مسؤول إيراني يتحدث لـ"العربي الجديد" عن فرص إحياء الاتفاق النووي وأسباب عدم استئناف المفاوضات
كشف مسؤول إيراني كبير، اليوم الثلاثاء، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد"، عن آخر تطورات الملف النووي الإيراني، وأسباب توقف المفاوضات النووية في سبتمبر/ أيلول الماضي والعقبات التي حالت وتحول دون استئنافها، مسلطاً الضوء على آفاق إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت واشنطن منه عام 2018، ثم تخلت إيران عن التزاماتها النووية المنصوص عليها بالاتفاق.
ويقول المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية البرلمانية، البرلماني البارز أبو الفضل عمويي لـ"العربي الجديد" إنّ فرص إحياء الاتفاق حالياً أقل مما كانت قبل سبتمبر/ أيلول، وهي الفترة التي كانت تجري فيها المفاوضات النووية، "لكنها أكثر من الشهر الماضي"، نظراً للتطورات الجديدة في الملف النووي، في مقدمتها الاتفاق الجديد بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، في أثناء زيارة مدير الوكالة العام رافاييل غروسي لطهران، الجمعة والسبت الماضيين.
وقد أحيا هذا الاتفاق أحيا الآمال، وأثار تكهنات بشأن إحياء الاتفاق النووي، ورفعت هذه الأجواء الإيجابية قيمة الريال الإيراني خلال الأيام الأخيرة، التي سجلت تراجعاً قياسياً خلال الأشهر الماضية بوصوله إلى 600 ألف ريال مقابل كل دولار أميركي، ما سبّب ارتفاعاً كبيراً لأسعار السلع، وزاد الضغط المعيشي على المواطن الإيراني.
عمويي: مسألة التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية منفصلة تقنياً عن المفاوضات النووية
وعمّا إذا كان الاتفاق مع غروسي سيحيي المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي، يقول المتحدث باسم لجنة الأمن القومي الإيرانية إنّ "مسألة التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية منفصلة تقنياً عن المفاوضات النووية، وهذا التعاون على أساس اتفاق الضمانات (الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية) لم يتوقف، وزيارة السيد غروسي جاء في هذا الإطار، وهو ما أكده البند الأول من البيان الختامي" لزيارته لطهران.
لكن لا يخفي المسؤول الإيراني، في حديثه مع "العربي الجديد"، وجود علاقة بين زيارة غروسي والاتفاق الذي أفضت إليه، والمفاوضات النووية المتعثرة، مشيراً إلى وجود روابط سياسية بين الأمرين.
ويضيف أنّ المباحثات النووية التي جرت على مدى عام ونصف توصلت إلى "نص أساسي في 26 إلى 27 صفحة، وظل موضوعان عالقان"، لافتاً إلى أن أحدهما كان متابعة قضايا "الضمانات"، أي المواقع الثلاثة التي سبق أن أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العثور على مواد نووية فيها.
وفي حال تحقّق "نتائج ملموسة" بشأن هذه القضايا بين إيران والوكالة، كما يقول عمويي، سيشكل ذلك "خطوة إلى الأمام" في المفاوضات النووية، وسيسرّع بها نحو النتيجة.
وإذا ما كان الاتفاق بين إيران والوكالة الدولية سيفضي إلى حل تلك القضايا العالقة، يؤكد المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية، لـ"العربي الجديد" أنّ الطرفين توصلا خلال زيارة غروسي إلى "خريطة طريق"، مضيفاً أنّ بلاده وافقت على تقديم المزيد من المعلومات عن تلك المواقع الثلاثة للوكالة، وطالبت الأخيرة بـ"زيادة المراقبة وعمليات التحقق في إيران، ووافقنا على عقد اجتماع فني لاحقاً لتحديد إطار لتنفيذ ذلك، وسنتعاون مع الوكالة في ذلك".
ويلفت البرلماني الإيراني إلى أن الطرفين توصلا إلى آلية لزيادة التعاون، مشيراً إلى أن المواقع كانت أربعة، حُلّ موضوع واحد منها، وظلت ثلاثة. وأكد أن "الادعاءات بشأن هذه المواقع تعود إلى قبل قرابة عشرين عاماً، وليست جديدة، واليوم لا وجود لتلك المواقع أبداً".
عمويي: الطرفان توصلا خلال زيارة غروسي إلى "خارطة طريق"
ويرى عمويي أنه "في ظل المعلومات التي نقدمها للوكالة بشأن المواقع الثلاثة يمكننا التوصل إلى نتيجة بشأنها، وإجاباتنا مقنعة" على أسئلة الوكالة، علماً بأنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقاريرها السابقة، أعلنت أنّ إيضاحات إيران "لم تكن ذات مصداقية ومقنعة".
