أنهت الحكومة المصرية، إنشاء عدد من المشاريع الاستراتيجية في شبه جزيرة سيناء، شرقي البلاد، في قطاعات الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات، لحاجة المواطنين الملحة إلى البدء الفوري في تشغيلها. ومن شأن ذلك أن يخفّف من معاناة المواطنين في شبه جزيرة سيناء المستمرة منذ عقود، والتي تفاقمت منذ عام 2013 بسبب الحرب على الإرهاب والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي رافقت تلك المرحلة.
لكن يظهر أن الجهات الحكومية والأمنية تجمد قرار تشغيل المشاريع الجديدة، في إشارة إلى عدم وجود اطمئنان تام لطرد تنظيم داعش (ولاية سيناء) بلا رجعة من المحافظة، لا سيما في ظل الحملات الأمنية المستمرة لملاحقة فلول التنظيم في مناطق وسط سيناء، بعد رصد تحركات لعناصر إرهابية في تلك المناطق الجبلية الوعرة، وفق ما أكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" قبل أيام عدة.
كما لا يزال موعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غير معروف، لعقد احتفالية تطهير سيناء من الإرهاب التي أعلن عنها خلال الاحتفال بعيد الشرطة نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
المواطنون لا يستفيدون من مشاريع سيناء
ويقول أحد وجهاء محافظة شمال سيناء، أبو ياسر السواركة، لـ"العربي الجديد": "نسمع حديث الدولة المصرية عن تنمية سيناء وتطويرها، وإحداث نقلة نوعية في كافة تفاصيل الحياة فيها، وإعطاء الأولوية لسكّانها للشعور بوجود الدولة المصرية إلى جانبهم، وهذا يتم من خلال مشاريع تمّ الانتهاء من الجزء الأكبر منها، إلا أننا كأهالي سيناء لم نستفد من هذه المشاريع نهائياً، رغم مرور أشهر على إتمام غالبيتها".
تمّ الانتهاء من الجزء الأكبر من المشاريع، لكن أهالي سيناء لم يستفيدوا منها بعد
ويضيف السواركة أنه "خلال الأسابيع المقبلة، ستستكمل جهوزية بقية المشاريع في المنطقة، لتصبح صالحة للعمل، من دون وجود أي تلميحات أو تعليمات عن إمكانية استفادتنا كسكان سيناء منها حتى اللحظة، لا سيما في قطاعات النقل والمياه والكهرباء والإسكان، وفرص العمل في المشاريع الاقتصادية المنتشرة في وسط سيناء".
ويعتبر السواركة أن إمكانية استفادة الفلسطينيين من المشاريع تبدو أكثر واقعية من استفادة المصريين أنفسهم، في ظلّ حالة التهميش من قبل الدولة المصرية لأي مواطن مصري في سيناء، وعدم وجود مساواة بتاتاً في المعاملة بين المصري القاطن في المحافظات المصرية الأخرى مع أبناء محافظات سيناء".
وفي إشارته إلى استفادة الفلسطينيين من المشاريع الاستراتيجية الحالية، يتخوف السواركة من كونها تشكل جزءاً أساسياً من الحديث عن حالة التطبيع الاقتصادي القائمة مع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، في ظلّ أنها قد تمثل مدخلاً تجميلياً لما تم الترويج إليه سابقاً ووصف بأنه "صفقة القرن" (تصوّر للسلام الفلسطيني - الإسرائيلي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية)، لا سيما أن مصر ركن أساسي في تنفيذ أي خطط تتعلق بالتطبيع والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل الجغرافية السياسية التي تربطها بقطاع غزة، بحسب تفسيره.
أبرز المشاريع الاستراتيجية
وترصد "العربي الجديد" أبرز المشاريع الاستراتيجية التي أنشأتها الدولة المصرية عبر أذرعها العسكرية والحكومية في سيناء خلال السنوات القليلة الماضية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى نقلة نوعية في حياة المواطنين في حال جرى تشغيلها والعمل بها.
وفي قطاع النقل المواصلات، تبرز مشاريع عدة، أهمها تطوير مطارات سيناء وتتمثل في: مطار العريش الدولي، مطار المليز، ومطار رأس النقب (طابا)، حيث عِمدت الدولة المصرية إلى تطوير هذه المطارات بشكل لافت خلال السنوات الخمس الماضية، من خلال توسيع مساحاتها، وإنشاء مدرجات جديدة للطائرات، وكذلك أبراج مراقبة بمواصفات عالمية، بما يؤهلها لاستقبال أكبر عدد ممكن من المسافرين. ورغم ذلك، لا يزال سكان سيناء يتوجهون إلى مطار القاهرة من أجل السفر إلى دول العالم.
ويبرز في قطاع النقل والمواصلات، أيضاً، تطوير شبكة طرق ضخمة، تمتد من غرب سيناء إلى شرقها، من خلال طرق حديثة وبمساحات كبيرة. إلا أن هذا المشروع ما زال مغلقاً بشكل شبه كامل في وجه المصريين، الذين لا يزالون يسلكون الطرق المتهالكة القديمة، التي تسببت بعشرات الحوادث وما يتبع ذلك من خسائر بشرية ومادية فادحة، من دون أي تحرك من الجهات الحكومية لفتح الطرق أمام المصريين. وتشق تلك الطرق الصحراء من غرب سيناء باتجاه معبر رفح البرّي ومطار العريش الدولي، وكذلك باتجاه مناطق وسط سيناء وجنوب سيناء.
