أسباب المساعي الغربية الحثيثة لتسريع ضم السويد إلى حلف شمال الأطلسي.. هيمنة غير مكتملة بدونها
تتواصل المساعي الغربية لضم السويد رسمياً إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عشية قمة الحلف يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين في ليتوانيا، إذ تحاول دول عديدة إقناع تركيا بالموافقة على انضمام الدولة الاسكندينافية إلى التحالف العسكري الغربي.
تريد الولايات المتحدة، على غرار العديد من حلفائها، أن تنضمّ السويد إلى "الناتو" بحلول انعقاد قمة الحلف، وذلك بعد انضمام فنلندا المجاورة إلى الحلف في الرابع من إبريل/ نيسان.
وفيما تنتظر تركيا من السويد الإيفاء بتعهداتها كي توافق على انضمامها، تكشف المحاولات الغربية الحثيثة لإقناع أنقرة بذلك أن للحلف الأطلسي دوافع كثيرة لضم السويد سريعاً إلى قائمة الدول الأعضاء بداخله.
ففي المنطقة الاسكندنافية (السويد والنرويج والدنمارك)، والتي تتخذ أيضاً تسمية "مجموعة دول الشمال" مع فنلندا وأيسلندا، والممتدة من منطقة بحر البلطيق إلى الدائرة القطبية الشمالية، لم يبق للحلف سوى السويد لاستكمال هيمنته في البلطيق، المتوسعة منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
فالبلد الذي يتعاون مع حلف الأطلسي، ويستقبل مناورات مشتركة معه منذ ما قبل الحرب الأوكرانية، يمتلك موقعاً استراتيجياً مهماً، بالنسبة لطرفي الصراع الروسي-الغربي.
فأطول شواطئ بحر البلطيق هي الشواطئ السويدية المطلة عليه. وجزيرة غوتلاند السويدية هي أكبر وأهم جزره، إضافة إلى جزر أصغر، بينها جزيرة بورنهولم الدنماركية.
بحر الناتو
منذ 2021 والجانب العسكري الأميركي يبدي اهتماماً ملحوظاً في عسكرة السويد لجزيرة غوتلاند، التي باتت تحتضن اليوم حضوراً عسكرياً لم يكن منذ نهاية الحرب الباردة 1992. وتستقبل تدريبات غربية، ويتوافد عليها قادة عسكريون أميركيون وغربيون، فيما لا يمكن أن تكون هناك أي مناورات عسكرية تحت مظلة حلف الأطلسي بصورة علنية دون عضوية البلد فيه.
ومنذ أن حسمت عضوية فنلندا في الحلف الغربي، وفرض سيطرة غربية على امتداد شواطئ الدول المنضوية فيه من دول البلطيق (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) إلى بولندا، سارع الغربيون إلى تأكيد أن تلك الهيمنة هي غير مكتملة بوجود السويد خارج الأطلسي، فيما تستعجل فنلندا بدورها عضوية شقيقتها وجارتها.
خلف أبواب التفاوض السياسي على عضوية السويد إلى حلف شمال الأطلسي، أجرى قادة عسكريون زيارات عديدة إلى جزيرة غوتلاند، ومنهم القائد العام للقوات الأميركية في أوروبا وأفريقيا، كريستوفر كافولي. وبعد عام من زيارته في 2021 جرى تعيين كافولي قائداً أعلى لقوات حلف الأطلسي.
فعلى هامش النقاشات الغربية حول "الضمان الدفاعي" الغربي، وفق المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، يبدو أن بحر البلطيق بات حجر زاوية في تلك المناقشات، على مستوى تقني عسكري.
ومن الواضح أن الأعين على إكمال التضييق على روسيا في المنطقة، حيث تناقش "خطط الدفاع الإقليمي" على طاولة قمة الحلف في فيلنيوس بين 11 و12 الشهر الجاري.
بالطبع لم ينتظر المستوى العسكري في الأطلسي تمرير عضوية استوكهولم إليه. فمنذ مطلع العام الماضي شهدت السويد تدريبات عسكرية مشتركة مع الأميركيين شهرياً، واحتلت غوتلاند أهمية لدى القيادة العسكرية الأميركية، وحضرها بصفة دائمة الجنرال بن هودجز، ممثلاً لكافولي.
