مصر: أسباب غامضة وراء هجوم الأذرع الإعلامية على وزير الآثار

12 ديسمبر 2021
فشل العناني بالتسويق للمواقع الأثرية بحسب المنتقدين (محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -

رجّحت مصادر سياسية وقانونية مصرية الكشف عن قضية تتعلق بشبهات فساد، تطاول عدداً من الشخصيات السياسية التنفيذية، خلال فترة قصيرة، ربما تعجّل بحصول تغييرات جوهرية، لقيادات من الصف الأول في أجهزة ووزارات ذات أهمية خاصة.

وكشفت المصادر في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد" عن امتعاض من بعض الوزراء، الذين يدور حولهم جدل كبير بين عدد من الأجهزة السيادية والرقابية، يتعلق بالأساس بعوائد خاصة بهذه الوزارات وطرق التصرف فيها.

هجوم على وزير الآثار

ومن دون مقدمات، ولأسباب غير معلومة حتى الآن، شنّت العديد من الصحف المملوكة للدولة في مصر هجوماً ضارياً على وزير السياحة والآثار، خالد العناني، على غرار الحملة التي سبقت الإطاحة بوزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل، في إبريل/نيسان الماضي، بتعليمات من الضابط النافذ في جهاز المخابرات العامة، المقدم أحمد شعبان، والذي يدير ما يعرف بـ"الأذرع الإعلامية" للنظام المصري.

ومن المعلوم أن شعبان يصدر أوامره لرؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة، ومقدمي البرامج الحوارية على القنوات الفضائية، التي تسيطر على أغلبها مجموعة "المتحدة للخدمات الإعلامية" المملوكة للمخابرات، بالهجوم على أحد الوزراء أو المسؤولين تمهيداً للإطاحة به، بسبب خلافات "غير معلنة" حول "بيزنس" الأجهزة السيادية في العديد من القطاعات الهامة، وتداخل أنشطتها مع الوزارات الحكومية في مصر.


اتهمت الصحف الحكومية والخاصة وزير الآثار بإهدار أموال الدولة

ونشرت صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية تقريراً مطولاً، من دون توقيع، اتهمت فيه العناني بـ"إهدار أموال الدولة على إقامة الحفلات، وتجاهله قطاع السياحة الذي يمثل قاطرة الاقتصاد في كثير من بلدان العالم، لا سيما أن هناك دولاً أصغر من مصر من حيث الإمكانات والثروات والآثار، وينمو اقتصادها بفعل دخلها الضخم من السياحة".

وجاء في التقرير أن "وزير السياحة بات أشهر من ممثلي السينما في مصر، واكتفى فقط بالشو (الاستعراض) الإعلامي الذي غرق فيه حتى أذنيه، وهو يعلم أن السائح الثقافي الذي يهتم بالآثار لا يمكن أن يقطع آلاف الأميال من أجل زيارة المعابد، ثم يعود إلى غرفته في الفندق حبيساً".

وأضاف التقرير أن "العناني غادر الأقصر بعد حفل افتتاح طريق الكباش، ولم يكلف خاطره بلقاء أصحاب البازارات التي تمت إزالتها من كورنيش المدينة، لبحث إيجاد بديل حضاري لهم".

ووجّه التقرير سؤالين في سياق الهجوم على وزير الآثار. الأول: "هل يعلم الوزير (غاوي التلميع الورنيشي) أن أغلب الفنادق والبواخر السياحية لا تعمل منذ عام 2011، وأن العائمات السياحية متوقفة في الأقصر، بعد أن كانت مصدراً لللمتعة للسائح، وزيادة دخل الأفراد والشركات في المدينة؟". والثاني: "هل يعلم الوزير أن السعة الفندقية لأقدم مدن العالم باتت تحتاج إلى استثمارات جديدة لبناء فنادق إضافية؟".

وفي التقرير غير الموقّع، كتب مُعدّه: "لا أعرف هل يدرس الوزير ملفات متكاملة للقضايا الخاصة بوزارته أم يختار ما يضعه في قلب الصورة، وينتظر من الجميع التصفيق فقط لسيادته".

ورأى "أن نجاحات الوزير كلها تأتي من خارج وزارته، ويأتي هو ليتصدر المشهد، من دون وضع حلول لمشكلات مزمنة في القطاع السياحي ما زالت تراوح مكانها، على الرغم مما نسمعه كل يوم عن إنجازات قد تكون معدومة الأثر على العائد من السياحة على الناتج القومي".

أما جريدة "الأهرام" القومية، فنشرت في صدر صفحتها الثالثة تقريراً بعنوان "تكرار احتفالية الكباش تضييع للجهد وإهدار لإنجازات قطاع الآثار"، اعتبرت فيه أن "معظم الدول أعادت النظر في طرق التسويق للقطاع السياحي بعد أزمة فيروس كورونا، لدرجة أن بعضها عرضت ليالي مجانية، بينما يطالب وزير السياحة والآثار بتكرار احتفالية طريق الكباش بشكل سنوي، وهو ما يُعد مضيعة للجهد المبذول طيلة الفترة الماضية، وإهداراً للإنجازات التي حققتها السياحة المصرية".

