يتعرض المسجد الأقصى المبارك لانتهاكات مستمرة بلغت ذروتها مطلع الأسبوع الجاري، وخصوصاً أيام الأحد والاثنين والثلاثاء، حيث أشعل مستوطنون شموع عيد الأنوار المسماة "الحانوكا" في المنطقة الشرقية للمسجد، على مرأى ومسمع من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، التي توفر الحماية لهم، وتمنع حراس المسجد الأقصى من الاقتراب منهم.
وتأتي هذه الانتهاكات بعد مضيّ نحو شهرين على معركة "طوفان الأقصى"، وما تبعها من فرض قيود مشددة على دخول المصلين للمسجد الأقصى، فيما لا يزال مسؤولو الأوقاف الإسلامية ومرجعيات دينية تمتنع عن الإدلاء بأي تصريحات إزاء ما يتعرض له المسجد من انتهاكات.
ووصف أحد موظفي الأوقاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، فضل عدم ذكر اسمه، أن ما حدث في احتفالات الحانوكا على مدى الأيام الماضية في ساحات المسجد الأقصى بأنه غير مسبوق، وهو يحدث لأول مرة منذ عام 1967.
وأضاف: "صحيح أنهم أدخلوا في السابق سعف النخيل، وصحيح أنهم باتوا يؤدون طقوساً وصلوات تلمودية بصورة علنية، لكن لم يحدث على مدى سنوات وعقود الاحتلال الماضية إشعال شموع عيد الأنوار، وهو طقس ديني يمهد لما بعده من انتهاكات قد تصل قريباً إلى إدخال القرابين الحية إلى باحات المسجد، ثم يتوجونها لاحقاً ببسط سيطرتهم على الساحة الشرقية من المسجد، وخصوصاً في المنطقة الممتدة من المصلى المرواني حتى مصلى باب الرحمة".
جنود الاحتلال، الذين عززوا وجودهم وتموضعهم عند بوابات المسجد الأقصى، حولوا محيط المسجد الأقصى إلى مناطق عسكرية لا يسمح إلا لكبار السن فقط بالدخول إلى الأقصى والصلاة في مصلياته.
ويبدو هذا الوجود ظاهراً بقوة في منطقة باب الناظر، أحد أبواب المسجد الأقصى الرئيسية والمتاخم تماماً لحيّ الجالية الأفريقية، حيث يقطن في هذا الحيّ عشرات العائلات المسلمة التي تنحدر في أصولها من تشاد والمقيمة في هذا الحيّ منذ مئات السنين.
ويقول أهالي الحيّ إن قوات الاحتلال تفرض عند ساعات ما بعد العصر حالة من شبه التجول تمنع خلالها على شبان الحيّ الحضور في الساحة، وغالباً ما تعتدي عليهم وتقمعهم وتقودهم إلى مراكز التوقيف والاعتقال.
وفي هذا الحيّ، يقع المقر العام لإدارة الأوقاف الاسلامية في القدس، الذي يتعرض بالقرب منه موظفو الأوقاف وحراس الأقصى لمضايقات من قبل جنود الاحتلال، وفي بعض الأحيان يتم إعاقتهم عن الالتحاق بأماكن عملهم.
وفي داخل المقر، حيث يزاول كبار مسؤولي الأوقاف عملهم هناك، لا يسمح لأحد بالتصريح عما يحدث خارج المقر، حتى التعليق على الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى من قبل عشرات المستوطنين الذين ينتهزون حالة الرعب التي تشيعها قوات الاحتلال بين صفوف الشبان المقدسيين لمواصلة اقتحاماتهم الاستفزازية للمسجد الأقصى.
ما يحدث في منطقة باب الناظر يحدث أيضاً عند جميع أبواب الأقصى، ويشعر المقدسيون بغضب، بينما لا يستطيعون مثلاً الدخول إلى الأقصى من خلال سوق القطانين، الذي اضطر العشرات من أصحاب المحال في السوق إلى إغلاق أبوابها بسبب مضايقات الجنود المتمركزين عند مدخله، وكذلك تحرش المستوطنين بهم خلال تجمهرهم اليومي عند مدخله الرئيس.
هذه المضايقات تتعاظم في أيام الجمعة من كل أسبوع، حيث تغلق قوات الاحتلال منذ أكثر من شهرين على التوالي أبواب البلدة القديمة من القدس بالحواجز الحديدية، وتمنع غير قاطنيها من الدخول إليها، ما يضطر المئات من المصلين إلى افتراش الساحات العامة والصلاة هناك، قبل أن تقوم قوات الاحتلال بقمعهم والاعتداء عليهم بالغاز السام المسيل للدموع والمياه العادمة.
ويبدي خطباء المسجد الأقصى في هذه المرحلة حذراً كبيراً في خطب يوم الجمعة حين يتعلق الأمر بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد تحذيرات تلقتها الأوقاف من قبل شرطة الاحتلال، التي هددت فيها باتخاذ إجراءات ضد أي خطيب يتطرق إلى ما يجري في قطاع غزة، وقد اتُّخذ بالفعل إجراء الشهر الماضي، بحقّ أحد الخطباء.
وبينما أثارت خطبة رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري غضب شرطة الاحتلال، التي ردت عليها بالإيعاز إلى بلدية الاحتلال في القدس بمداهمة البناية التي يقطن فيها بحيّ الصوانة إلى الشرق من البلدة القديمة في القدس وتسليم ثماني عشرة عائلة، من بينها عائلة الشيخ صبري، إخطارات بالهدم، بدعوى عدم استكمال إجراءات الترخيص، رغم أن البناية شيدت قبل نحو خمسة وعشرين عاماً.
وتصدر دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس بيانات عقب كل صلاة جمعة، تتحدث فيها عن أعداد ضئيلة من المصلين لا تتعدى الخمسة آلاف مصلٍّ، في حين أن أعداد المصلين قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت تتجاوز الخمسين ألفاً، بسبب قيود الاحتلال التي تطبق منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.