الإدارة الأميركية وجنرالات وزارة الدفاع (البنتاغون) يولون اهتماماً متزايداً بالموقع الاستراتيجي للسويد على الخريطة الغربية، خاصة مع نشوء حالة حرب باردة جديدة في المنطقة.
فإلى جانب ساحلها الأطول على البلطيق، كمنطقة مهمة في الجزء الشمالي "للأطلسي"، تعتبر العضوية الرسمية للسويد في الحلف بمثابة "التحكم في بحر البلطيق بالطرق البحرية والجوية المؤدية إلى دول حلف الأطلسي، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، وكذلك روسيا"، بحسب تصريحات منسق جهود الحلف في الدفاع عن السويد، الجنرال الأميركي جيم تاونسد.
جزيرة غوتلاند عملياً يمكن أن تغلق تماماً الجناح الشمالي للأطلسي، وتحدّ من قدرة روسيا على المناورة في منطقة بحر البلطيق وشمال روسيا نفسها، وفقاً لما يعتقد متابعون للتحركات الغربية، في مسعاهم الفعلي لجعل البلطيق "بحر الناتو".
لسد الثغرة السويدية
وتظل "الثغرة السويدية" في جدار حلف شمال الأطلسي هي محل اهتمام غربي كأهمية سدها لدى السويديين أنفسهم. وقد ذهب تقرير سويدي دفاعي، صدر في 19 يونيو/ حزيران الماضي، إلى اعتبار أن "الأراضي السويدية والفنلندية ستكون مركزية في دفاع الحلفاء عن شمال أوروبا والاتصال عبر الأطلسي". وحتى بالنسبة للعضو الجديد في الحلف، فنلندا، تحتل عضوية جارتها السويد أهمية خاصة، إذ "من المهم لفنلندا أن تعرف أن السويد يمكنها المساعدة في الدفاع بعمق"، بحسب ما ذهبت الباحثة في السياسات الأمنية بمعهد السياسة الخارجية الفنلندي، مينا أورلاند، وفقاً لصحيفة "داغنس نيهتر" السويدية.
من ناحيته اعتبر الخبير في الشؤون الدفاعية في الأكاديمية العسكرية النرويجية، ماغنوس كريسيانسون، في تصريح له، أنه "من المستحيل الدفاع عن فنلندا بدون السويد، فهي ترتبط في القبعة الشمالية معها ومع النرويج، لذا تعتبر أيضاً العضوية مهمة جداً للنرويجيين أيضاً".
بصورة ما يمكن اعتبار الغزو الروسي لأوكرانيا "نقطة تحول" مهمة في مسار العلاقة الروسية بمجموعة دول الشمال واسكندنافيا. فحتى وقت قريب قبل ظهور الحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا الشرقية في أواخر 2021، لم يكن الكثيرون في السويد وفنلندا من مؤيدي انضمام دولهم إلى حلف شمال الأطلسي. بل إن الرأي العام في الدنمارك تحول من معارض لوجود أميركي عسكري إلى نقاشات حول إمكانية تخزين أسلحة نووية، رداً على نقل موسكو لذلك النوع من الأسلحة إلى بيلاروسيا.
بعد نحو أسبوع فقط من غزو أوكرانيا، فوجئ الرئيس الفنلندي، سولي نينيستو، أثناء الجلوس في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي جو بايدن باتصال مشترك برئيسة الحكومة السويدية السابقة ماجدالينا أندرسون بشأن الالتحاق بحلف شمال الأطلسي، بعدما كانت تؤكد أنه لا توجد مشاريع انضمام إلى الحلف. تغيرت اتجاهات الرأي العام في البلدين بعد أن حرك الفنلنديون الأحجار على رقعة اللعب الغربي-الروسي. واليوم تنتقل دول الشمال من مواقف متحفظة إلى مشجعة للاحتماء تحت المظلة الدفاعية لحلف الناتو، وهو ما يصب في مصلحة الحلف، ويذكي أجواء العسكرة المتزايدة.