وأضاف تقرير "الأهرام": "لقد أسهمت احتفالية طريق الكباش في جذب الاهتمام العالمي إلى الآثار المصرية، وتحدثت وسائل الإعلام الدولية عن عظمة الحضارة الفرعونية، لكن تكرار الاحتفالية كل عام من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الاهتمام الإعلامي الدولي بالحدث، باعتباره لا يقدم جديداً. فالاحتفالات مهمة، لكن الإفراط فيها غير مفيد"، في استكمال للهجوم على وزير الآثار.


أدى تأخر انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية إلى تأخير التعديل الوزاري

بدوره، كتب وكيل "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" في مصر، صالح الصالحي، في مقال نشره بالعدد الأسبوعي لصحيفة "الأخبار"، أن "نجاح حفل افتتاح طريق الكباش، والإشادة التي نالها العناني، لا تعني أن نختصر دور وزارة السياحة والآثار في الحفلات فقط، وننسى المهام الأخرى التي يجب أن تكون على رأس الأولويات". و

اعتبر أن "الوزير تناسى دوره الحقيقي في حل المشاكل التي يعاني منها قطاع السياحة، ونسي أن لدينا ثلث آثار العالم، وحضارة عريقة نباهي بها الأمم".

وأضاف الصالحي: "لم نشاهد أو نقرأ أي جديد أو تغير ملموس، أو حتى غير ملموس، أو خطة مكتوبة على ورق للنهوض بهذا القطاع الهام الذي كان يساهم بنسبة كبيرة في الدخل القومي بالعملة الصعبة. شواطئنا ما زالت مهجورة، وشمسنا مجرد كلمة في أغنية، وآثارنا تعاني من الوحدة".

وتابع الصالحي: "لم نقرأ خبراً عن حملة عالمية للترويج للسياحة الشاطئية، أو الثقافية، أو الصحية أو غيرها، أو نقرأ خبراً عن أن الوزير بادر بعقد اجتماعات ومباحثات مع نظرائه في الدول الخارجية لبحث مسألة استقدام السياح. باختصار، لم نشاهد أي تغيير في المشهد السياحي أو الأثري. فالوزير أصابه الغرور والعنجهية التي تصيب الضعفاء بعد الشهرة، وبات مشغولاً فقط بما يحققه لذاته من الشهرة والرواج، وكأنه نجم سينمائي".

وتحت عنوان "وزير شطب الآثار... كيف نجح العناني في تدمير وزارة كاملة؟"، واصل شهاب طارق في موقع "أخبار اليوم" الهجوم على وزير الآثار، كاتباً: "لسنوات طويلة ظل قطاع الآثار يعاني الكثير من التخبط، ومع قدوم العناني على رأس وزارة الآثار، قبل دمجها في وقت لاحق لتكون وزارة السياحة والآثار، سخرّت الدولة الكثير من مواردها المالية لإنعاش ذلك القطاع الذي تهاوى لسنوات طويلة".

وأوضح طارق أن "الوزير فشل في التسويق للمواقع الأثرية بطريقة جيدة، ويبدو أنه انبهر بهذه الافتتاحات الكثيرة، فلم يعد مهتماً بقطاع الآثار، وترك المجال للأمين العام للمجلس الأعلى للآثار (مصطفى وزيري)، والذي تبنى سياسة شطب الآثار لا تسجيلها".

تأجيل التعديل الوزاري المصري

وكانت مصادر برلمانية وحكومية قد أقرّت لـ"العربي الجديد"، أن صعوبة انتقال الحكومة إلى العاصمة الإدارية الجديدة في الوقت الراهن، من شأنه تأجيل التعديل الوزاري الذي كان مقرراً نهاية هذا العام.

ويشمل التعديل حقائب عدة، أبرزها الصحة والاتصالات والتموين والقوى العاملة وقطاع الأعمال العام والثقافة والإعلام والآثار، مع الإبقاء على مصطفى مدبولي في منصب رئيس الوزراء، الذي يشغله فعلياً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وبصورة رسمية منذ يونيو/حزيران 2018.

وأفادت المصادر بأن إجراء التعديل الوزاري مرتبط بانتقال الحكومة الجديدة للعمل من العاصمة الإدارية، على الرغم من تصاعد الهجوم على وزير الآثار. وأشارت إلى أن التلويح دوماً بإجراء تعديل حكومي يسهم في فرض السيطرة على الوزراء، وتنفيذهم التعليمات الواردة إليهم من دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أملاً في الاستمرار بمناصبهم، وعدم استبدالهم بآخرين.

تقارير عربية
التحديثات الحية