بعد عشرين يوماً من بدء إضراب معتقلي سجن "استقبال طرة"، جنوبي القاهرة، عن الطعام، تعود الأنظار إلى هذا السجن الذي يُعدّ واحداً من أسوأ السجون في مصر على الإطلاق، إذ كشفت منظمات حقوقية عن انتهاكات عديدة تُمارَس داخله؛ من سوء معاملة ومنع الزيارات، وحرمان المساجين من الطعام والشراب، فضلاً عن حرمانهم من التريّض وغيرها من الأمور التي تعد أبسط حقوقهم المنصوص عليها في لائحة السجون.
سوء المعاملة من قبل إدارة سجن "استقبال طرة" لا يقتصر على المساجين فقط، بل يشمل أهاليهم أيضاً أثناء الزيارات، إذ يضطرون للانتظار لساعات خارج السجن، إضافة إلى التضييق عليهم أثناء الدخول وأحياناً يتم منعهم من الزيارة، على الرغم من حصولهم على تصريح لذلك.
سوء المعاملة من قبل إدارة سجن "استقبال طرة" لا يقتصر على المساجين فقط، بل يشمل أهاليهم أيضاً
وكانت منظمات دولية عدة، من بينها "هيومن رايتس ووتش"، رأت أن سجن طرة بكل ملحقاته من أسوأ السجون في مصر. وهو ما أكدته "أ.ح."، وهي زوجة أحد المعتقلين، في شهادتها التي روت فيها المعاناة التي يواجهها الأهالي أثناء الزيارة، وسوء المعاملة أثناء تفتيشهم.
وقالت "أ.ح." لـ"العربي الجديد": "نبدأ في التواجد أمام مبنى السجن من الساعة الخامسة فجراً لنأخذ دوراً، ونقف تحت أشعة الشمس إلى حين تجميع البطاقات الخاصة بالزائرين، ثم يُرد علينا قرابة الساعة الثانية عشرة وأحياناً الثانية ظهراً حول ما إذا كان مسموحاً لنا بالزيارة التي لا تزيد عن عشر دقائق أم لا، على الرغم من أن الجميع لديهم تصاريح، والزيارات قانونية وفقاً للائحة السجون". وأضافت: "أغلب الوقت تُرفض الزيارات، وإذا سُمح لنا بالدخول نلاقي أسوأ أنواع المعاملة؛ بدءاً من التفتيش الذاتي، مروراً بمنع دخول أغلب مستلزمات السجين لأسباب غير مفهومة، وفقاً لتوصية إدارة السجن، إذا كانت هناك تعليمات بمضايقة أسرة المسجون ومنع دخول مستلزماته أو كافة احتياجاته، انتهاءً بإجبارنا على دفع رشاوى لأمناء الشرطة والعساكر لتسهيل دخولنا، وسط تواجد أمني يمنعنا حتى من الحديث الصريح بيننا وبين ذوينا".
سوء المعاملة والتعذيب داخل سجن "استقبال طرة" ليس أمراً جديداً أو مستحدثاً، فمنذ إنشائه عام 1977 بقرار من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، شهد استقبال السجناء من أصحاب الرأي والرؤى السياسية، وعلى رأسهم المنتمون لتيارات الإسلام السياسي، فضلاً عن العديد من قيادات اليسار. وقد ظهرت فيه العديد من الانتهاكات، بينها: الحبس الانفرادي، الصعق بالكهرباء، المنع من الزيارة، وغيرها من الانتهاكات المخالفة للقانون والدستور.
وحسب مبادرة "خريطة التعذيب" وهي مبادرة حقوقية مصرية، فقد شهد سجن طرة عام 1981، ازدحاماً شديداً نتيجة سلسلة الاعتقالات التي أمر بها السادات، والتي شملت أساتذة جامعات وصحافيين وسياسيين من المعترضين على سياسة السلام مع إسرائيل. وقد تحوّل السجن من مكان يضم المعتقلين المتشددين سياسياً والمغضوب عليهم من قبل النظام، إلى مكان يضم صفوة المجتمع المصري. وتم رفع قوة الحراسة في السجن وأُلحق به أفراد من القوات الخاصة، ومجندو قوات منطقة السجون والأمن المركزي.
