لقاء عابر ومصافحة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، في أروقة "استاد البيت" الذي استضاف أول من أمس الأحد، المباراة الافتتاحية لكأس العالم في العاصمة القطرية الدوحة، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. اللقاء والمصافحة لقيا حفاوة خصوصاً في مصر، ولا سيما أنها المرة الأولى التي يتصافح فيها الرئيسان المصري والتركي منذ وصول السيسي إلى الحكم في عام 2014.
الإعلام المصري الرسمي، متمثلاً في قناة "القاهرة الإخبارية" المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لجهاز المخابرات، تلقفت الصورة من خلال مراسلها في الدوحة، وسارعت إلى وصف اللقاء بأنه "قمّة مصرية تركية قطرية". وعلى هذا الأساس، اعتبر محللون أن اللقاء يعد بمثابة خطوة مهمة على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين.
تعدّ المصافحة الأولى للرئيسين منذ وصول السيسي للحكم
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية إن "السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي تصافح مع الرئيس التركي أردوغان في الدوحة، حيث تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي، كما تمّ التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين".
أما الرئيس التركي فقال في تصريحات للصحافيين على متن الطائرة أثناء رحلة عودته من قطر بعد مشاركته في افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، إن ما جرى خطوة أولى تمّ اتخاذها من أجل إطلاق مسار جديد بين البلدين. وأضاف أردوغان: "أنا أنظر للأمر بهذا الشكل، لم يكن لقاء بين زعيمي مصر وتركيا. الروابط القائمة في الماضي بين الشعبين التركي والمصري هامة جداً بالنسبة إلينا، فما الذي يمنع من أن تكون كذلك مجدداً؟ وقد قدمنا مؤشرات في هذا الاتجاه".
وأعرب الرئيس التركي، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأناضول، عن أمله في "أن نمضي بالمرحلة التي بدأت بين وزرائنا إلى نقطة جيدة لاحقاً عبر محادثات رفيعة المستوى". كما أكد الرئيس التركي أن مطلب بلاده الوحيد من المصريين بالتوازي مع اللقاءات بين البلدين، أن يقولوا لمن يتخذ مواقف معادية ضد تركيا في منطقة المتوسط: "نريد إرساء السلام في المنطقة". وقال: "إن لم يحدث شيء طارئ، سنتخذ هذه الخطوة بخير إن شاء الله".
ويرجح دبلوماسي مصري سابق، وخبير في الشؤون التركية، أن اللقاء "سيشكل خطوة كبيرة على طريق استعادة العلاقات الكاملة بين البلدين، وحلّ الخلافات في وجهات النظر بين الطرفين، عبر المحادثات المباشرة". وأكد المصدر أن "ما يأمل فيه الجانب التركي من حلّ الخلافات في شرق المتوسط، عبر الوساطة المصرية، أمر ممكن، لأن مصر تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من اليونان وقبرص، الخصمين الرئيسين لتركيا في المتوسط".
ويوضح الدبلوماسي المصري السابق، أن "المصالح المصرية - التركية في البحر المتوسط، لا تتعارض إطلاقاً، بل العكس هو الصحيح، إذ أن القاهرة رفضت في السابق المساس بالمصالح التركية في المتوسط، أثناء مفاوضاتها مع كل من اليونان وقبرص حول تعيين الحدود البحرية".
ويؤكد المصدر أنّ "حفاوة الإعلام المصري الرسمي بصورة أردوغان والسيسي، تؤكد أن هناك إشارات إيجابية من جانب مصر، موجهة إلى تركيا، خصوصاً أن أجهزة الدولة الرسمية هي التي تتحكم في وسائل الإعلام".
وفي الملف الليبي، رأى المصدر أن "لقاء السيسي وأردوغان، وتأكيد الطرفين على أن يكون مقدمة لشيء أكبر في المستقبل، يعكس استعداداً للتفاهم في ملفات أخرى إشكالية وعلى رأسها الملف الليبي، والذي يبدو أيضاً أن تركيا لا تعارض مصالح مصر فيه".
يأمل أردوغان بالوصول مع مصر إلى محادثات رفيعة المستوى
وكانت مصادر على صلة بملف ليبيا في مصر، قد أكدت لـ"العربي الجديد"، أن هناك "تقارير تم إعدادها من جانب هيئة الأمن القومي (تابعة للمخابرات العامة) تؤكد على عدم جدوى التمسك بدعم معسكر الشرق الليبي في مواجهة حكومة عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دولياً، وأنه من الأفضل التفاهم مع المعسكر الآخر الذي تدعمه تركيا، لا سيما وأن الأخيرة ليست لديها مانع في تحقيق المصالح المصرية في ليبيا والمتمثلة في إيفاد العمالة المصرية إلى هناك ومنح الشركات المصرية عقود إعادة الإعمار".
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، قد أعلن في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن توقف الجلسات الاستكشافية المشتركة بين بلاده وتركيا بعد انعقاد جولتين منها، بحجة أنه "لم يطرأ تغيير على ممارسات الجانب التركي في ليبيا".
ودعت مصر المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بحكومة الدبيبة، بدعوى انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه في يونيو/حزيران الماضي. وهي الحكومة التي وقعت أخيراً اتفاقية جديدة مع تركيا تسمح للأخيرة بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الليبية.
وقال سياسي مصري بارز، تحفظ على ذكر اسمه، إنه "على الرغم من التقارب الذي أصبح واضحاً بين مصر وتركيا على صعيد ملفات عدة، على رأسها ملف (المتوسط والغاز)، إلا أنه تبقى هناك بعض الملفات الأخرى، وعلى رأسها (احتضان المعارضة) في كلا البلدين".
وأشار المصدر إلى أن "وجود بعض الشخصيات المعارضة للنظام المصري على الأراضي التركية، ووجود كيانات تركية معارضة على الأراضي المصرية، لا يزال يشكل نقطة خلاف بين البلدين". وأوضح المصدر أنه "مثلما تعمل المعارضة المصرية من تركيا، هناك أيضاً معارضون لتركيا في مصر، مثل حزب العمال الكردستاني الذي أصبح لديه مقر إعلامي في القاهرة".
بدوره، اعتبر المستشار في المركز المصري للفكر والدراسات السياسية، محمد مجاهد الزيات، أن مصافحة السيسي وأردوغان "تعد تطوراً مهماً، وتطرح الكثير من المعاني، ولها دلالات كبيرة، وسبقها حوار وترتيبات". وأضاف الزيات في تعليق نشره عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك": "اللقاء يتزامن مع التصريحات الأخيرة للرئيس التركي حول عدم وجود أي عقبات تحول دون تطوير العلاقات التركية المصرية، رغم أن هناك قضايا جوهرية لا تزال تشهد خلافات حادة بين البلدين، خصوصاً قضية ليبيا والدور التركي هناك، وتباين التحالفات الإقليمية، إلّا أنّ اللقاء إذا كان قد جرى خلاله حوار واسع، ربما يمكن البناء عليه، والبحث عن مسارات مقبولة مصرياً للتعامل".