أكد عسكري مصري سابق أن عملية إنقاذ أعضاء السفارة الإسرائيلية السابقين إبان اقتحامها على يد متظاهرين مصريين في أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تم على يد السلطات المصرية، التي أخلتهم من داخل مبنى السفارة القديم الذي يقع في الجيزة.
وقال المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إنه "تم التنسيق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، ورئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر آنذاك المشير حسين طنطاوي، واتفق الجميع على ضرورة الإسراع في إنقاذ وإخلاء كل المبعوثين الدبلوماسيين والإداريين في السفارة، وبالفعل وصلت القوات الخاصة المصرية على عجل".
وكشف العسكري المصري السابق عن أن "أحد الحراس اتصل من داخل السفارة بالهاتف الشخصي لنتنياهو، وأخبره بأن المتظاهرين اقتحموا الباب ودخلوا إلى المقر، حيث كان جميع الإسرائيليين الموجودين محتمين في غرفة واحدة، حتى تم إخلاؤهم".
وبعد مضي أكثر من 10 سنوات منذ أن شغل دادي حنوك منصب رئيس أمن سفارة دولة الاحتلال الإسرائيلية في مصر وقت اندلاع ثورات الربيع العربي، يقدم الآن روايته حول هذه الفترة، في كتاب جديد ركز فيه على الهجوم الذي وقع على مبنى السفارة في القاهرة في 9 سبتمبر/أيلول 2011.
وفي عرضها للكتاب تقول صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن "دادي حنوك (50 عامًا)، الذي كان ضابط أمن السفارة حتى يونيو/حزيران من ذلك العام، لم يتفاجأ من الهجوم".
ويقول حنوك: "جاء المتظاهرون لكسر الجدار الذي بنته السلطات أمام السفارة، وبمجرد أن كسروا الجدار، أدركوا أن لا شيء سيوقفهم". وتابع: "في الواقع، صمدت.. جميع الخطط الأمنية التي بنيتها في الأشهر السابقة أمام الاختبار. ولحسن حظي وحظ الرجال الذين كانوا في مبنى السفارة، فقد صمدت أمام اختبار قوي، ومنحت المستويات السياسية مزيدًا من الوقت للتأثير على المصريين من أجل إنقاذ رجالنا في الداخل".
وعن خطوات الاستعداد لهذا الهجوم يقول ضابط "الشاباك" السابق: "كنا ماهرين جدا في محاربة (الإرهاب). لقد مررنا بالتدريب في الشاباك من أجل هذا. لكن عندما تدخل في معادلة محاربة أشخاص عزل، تدرك أنك في ورطة. كان هدفنا هو محاولة منعهم من الدخول بأي ثمن، أو تأخيرهم لوقت يسمح بالخروج من السفارة، حتى لا نصل إلى وضع تنعدم فيه الخيارات ونواجههم وجهاً لوجه".
ويتابع حنوك: "أحضرنا شاحنة حديدية إلى السفارة، وجلبنا عمال لحام، ووضعنا على كل باب في السفارة بابًا داخليًا به المزيد من القضبان والمزيد من الفولاذ. نصبنا سياجًا من الأسلاك الشائكة، وقمنا بتوزيع 80 طفاية حريق خوفًا من إلقاء قنابل المولوتوف علينا، وقمت أيضًا بتمرين الموظفين كل يوم داخل السفارة حتى أدرك الرجال أنه من الممكن التعامل مع المتظاهرين دون إطلاق النار عليهم.. قلت لهم (إذا أطلقنا النار على أحد المتظاهرين، فسننتصر للحظة لكننا سنخسر المعركة، لأننا لن نخرج منها أحياء)".
واستطرد حنوك قائلا: "كان اندلاع الثورة في مصر عملية سريعة وجذرية وعنيفة. وانهار البلد. لقد وقعنا في سلسلة من الأحداث النفسية التي كان علينا أن نتعامل معها مثل التهديدات التي مست الأمن الشخصي للجميع. ووتيرة اتخاذ القرار كانت غير عقلانية. كانت إحدى المشاكل في ذلك الوقت هي أن جميع وكالات جمع المعلومات الاستخبارية وتقييم الوضع في إسرائيل، لم تتوقع ما سيحدث في مصر، بل العكس حيث زعموا أن ذلك لن يحدث في مصر، وأن مبارك قوي وسيتولى السيطرة على الأمور ولن يحدث شيء، لكن البلاد انقلبت وكنا في خضم هذا الانقلاب".
