تدور أزمة بين هيئة النيابة الإدارية في مصر والجهاز المركزي للمحاسبات، بشأن اختصاص كل منهما وأحقيته في توقيع الجزاءات، وإقامة الدعاوى التأديبية وتشديدها، على القيادات الحكومية بالدولة والهيكل الوظيفي الحكومي ومحاسبتهم.
وتسعى دوائر برلمانية، وقضائية، وسياسية لاحتواء الأزمة، التي يمكن أن يمتد تأثيرها لإعادة بعض التشريعات للمداولة، لاستصدار قرارات حاسمة تتعلق بالهيئتين الرقابيتين البارزتين، اللتين تؤدي تقاريرهما أدواراً حاسمة في مسيرة كبار رجال الدولة، الوظيفية، والسياسية.
مذكرة الجهاز المركزي للمحاسبات
وبدأت الأزمة بإصدار الجهاز المركزي للمحاسبات، مذكرة قانونية جرى تعميمها على القطاعات والجهات والمؤسسات الحكومية بالدولة المصرية، كما أرسل الجهاز مذكرة قانونية رسمية لهيئة النيابة الإدارية، تفيد باختصاصه وأحقيته في توقيع الجزاءات التأديبية وتشديد الجزاءات التأديبية وإقامة الدعوى التأديبية على القيادات الحكومية بالدولة والهيكل الوظيفي الحكومي بالدولة ومحاسبتهم.
هذا الأمر أثار غضب وحفيظة هيئة النيابة الإدارية، وعقد المجلس الخاص للهيئة اجتماعاً ترأسه رئيس الهيئة عدلي جاد، خلص إلى تكليف مركز الدراسات والبحوث الفنية للنيابة الإدارية بإعداد فتوى ومذكرة رسمية للرد على الجهاز المركزي للمحاسبات بشأنها.
وبالفعل أصدر مركز الدراسات والبحوث الفنية للنيابة الإدارية، الثلاثاء الماضي، الفتوى رقم 5 لسنة 2023، بشأن عدم أحقية الجهاز المركزي للمحاسبات في تشديد الجزاء أو إقامة الدعوى التأديبية في القرارات التأديبية الصادرة عن لجان التأديب أو التظلمات بالنيابة الإدارية.
جبريل: اختصاص النيابة الإدارية موجود كنص لكنه غير مفعّل
وانتهت الفتوى إلى ثلاثة أمور: "أولاً: عدم اختصاص الجهاز المركزي للمحاسبات أو أي جهة أخرى في القرار التأديبي بطلب تعديل أو إلغاء القرار التأديبي الصادر من لجان التأديب أو التظلمات بالنيابة الإدارة أو طلب إقامة الدعوى التأديبية عن تلك القرارات. ثانياً: للجهاز المركزي للمحاسبات ولذوي الشأن الطعن على قرارات لجان التأديب أو التظلمات أمام المحاكم التأديبية المختصة. ثالثاً: يسترعي نظر لجان التأديب والتظلمات بالاسترشاد، قدر الإمكان، بلوائح الجزاءات الصادرة عن الجهات الخاضعة لولايتها".
وعرضت الفتوى فور صدورها على نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية وعضو المجلس الأعلى للهيئة ومدير مركز الدراسات والبحوث الفنية المستشار العاقل غريب أحمد، الذي عرضها في اليوم نفسه على رئيس هيئة النيابة الإدارية المستشار عدلي جاد، الذي وافق عليها واعتمدها وعممها مساء الثلاثاء.
ورد بها صباح أول من أمس الأربعاء على خطاب الجهاز المركزي للمحاسبات، وعممه أيضاً في مذكرات رسمية على جميع القطاعات والمؤسسات في الدولة رداً على الجهاز المركزي للمحاسبات.
أستاذ القانون الدستوري في جامعة حلوان، جمال جبريل، أكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "النيابة الإدارية من اختصاصها توقيع الجزاءات، ولها سلطة الإحالة للمحاكمة التأديبية".
وأضاف أن "للجهاز المركزي للمحاسبات حق التعقيب على الجزاءات خلال 30 يوماً، إذا كانت متعلقة بمخالفات مالية فقط، أما إذا كانت الجزاءات بعيدة عن المخالفات المالية، كجزاء إداري متعلق بمسلك وظيفي أو غيره من الأمور، فلا يحق للجهاز المركزي للمحاسبات التعقيب".
فودة: ما يحق للجهاز المركزي للمحاسبات هو أن يخاطب المشرّع بتشديد العقوبة أو منحه صلاحيات بالتأديب أو توقيع الجزاءات
وأشار جبريل إلى أن "الجهة الإدارية كانت هي المختصة بتوقيع العقوبات والجزاءات من خلال مجالس التأديب أو الجزاءات الرئاسية، ولكن الدستور المصري الصادر عام 2014، منح النيابة الإدارية الحق في توقيع بعض الجزاءات عن طريق اللجان المختصة، ولكن حتى الآن، قرارات النيابة الإدارية غير فعّالة، لأن القضاء الإداري يقوم بإلغائها عند الطعن عليها".
اختصاص النيابة الإدارية
وأضاف جبريل أن "اختصاص النيابة الإدارية موجود كنص، لكنه غير مفعّل، لأن طريقة توقيع الجزاءات غير واضحة في النص القانوني". وأردف أن "اختصاص الجهاز المركزي للمحاسبات، محدود للغاية في هذه الناحية، حيث لا يملك إلا حق التعقيب، والاعتراض بشكل ملزم، ولكن فقط في المخالفات المالية".
من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة رأفت فودة، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يجوز قطعاً للجهاز المركزي للمحاسبات تشديد العقوبات أو توقيع عقوبات أو التعقيب على نهائياً على أعمال هيئة النيابة الإدارية، خصوصاً مسألة "تشديد العقوبة" ووصف ذلك نصاً بأنه يمثل "غباء" من جانب الجهاز المركزي للحاسبات، لأنه لا عقوبة إلا بنص قانوني.
وأضاف فودة، أن الجهاز المركزي للمحاسبات كل سلطاته وصلاحياته أن يبلغ بتقارير الجهات المعنية التي نص عليها قانون الإنشاء وهي مجلس النواب ومجلس الشورى ورئيس الجمهورية والنيابة العامة والمدعي العام والنيابة الإدارية وغيرها من الجهات المعنية، مشدداً على أنه "فقط يبلغ".
وأضاف أن الجهاز المركزي للمحاسبات ليس له أن يطلب أن يشدد أو يخفف العقوبة أو يوقّع عقوبة أو غير ذلك، والنيابة الإدارية تباشر مهام وظيفيتها بمقتضى ميزان العدالة وما ترتئيه قناعتها إلى ما انتهت إليه باعتبار أنها جهة قضائية، فهي جهة قضائية ذات طابع خاص باعتبار أنها لا تجلس على منصة القضاء، ولكنها جهة قضائية وأعمالها قضائية وما يصدر عنها لا يجوز التعديل أو التعقيب عليه ولا أحد يملك ذلك. وما حدث من الجهاز المركزي للمحاسبات هو تدخل سافر في شؤون النيابة الإدارية.
وتابع فودة: ما يحق للجهاز المركزي للمحاسبات هو أن يخاطب المشرّع بتشديد العقوبة أو منحه صلاحيات بالتأديب أو توقيع الجزاءات، ولديوان الجهاز المركزي للمحاسبات أن يبلغ ذلك للجهات المعنية بالتشريع وليس للجهات القضائية.