تكثفت، قبل القمة العربية في الـ19 من الشهر الحالي، تحركات في المنطقة، عنوانها محاولات البعض "تطبيع" العلاقات مع رأس النظام في دمشق بشار الأسد، دونما اعتبار لجوهر المأساة و"الأزمة" السورية.
على مدى اليومين الماضيين، احتضنت دمشق نفسها قمة إيرانية -سورية، منتجة مشهدية راسخة في العقل الباطني لكلا النظامين عن "شراكة استراتيجية"، غير متأثرة بمجريات 12 سنة من تهالك الدولة السورية وإحالة "قلب العروبة النابض" إلى ملحق في سلسلة أهداف طهران القومية، بترسيخ تبعية أراضٍ عربية واسعة لتحقيقها.
في المقابل، برزت تكتيكات عربية بائسة اختزلت القصة في وقف "تهريب المخدرات"، وكلام عائم عن "الجماعات الإرهابية" و"السيادة". بل الأنكى القول إنها لـ"استعادة سورية"، و"الحل السياسي"، بينما الوقائع عادت لتؤكد أن نظام دمشق قد يغيّر في لكنته ومظهره، لكنه في الجوهر غير قابل على تغيير ولا برغي واحد في آلته الجامدة، لأنه ببساطة ليس كبقية الأنظمة، بل هو كما عرفته الذاكرة العربية.
قد لا يحتاج الناس إلى تقليب كل وثائق السياسة والتاريخ ليعرف مستوى انتهازية نظام العائلة الحاكمة في دمشق منذ نحو نصف قرن. فهو مُصر على انتهاج الابتزاز كجزء من سياسات خارجية وداخلية.
ليس للتذكير، بل من أجل فهم ذلك التاريخ، يمكن سؤال بقايا "الحركة الوطنية اللبنانية"، ومخضرمي الحركة الفلسطينية، عن صور الانتهازية والاستغلال البارد للدماء، من مذبحة مخيم تل الزعتر (1976) إلى اغتيال كمال جنبلاط وسليم اللوزي، واستكمال مشروع الصهيوني آرئيل شارون بعد غزو لبنان 1982، بإبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عنه، وشق الصف الفلسطيني، ومطاردة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وصولاً إلى استكمال عمليات التصفية التي طاولت ساسة ومثقفين لبنانيين.
لم يطلق قائد عربي نعت "أشباه الرجال" على غيره مثل ما فعل الأسد الابن، ولم يقف مزوداً إيران بصواريخ لقصف بغداد العربية حتى 1987 مثل ما فعل الأسد الأب. لم يرسل نظام عربي فرق موت واغتيال وتخريب وإشعال حرائق لتقديم نفسه كإطفائي، مثل ما فعل نظام دمشق، عبر تاريخ مضبوط بالوثائق والشهادات الحية.
ذلك كله إذا أراد المرء ترك مأساة الشعب السوري جانباً. ولكنها عملياً هي أس المآسي الأخرى. فنظام الأسد الذي يريد البعض "احتوائه" هو نفسه من يحيل بلده إلى "إقطاعية وراثية" مختطفة بالتدمير وتهجير الملايين وتحطيم نسيج المجتمع، ومحولاً أرض السوريين إلى "فردوس" لعصابات مرتزقة بكل اللغات. فعن أي حل يتحدث "المطبعون"؟، وقد حصد من سبقهم خيبات "التعهدات والوعود".