وعن تأثير الأحداث على السفارة، يقول حنوك: "اختفى المسؤولون الأمنيون المصريون الذين كانوا مسؤولين عن أمننا، وكان من المستحيل الاتصال بهم. كل خطوة خارج المنزل أصبحت تشكل خطرا على الأرواح. كانت هناك أحداث، ووجدنا أنفسنا محاطين بمئات الأشخاص الذين يحملون فؤوسًا وسكاكين وعصيًا في أعينهم نظرة القتل، وحوادث إطلاق النار في سفارتنا، وفي منطقة منزل سفيرنا".
ويضيف: "كانت هذه أحداث مجنونة واستمرت قرابة سبعة أشهر. وفي هذه العملية، خضت نضالًا ضد السلطات في إسرائيل من أجل تلقي مساعدات أمنية وفقًا لما اعتقدت أنه مطلوب، وفي إسرائيل لم يتفق معي أحد، وبصفتي ضابط أمن، حاولت إيجاد حلول وتوفير استجابة أمنية مناسبة للتهديدات، وفي النهاية اضطررت إلى الارتجال، وبعض القرارات التي اتخذتها، كانت خلافًا لرأي مدرائي، والتعليمات الأخرى التي تلقيتها، كانت بسبب علمي طوال الوقت أننا على وشك حدث كبير مثل الاستيلاء على مبنى السفارة".
ويتابع: "حددنا جميع أنواع الأساليب والإجراءات للتعامل مع المتظاهرين، والتي تضمنت طفايات حريق وأواني ومواد تنظيف، لأننا علمنا أنه إذا وصلنا إلى حالة تم فيها إطلاق النار على المتظاهرين داخل السفارة، فلن نخرج أحياء لأننا السلطات المصرية ستقاتلنا".
وفي كتاب حنوك الجديد "في قلب الثورة" يروي الضابط السابق في الشاباك بالتفصيل أيامه في القاهرة بين 2009-2011. ويقول: "منذ اليوم الأول لوصولي، لم يكن الموقف جيدًا. إذ إن المواطن المصري العادي تعلم أن يكرهنا. لقد نشأوا على أن إسرائيل (دولة معادية)".
وقع حنوك في مظاهرة عنيفة في الميدان الرئيسي بالقاهرة. وكتب في الكتاب: "كان هناك المئات من المتظاهرين في الميدان. لا يمكننا المضي قدمًا، لكننا أيضًا لا نستطيع العودة بالمركبات. الخوف والعجز يتسللان ويحتلان مكانًا عميقًا. لا يوجد خيار، علينا أن نتحرك. علينا أن نفعل شيئًا إبداعيًا. بعض المتظاهرين هجموا علينا، ومنهم من صعد إلى أسطح المركبات والبعض الآخر ضرب جوانب المركبات بقوة بالعصي والفؤوس والسكاكين. من الواضح أنه كان هناك ضغط ولكن كان هناك أداء جيد. بالمناسبة، كان خوفي أيضاً من حراس الأمن الذين لم يكن لديهم خبرة بعد. كان لدي أيضًا رجال وصلوا إلى حالة من الإجهاد الذهني، وكان علي أن أقدم لهم خدمات نفسية".
وفي نهاية يونيو/حزيران 2011، غادر حنوك السفارة وعاد إلى إسرائيل. ويقول إنه "لن ينسى أيامه الأخيرة في القاهرة. كان من الصعب علي أن أودع فريقي. عندما ركبت الطائرة نظرت إلى الوراء وقلت لنفسي: "لن أعود إلى هناك أبدًا".
ويضيف: "منزل السفير القديم في القاهرة كان بمثابة سفارة في مصر، لكن نشاط السفارة لم يعد إلى طبيعته. تسافر اليوم السفارة الإسرائيلية في مصر أميرة أورون وفريقها إلى مصر لبضعة أيام ويعودون إلى إسرائيل، بالطبع في ظل إجراءات أمنية مشددة. ليست هناك نفس الوتيرة التي كانت عليها من قبل السفارة".
انتقل حنوك للعمل كحارس أمن لشركة إلـ"عال" في لوس أنجليس، وفي عام 2013 عاد إلى إسرائيل للعمل في قسم الأمن، حتى تقاعده من الخدمة في عام 2018. وبعد تقاعده انتقل إلى مجال الاستشارات الأمنية والتدريب في عالم الأمن وألقى مئات المحاضرات في إسرائيل وخارجها.