج عن الحرب السورية".
وأضاف عزام أن النظام السوري يدرك "أن معظم الشباب السوري يسعى للهروب من البلد قبل موعد الخدمة الإلزامية، والعديد منهم يدفع البدل النقدي أو يحاول التسريح من الخدمة الدائمة، بعدما تراجعت فرص الكسب غير المشروع عند فئات من الجيش من المتطوعين بعد انتهاء الحرب، وتوقف عمليات التهجير والتطهير للمناطق السورية".
مشيراً إلى أنه "بناءً على هذا الإدراك، تقدم السلطة بعض الإغراءات المادية للعاملين في المؤسسة العسكرية ولذوي الضحايا، وبالمقابل تقدم التسهيلات لباقي مكونات الشعب السوري للخلاص من الخدمة العسكرية عبر الهروب أو دفع البدل النقدي".