أجمع المراقبون على أن الأسبوع الماضي كان أسبوع خسائر كاشفاً عن نقاط ضعف سياسية وشخصية للرئيس الأميركي جو بايدن قد تؤثر على حملته الانتخابية. وفيما لا تقل نقاط ضعفه السياسية أهمية، فإن التركيز كان على ضعف ذاكرته ووقوعه في التباسات، باعتبار أنها تلعب الدور الأهم في تحديد خيارات الناخبين أو هكذا يتمنى خصومه.
لم يخل تظهير نقاط ضعف بايدن الشخصية من المبالغة، مع ذلك، فقد تكون مؤذية للرئيس، خاصة بعد أن أشار إليها المحقق الخاص بما يشبه تثبيتها كمعطى في تقريره عن موضوع الوثائق السرية التي احتفظ بها بايدن في مرآب سيارته بمنزله، بعد انتهاء خدمته نائباً للرئيس باراك أوباما.
برّأ التقرير ساحته من المخالفة استناداً إلى حيثيات، منها أنّ الاحتفاظ بها حصل سهواً من جانب "مسنّ ضعيف الذاكرة"، غاب عن باله "تاريخ وفاة ابنه البكر".
الإشارة إلى هذا الأمر في سياق تحقيق قضائي أثار غضب الرئيس الذي سارع إلى النفي عبر بيان ألقاه أمام الصحافة. لكن محاولته انقلبت ضده عندما خلط في رده على سؤال بين رئيس مصر والرئيس المكسيكي، وبذلك صب الزيت من جديد على نار المداولات التي لم تتوقف بعد حول الخلل في ذاكرته.
بيد أن المسألة ليست جديدة. فالمعروف عن بايدن أنه يتلعثم أحياناً وتلتبس عليه الأمور، ولهذا سوابق بين الرؤساء الأميركيين. مثلاً، الرئيس جيرالد فورد قال مرة إن "بولندا لا تدور في الفلك السوفييتي" في حين كانت عضواً في حلف وارسو. الرئيس رونالد ريغان كانت تغلبه الغفوة أحياناً في اجتماعات مجلس الأمن القومي. أما الرئيس السابق دونالد ترامب، فخلط بين رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي والمرشحة للرئاسة نيكي هايلي، وأشاد مرة بالرئيس الهنغاري فيكتور أوربان على ما أنجزه "رئيساً لتركيا"، كما ذكر أنه فاز في 2016 على أوباما بدلاً من المرشحة الديمقراطية ضده حينها هيلاري كلينتون.
ثمن مقاربة الحرب على غزة
مع بايدن الثمانيني، تأخذ زلات اللسان وقعها المثير لعلامات الاستفهام وللتشكيك بفطنته وصفاء ذهنه، خاصة أنها تكررت. وبالأخص أنها ترافقت الأسبوع الماضي مع فشل مدوٍّ للإدارة في حمل بنيامين نتنياهو على القبول بصفقة رهائن مع هدنة في قطاع غزة.
بعد أربعة أشهر من الفتك والهتك بالناس، وبالمواثيق والمحظورات الإنسانية والدولية، وتصاعد الاعتراضات في العالم وحتى داخل أميركا نفسها، وبعد خمس زيارات لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، عاد منها خالي الوفاض، يصحو البيت الأبيض على الاعتراف بأن إسرائيل تجاوزت الحدود، وصار من المطلوب "وقفها".
ورغم كلام من نوع أن الرئيس قد ضاق ذرعاً بنتنياهو و"يكاد صبره ينفد"، وتلميحات بأن الإدارة باتت عازمة على أخذ إجراءات حاسمة باتجاه هدنة تتطور إلى وقف نار يؤدي إلى مخرج للحرب، تبين في النهاية أن إدارة بايدن لم تغير نهجها، وتمسكت بالمقاربة نفسها للحرب التي تطلق يدي نتنياهو، فقررت تكليف مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي ىي إيه) وليام بيرنز بالتوجه إلى مصر، بعد غد الثلاثاء، في مهمة لتحريك صفقة الرهائن وتدوير زواياها، بحيث تصبح مقبولة من إسرائيل.
حتى حلفاء إسرائيل في واشنطن يحذرون من أن نتنياهو ليس في صدد القبول بأي صفقة في الوقت الراهن، بل هو مصصم على إطالة أمد الحرب، وربما توسيعها لحسابات تتصل بوضعه ومصيره السياسي وتحالفه مع اليمين المتطرف. لم يخف هؤلاء استغرابهم واستياءهم من رخاوة البيت الأبيض مع تعنت نتنياهو، بل تحدّيه للإدارة بإعلانه عن فتح جبهة رفح، خلافاً لتحذيرها المعلن من هذه الخطوة التي قد تؤدي إلى إجبار مئات آلاف النازحين هناك إلى النزوح مرة أخرى، حيث لا مكان سوى سيناء.
بلوغ الحرب هذه النقطة كان مسألة تحصيل حاصل في ضوء تغطية الإدارة لها، لكن هذا التمادي بدأ ينعكس سلباً على حملة الرئيس، بل يفاقم وضعه في بعض الولايات الحاسمة، مثل ولاية ميشيغن.
قد يكون ذلك امتداداً لنهج بايدن الذي كان "غالباً على خطأ"، بحسب تعبير وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس، وتبدى في تعاطيه مع قضايا مهمة تسجّل عليه فيها كثير من المآخذ، مثل موضوع النووي الإيراني، وعملية الانسحاب من أفغانستان، وأيضا التوتير المبكر مع الصين ثم التراجع عنه، واستبداله بخيار التواصل المفتوح معها.
اليوم، يتكرر الانكشاف في احتضانه حرب غزة بلا حساب، وبما يؤدي في النهاية إلى طرح تساؤلات حول ذاكرته وفطنته وحالته الذهنية، التي كان بإمكانه تحاشي إحراجاتها، وربما كلفتها الانتخابية، لو نأى من الأساس عن مجازفة النهوض بحملين وازنين في آن: سنوات الثمانين الثقيلة، والرئاسة الأثقل.