سنفتح صفحة جديدة لا حرب فيها ولا صراعات، ملء أسطرها الوطنية وسيادة الدولة وهيبتها. عبارات لا ينفك الساسة يرددونها في عتبة كل مرحلة انتقالية جديدة. لكن بمرور الوقت، أدرك الليبيون أنها ليست إلا ذات الصفحات القديمة، تتغير عناوينها، أما التفاصيل فهي هي.
العناوين العريضة هي الانتخابات والدستور، وإنهاء فترات الانتقال السياسي، يتقاسمها القادة وإن تغيرت أسماؤهم، إلا أنهم يحملون ذات المضامين. أما التفاصيل فهي الحروب والتهجير والنزوح تارة، وتارة أخرى هدوء بنكهة استقرار، ينشغل فيه الليبي بطوابير طويلة أمام البنوك ومحطات الوقود، ويعاني غلاء الأسعار وغياب الكهرباء، إلى آخر قائمة أزماته.
اليوم يتكرر ذات مشهد مطلع عام 2014، عندما قاتل المؤتمر الوطني العام للتمديد لنفسه، تحت حجج وذرائع يرددها مجلس النواب اليوم، وهي عدم جهوزية الدستور لإنهاء فترة الانتقال السياسي. والنتيجة ذاتها تقريباً، انقسام سياسي نتج عن حرب ضروس أفضت إلى انقسام سياسي حاد بحكومتين، الأولى أنتجها مجلس النواب، والثانية جاء بها اتفاق سياسي.
أما العامل الفاعل في محو العناوين، واستبدالها بأخرى في ذات الصفحة، فهي الأمم المتحدة، التي يتصارع على قيادة بعثتها في ليبيا أطراف دولية فاعلة، وجدت في الملف الليبي ورقة هامة لتحريك سياساتها في ملفات كبرى أخرى في المنطقة، قريبة أو بعيدة، في أتون الصراع على المصالح الدولية.
فالحوار الليبي الليبي انطلق منذ أيام تولّي الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون، رئاسة البعثة الأممية، في 2014، ولم ينته إلى اليوم برئاسة الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز. كثيراً ما يلفت بعض المراقبين إلى أهمية الشارع، وقدرته على الحسم. فحراك لا للتمديد تمكّن في 2014 من لجم قدرة قادة المؤتمر الوطني العام على التمديد، ونجح في فرض إجراء الانتخابات البرلمانية.
واليوم، هناك ملامح لعودة تيار مماثل وقريب الأهداف، لمنع مجلس النواب من ذات المساعي. لكن النتيجة لا تبدو مرضية، فالمؤتمر الوطني العام عاد للواجهة من بوابة القانون والقضاء، بمسمى جديد هو المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب، الذي أمل فيه حراك لا للتمديد، الخير للبلاد، يكرر ذات الهدف الذي سعى إليه المؤتمر الوطني.
تلك الأسباب يبدو أنها سبب عدم حماسة الشارع الليبي للدفع بذات الحراك للمشهد. وإن كان نداء التظاهرات التي خرجت على وجل وخجل في بعض المدن تنادي بإسقاط المجلسين، النواب والدولة، فإن المجلسين خبرا طرق التحور والتحول للبقاء في المشهد. ولذا، فإن إضافة جسم سياسي جديد يمكن أن يذهب بالبلاد إلى أتون منزلقات أكثر خطورة، بحسب أحد النشطاء السابقين في حراك لا للتمديد عام 2014.
رغم كل هذه المخاوف، إلا أن الإيجابي فيها أن الشارع بات يدرك القراءة الصحيحة للمشهد. واكتشف أنه يقرأ ذات الصفحة، ولم تعد تجذبه عناوينها المتجددة. فالمضمون واحد ويتكرر، وما لا يدركه الفاعلون الدوليون وأذرعهم المحلية أن القراءة الصحيحة ستفضي يوماً، وإن لم يكن هذا اليوم قريباً، إلى فعل صحيح.