وعن مصادر المواد النووية التي قالت الوكالة سابقاً إنها عثرت عليها في تلك المواقع، يطرح النائب الإيراني عدة احتمالات، منها أنها "تلوث" و"خطأ في التحاليل"، مشيراً إلى أن لكل من الاحتمالات "توضيحات فنية".
ويوضح المسؤول الإيراني أن بلاده طرحت خلال المفاوضات النووية، إنهاء ملف المواقع الثلاثة إلى جانب رفع جميع العقوبات والحصول على الضمانات الاقتصادية لضمان ديمومة الاتفاق النووي الذي كانت المفاوضات تهدف إلى إحيائه.
وبعيداً عن قضايا "الضمانات" العالقة التي عرقلت إتمام المفاوضات النووية في التوصل إلى اتفاق، يطرح المتحدث باسم لجنة الأمن القومي الإيرانية، أسباباً أخرى حالت من وجهة نظره دون استئناف المفاوضات النووية، وحولتها إلى مجرد تبادل رسائل بين إيران والولايات المتحدة في الوقت الراهن.
وأهم هذه الأسباب والعقبات، كما يقول عمويي، انتخابات الكونغرس الأميركي النصفية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ثم التركيز الأوروبي على الحرب في أوكرانيا، وطرح "مزاعم عن تدخل إيران في هذه الحرب"، فضلاً عن التركيز الغربي على "أعمال الشغب" في إيران بعد وفاة الشابة مهسا أميني خلال سبتمبر/ أيلول الماضي.
عمويي: الدول الغربية راهنت على الاحتجاجات للإضرار بإيران ولتتفاوض من موضع ضعيف لكننا تجاوزنا هذه المرحلة
وأطلقت وفاة أميني بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب بتهمة عدم التقيد بالحجاب، احتجاجات واسعة في إيران، استمرت لنحو 3 أشهر، قتل فيها نحو 400 شخص، حسب مؤسسات حقوقية إيرانية معارضة في الخارج، من بينهم عدد من قوات الأمن و"الباسيج"، فضلاً عن اعتقال عشرات الآلاف، قبل أن يصدر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، خلال فبراير/ شباط الماضي، عفواً عاماً عن معظمهم بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإسلامية على النظام الملكي السابق.
ويتابع المسؤول الإيراني في حديثه مع "العربي الجديد" أن الدول الغربية راهنت على الاحتجاجات لـ"الإضرار بإيران ولتتفاوض من موضع ضعيف لكننا تجاوزنا هذه المرحلة".
وعن مساعي إيران لإزالة عقبة الحرب في أوكرانيا أمام استئناف المفاوضات النووية في ظل المطالبة الأوروبية بوقف الدعم الإيراني لروسيا، يؤكد أن طهران أبدت "الشفافية" بشأن ذلك، وعقدت جلسات حوار مع المسؤولين الأوكرانيين "لكنهم لم يقدموا بعد وثيقة بشأن تدخل إيران المباشر في الحرب".
عمويي: المواقف الأوروبية تجاه إيران والمفاوضات النووية أصبحت أكثر حدة من الموقف الأميركي
وعن الشرط الأوروبي بوقف ما تقول أوروبا إنه الدعم الإيراني العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا، يشدد المسؤول الإيراني على أنّ "موضوع المفاوضات النووية هو البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات، ونحن نؤكد أن لا علاقة لأي موضوع آخر بالمفاوضات، ومن لديه حسابات بهذا الشأن فإنها ليست موضوعية، ومضمون المفاوضات لا علاقة له بالحرب الأوكرانية".
ويرى البرلماني الإيراني البارز أنّ "الفرصة اليوم مواتية لينظر الأميركيون بواقعية وموضوعية" بعد زوال أسباب كالانتخابات الأميركية النصفية وانتهاء الاحتجاجات، قائلاً إن "الطرف الآخر لم يصل إلى استخلاص بعد، لكن موقفنا منذ عام ونصف عام إلى الآن ثابت ولم يتغير، وليس لدينا كلام جديد، فإذا عادت أميركا إلى تعهداتها نحن أيضاً مستعدون للعدول عن خطواتنا التصحيحية".
ولا يخفي عمويي أنّ المواقف الأوروبية تجاه إيران والمفاوضات النووية أصبحت أكثر حدة من الموقف الأميركي، متهماً بعض الدول الأوروبية بـ"التسرع" في اتخاذ المواقف والتعاون مع مجموعات إيرانية معادية للجمهورية الإسلامية لـ"الضغط عليها ودفعها إلى تغيير مواقفها".
ولا يرى المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية، أن "الاتفاق النووي قد مات"، لكنه يقول إنّ "أضراراً بالغة" لحقت به، غير أنّ "إحياءه يبقى ممكناً إذا ما تعامل الطرفان الآخران (أميركا وأوروبا) بواقعية".