وتحوّل سجن "استقبال طرة" في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك إلى مكان معروف بالتعذيب وسوء المعاملة، واعتُقلت فيه قيادات اليسار مع الإضرابات العمالية التي شهدتها مصر عام 1989، وتعرضت للكثير من أنواع التعذيب، واستمر الأمر إلى الآن. وعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، شهد سجن "استقبال طرة" ما يمكن وصفه بـ"حالة من الهدوء النسبي"، لكنها سرعان ما تلاشت بسبب الاعتقالات التي طاولت الكثير من الشباب بعد الثورة، ومن بينهم الناشط أحمد دومة الذي لا يزال في الحبس الانفرادي داخل سجن "استقبال طرة" منذ أكثر من 6 سنوات، ليعود السجن مرة أخرى لممارساته القديمة.
سوء المعاملة والتعذيب داخل سجن "استقبال طرة" ليس أمراً جديداً أو مستحدثاً
التضييق على المساجين وسوء معاملتهم يؤثران بشكل كبير على العديد منهم، ولا سيما على حالتهم النفسية التي قد تدفع بالبعض إلى الانتحار، مثلما حدث مع أسامة مراد، الذي يبلغ من العمر 40 عاماً، والمحكوم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات. فخلال اعتقاله، تعرض للعديد من الانتهاكات، فحاول الانتحار باستخدام آلة حادة نتيجة التعدي عليه بالضرب من قبل حراس السجن. وسبق أن حذّرت "منظمة العفو الدولية" في بيان لها العام الماضي من تردي أوضاع سجون طرة، وطالبت بفتح باب الزيارة لذوي المعتقلين وتحسين أوضاع الاحتجاز.
وأخيراً، وتحديداً في 11 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أعلن نزلاء سجن "استقبال طرة"، إضرابهم عن تسلم طعام السجن، بعد تصاعُد الانتهاكات التي تقوم بها إدارة الأخير ضدّ المحتجزين. وحصلت مبادرة "خريطة التعذيب" على التفاصيل الكاملة للإضراب وأسبابه، كاشفة عن الاعتداء على اثنين من السجناء بالصواعق الكهربائية في 1 أكتوبر الحالي، ووضعهما في التأديب مرتديين الملابس الداخلية فقط. وإلى جانب الاعتداء على السجناء، صعّدت إدارة السجن من انتهاكاتها ضد النزلاء، فجردت الزنازين بشكل كامل من أي طعام وشراب وملابس ودلاء المياه، وأزالت المرواح في بعض الزنازين. ومنذ 28 سبتمبر/أيلول الماضي، تم منع المساجين من زيارة العيادة أو الشراء من الأماكن المخصصة (الكانتين) أو التريض، كما تم منعهم من سحب أموالهم من الأمانات بشكل كامل، وأخيراً تم اتخاذ إجراء جديد وهو تقييد السجناء (بالكلبشات) أثناء الزيارات.
ونتيجة للتعنت ضدهم، رفع السجناء مطالب عدة أهمها "حضور النيابة والتثبت من حالة السجن والتحقيق مع من قاموا بالتعدي بالصواعق الكهربائية على السجناء، وإعادة التريض والسماح بزيارة العيادات والكانتين، والسحب من الأمانات كما كان الحال في السابق. بالإضافة إلى التوقف عن كلبشة السجناء داخل السجن وأثناء الزيارات، وإخراج جميع الذين تم وضعهم في التأديب، وإرجاع كل متعلقات السجناء التي تمت مصادرتها (الملابس، أواني الطعام وأغطية النوم والأدوية)".