يخشى وجهاء في المنطقة من أن تمثل هذه المشاريع مدخلاً تجميلياً لـ"صفقة القرن"
ومن المشاريع أيضاً، إنشاء شبكة من الأنفاق الممتدة أسفل قناة السويس لتربط المحافظات المصرية غرب القناة بمحافظات سيناء شرق القناة. إلا أن تلك الأنفاق تشوبها إجراءات أمنية مشددة، وساعات عمل محددة، وتدقيق في بطاقات المواطنين خلال التنقل، ما يدفعهم للتنقل عبر معديات (وسيلة نقل) قناة السويس ذات الإجراءات الروتينية البطيئة، نظراً إلى قِدم الأنظمة المعمول بها هناك، والاعتماد على التفتيش والتدقيق اليدوي، بدلاً من الإلكتروني، خصوصاً في ما يتعلق بالفحص الأمني للمتنقلين عبر المعديات.
يشار إلى أن قوات الأمن المصرية لا تزال تغلق كوبري (جسر) السلام المعلق فوق قناة السويس، الذي يربط بين شرق القناة وغربها منذ أكثر من 10 أعوام، على الرغم من أنه يسهل التنقل بشكل كبير، وفي وقت قصير للغاية. ويأتي إغلاقه بحجج أمنية وخوفاً من تفجيره من قبل العناصر المتطرفين، في حين يقتصر استخدامه على قوى الأمن والقيادات الأمنية والعسكرية والحكومية.
يضاف إلى ما سبق، خط سكة حديد القطار، الذي من المقرر أن يربط غرب القناة بشرقها أيضاً، من خلال كوبري الفردان المخصص لمرور القطار أعلى قناة السويس، باتجاه المدن التابعة إدارياً لمحافظة الإسماعيلية، كالقنطرة شرق والقرى المحيطة بها، وكذلك مدن شمال سيناء كبئر العبد والعريش، ومناطق وسط سيناء، حيث المشاريع الاقتصادية التابعة للهيئة الهندسية في القوات المسلحة المصرية، وكذلك مشروع تطوير ميناء العريش بمساحات واسعة على حساب طرد مئات الأسر من منازلها في منطقة التوسعة، بعد نقل ملكية الميناء إلى وزارة الدفاع المصرية، بدلاً من هيئة قناة السويس.
تدير الدولة مشاريع اقتصادية عملاقة في المحافظة، إلا أن نسب البطالة في سيناء آخذة في الازدياد
أما في قطاع الكهرباء الذي يعاني منه سكان سيناء، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لأيام طويلة، وعدم وصوله إلى مناطق نائية، فإن الدولة المصرية عملت خلال السنوات الماضية على إنشاء محطات جديدة عدة، وتطوير محطات قائمة. ومن المحطات الجديدة، محطة الشلاق والوحشي، وتطوير محطة العريش البخارية، والعمل على إنشاء محطات جديدة في نطاق منطقة القنطرة وبئر العبد، بما يرفع حجم الكهرباء المنتجة في سيناء إلى أضعاف الاحتياج المطلوب.
وفي قطاع المياه، وبمنحة من الوكالة الأميركية للتنمية، تمّ إنشاء محطة تحلية مياه البحر في مدينة العريش، والتي يمكنها ضخ كميات كبيرة من المياه المحلاة، تكفي لأكثر من نصف مليون نسمة يومياً. وهذا العدد يفوق تعداد سكان شمال سيناء، إذ يصبح هناك فائض في المياه الصالحة للشرب، في حين أن سكان شمال سيناء بشكل كامل، يشتكون من انقطاع المياه لأيام، وعدم وصولها بالجودة المطلوبة، إذ تنتشر المناشدات بضرورة توصيل المياه بشكل يومي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي قطاع الإسكان، تشارف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على إتمام مشروع بناء مدينة رفح الجديدة، لتصبح مدينة متكاملة، تكفي لتسكين آلاف المواطنين من شمال سيناء، حيث تم تجهيز ما يقارب 300 عمارة سكنية في الوقت الحالي. إلا أن الحكومة المصرية لم تسلم أي مواطن مصري شقة فيها، برغم وجود آلاف المهجرين من منازلهم وقراهم، ويعيشون في العراء، خصوصاً بعد عودتهم إلى القرى المهجرة خلال الأشهر الماضية، وفي ظل عدم صرف تعويضات مالية لهم برغم مرور سنوات على تهجيرهم وتضرر منازلهم.
تضاف إلى ذلك مشاريع إسكانية أخرى في نطاق مدينة العريش وبئر العبد، بنظام الشقق السكانية، والتي لا يوجد فيها سكان، في حين يجرى طرد أي مواطن يسكن فيها، من دون وجود أي خطة أو آلية لتوزيعها، أو تحديد الفئات المستفيدة منها، كأحياء السبيل وابني بيتك وغيرها.
وفي المجال الاقتصادي، تواصل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية إنشاء المصانع والورش ومحطات استخراج الرمال والصخور والرخام، والأصناف النادرة مما سبق، من مناطق وسط سيناء، من خلال مشاريع اقتصادية عملاقة، إلا أن نسب البطالة في سيناء آخذة في الازدياد.