يُصدر الجيش المصري بين الفينة والأخرى، بياناتٍ عسكرية، يعلن فيها عن حصاد عملياته في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، والتي تشهد صراعاً عسكرياً منذ 8 سنوات تقريباً، بين الأمن المصري وتنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش". إلا أن هذه البيانات، باتت تكرر نفسها، حيث أصبحت أعداد القتلى في صفوف التنظيم تحصى بالآلاف، بعد صدور عشرات البيانات العسكرية، في حين أن خسائر الجيش، وفقها، معدودة جداً. وتطرح روايات مصادر قبلية، وتوثيق ميداني، ودلائل أخرى، علامات استفهام عدة بشأن دقة ما يأتي به دائماً المتحدث العسكري باسم الجيش، ما أفقد بيانات الجيش وقعها وقوّتها. ويأتي ذلك في ظلّ متابعة الكثير من المختصين للأوضاع الأمنية في سيناء عن كثب، ومعرفتهم بحقيقة الأحداث، بالتزامن مع نشر صور الضحايا والمصابين عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، من عوائل هؤلاء، أو جيرانهم، وزملائهم في العمل.
مرّت أيام طويلة من الاشتباكات خلال الفترة الماضية بين الجيش والتنظيم، أوقعت عشرات القتلى والمصابين من الطرفين
وأعلن البيان الأخير للجيش المصري، الذي صدر الثلاثاء، عن حصيلة الضربات والعمليات في الفترة الواقعة بين الأول من سبتمبر/أيلول 2020 والثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي. ووفق البيان، فقد قتل وأصيب 7 عسكريين، هم ضابطان و4 ضباط صف، وجندي، في مقابل مقتل 40 عنصراً تكفيرياً شديدي الخطورة، وفق نصّ البيان، بعدما تمكن الجيش "من تدمير 437 وكراً وملجأ ومخزناً للمواد المتفجرة، تستخدمها العناصر التكفيرية كملاذات لها، ما أسفر عن مقتل 25 عنصراً شديدي الخطورة". وذكر البيان أنه "تمّ استهداف 6 عربات دفع رباعي مفخخة للجماعات الإرهابية، إلى جانب عمليات نوعية، أدت إلى مقتل 15 تكفيرياً شديدي الخطورة". وأشار المتحدث العسكري المصري تامر الرفاعي إلى أنه "تمّ اكتشاف وتدمير 159عبوة ناسفة كانت موضوعة على المحاور والطرق الرئيسية، فضلاً عن تدمير 32 درّاجة بخارية". ولفت البيان إلى أنه "تمّ ضبط 3 بنادق آلية، وأخرى مخصصة للقنص، وجهاز اتصال لاسلكي تستخدمه العناصر الإرهابية"، مضيفاً أنه "تمّ القبض على 12 عنصراً إرهابياً، وتمّت إحالتهم على القضاء".
وفي الإحصائية السابقة التي صدرت في 30 أغسطس/آب الماضي، والتي تشمل عمليات الجيش خلال 40 يوماً من 22 يوليو/تموز وحتى 30 أغسطس، فإن بيان الجيش آنذاك أعلن مقتل وإصابة 3 ضباط و4 جنود، في حين أن هذه الفترة كانت شهدت حدثاً أمنياً غير مسبوق تمثل بسيطرة "ولاية سيناء" على 4 قرى غرب مدينة بئر العبد، بعد هجوم دموي على معسكر رئيسي للجيش المصري في قرية رابعة في ذات المنطقة. وحصل ذلك بالإضافة إلى أيام طويلة من الاشتباكات بين الجيش والتنظيم، أوقعت عشرات القتلى والمصابين في صفوف الطرفين. وقال المتحدث العسكري حينها إنه تمّ قتل "73 تكفيرياً يتخذون من الملاجئ أوكاراً لهم"، وإنه "تمّ خلال هذه الفترة تدمير 317 وكراً وملجأ ومخزناً للمواد المتفجرة في شمال سيناء، تستخدمها العناصر التكفيرية كملاجئ لها ولتكديس الأسلحة والذخائر"، كما "تمّ استهداف وتدمير 10 عربات دفع رباعي".
يواصل "ولاية سيناء" هجماته العسكرية وانتشاره في مناطق واسعة من شمال سيناء
وخلال الأشهر الثلاثة التي تحدث عنها البيان الأخير للمتحدث العسكري، رصدت "العربي الجديد" من خلال مصادر قبلية وطبية عسكرية في شمال سيناء، مقتل 19 مجنداً، وثلاثة ضباط، وإصابة آخرين. وحصل ذلك على النحو الآتي: في 2 سبتمبر الماضي، قتل جندي وأصيب آخر غرب بئر العبد، وفي 9 سبتمبر، قتل 4 مجندين من "الصاعقة" وأصيب آخرون بتفجير عبوة ناسفة في قاطية، والقتلى هم هلال رأفت، محمد عبد الحميد حزيمة، صابر رجب، ومحمد عاشور. وفي 23 سبتمبر، جرى توثيق مقتل مجندين وإصابة آخرين بوسط سيناء. وفي 4 أكتوبر/تشرين الأول، قتل ضابط ومجند من قوة الكتيبة 532 اللواء 134 في الجيش الثاني الميداني غرب سيناء. وفي 5 أكتوبر، قتل الضابط الملازم أول محمود الشربيني من سلاح المهندسين قوة الدفعة 156، وفي 12 أكتوبر قتل عسكريان اثنان بهجوم جنوب رفح، وفي 14 أكتوبر قتل 7 عسكريين في انفجار غامض في موقع عسكري قرب بحيرة البردويل. أما في 14 أكتوبر، فقد جرى توثيق مقتل ضابط برتبة مقدم أركان حرب، يدعى محمد صلاح رياض، من الدفعة 95 حربية، بالإضافة إلى 3 مجندين في هجوم غرب سيناء. وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، سجل مقتل المجندين شريف عبد المنعم ومينا طلعت دوس، من اللواء 116 الكتيبة 350 مشاة ميكانيكي، وفي 25 نوفمبر تعرض المقدم محمد حامد لإصابة خطرة برصاص قنّاص في بئر العبد.
ولم يأتِ المتحدث العسكري في بيانه على صورة الموقف في القرى التي تمّت إعادة فرض السيطرة عليها غرب بئر العبد (قاطية، أقطية، المريح، الجناين) في أكتوبر الماضي، ولا تلك التي تمّت السيطرة عليها خلال الأيام القليلة الماضية، في منطقة قصرويت في نطاق بئر العبد، بالإضافة إلى أنه لم يكشف هوية القتلى العسكريين أصحاب الرتب الرفيعة الذين قتلوا خلال العمليات. ويُفقد ذلك البيان العسكري مصداقيته من وجهة نظر الكثيرين. وعلى الرغم من النتائج التي أعلن عنها الجيش، إلا أن التنظيم لا يزال يواصل هجماته العسكرية وانتشاره في مناطق واسعة من شمال سيناء، وهذا ما لم يحدث إنكاره من أي جهة في سيناء، بما فيها القوات المسلحة المصرية.