جاء الحكم الأخير الصادر من محكمة القضاء الإداري في مصر، الثلاثاء الماضي، بعدم قبول الدعوى المقامة من المحامي ناصر أمين، التي يطعن فيها على قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيين حسني عبد اللطيف رئيساً لمحكمة النقض ورئيساً لمجلس القضاء الأعلى. ويطالب أمين بإلغاء قرار التعيين لـ"مخالفته أحكام الدستور، وإصابته بعيوب جوهرية".
وبدا القرار الجديد تطبيقاً عملياً للتعديلات القانونية التي أجريت في الأشهر الأخيرة، ومنعت المواطنين المصريين من مباشرة حقوقهم في الطعن على قرارات رئيس الجمهورية، أو أي قرارات حكومية، سواء القرارات التي تسمح بسيطرة و"تغول وهيمنة" السلطة التنفيذية على كافة السلطات الأخرى للدولة، أو القرارات التي تمس بمقدرات الدولة.
ونظمت هذه التعديلات إجراءات الطعن على عقود الدولة وقرارات الحكومة ورئيس الجمهورية، لتقصرها فقط على "من لهم الصفة والمصلحة المباشرة" من الطعن على هذه القرارات.
وجاء الحكم الصادر من المحكمة، الثلاثاء الماضي، برفض الطعن، لانتفاء شرطَي الصفة والمصلحة، وأنه "لا يجوز للمدعي أن يستند إلى المواطنة فقط في إقامة دعواه، إذ إن القانون اشترط في مقيم الدعوى أن تتوافر لديه الصفة والمصلحة في إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة".
وتابع نص الحكم: "ينبغي أن يكون الطاعن في حالة قانونية خاصة من القرار المطعون فيه، وأن يكون تم المساس بها وتؤثر في مصلحة شخصية مباشرة له، وهو ما قد انتفى في شأن المدعي في الدعوى الماثلة ومن ثم انتفى شرطا الصفة والمصلحة".
حجة "المواطنة"
أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة رأفت فودة أوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك فرقاً بين القرار الإداري والعقود العامة للدولة ومقدراتها، فالقرارات الإدارية لا تمس جموع المواطنين، بينما العقود العامة ومقدرات الدولة تمس المرافق العامة للدولة والتي يستخدمها جميع المواطنين، وهي في هذه الحالة أقرب لمفهوم (المواطنة)".
رأفت فودة: تم تعديل القانون وحرمان المواطنين من الطعن على قرارات السلطة التنفيذية
وأضاف فودة أنه "تم تعديل القانون وحرمان المواطنين من الطعن على قرارات السلطة التنفيذية من دون تمييز أو فصل بين الأمرين، وهي تعديلات تندرج بالضرورة تحت بند (عدم الدستورية)"، مشيراً إلى أن هذه التعديلات "تمت بغرض الاستثمارات وتلبية رغبات المستثمر".
ولفت إلى أن "القائمين على الأمر عدلوا القانون لكي يُرضوا المستثمر على حساب المواطن الذي منعناه من الطعن على العقود، وهو أمر غير دستوري". كما أوضح فودة أنه "بالنسبة للقرارات الإدارية، كحالة تعيين شخص أو أي قرارات إدارية أخرى، فالمواطنة وحدها لا تكفي لإلغاء هذه القرارات"، مشدداً على أن "هذا الأمر يقتصر على القرارات الإدارية فقط، وموجود في كل دول العالم".
بدوره، اعتبر الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التعديلات غير دستورية، والمبادئ الأساسية للمواطنة تكفل لكل مواطن الحق في اللجوء للقضاء للطعن على قرارات السلطة التنفيذية ومن يمثلها، بدءاً من رأس هذه السلطة وحتى أصغرها".
وأضاف أن "الدستور كفل حق المشاركة في الحياة العامة وهي من أساسيات المواطنة، وهي تعني أن لكل مواطن الحق بأن يشارك في الحياة العامة، وبالتالي فأي مواطن له المصلحة والصفة في الدعاوى القضائية المقامة لإلغاء أو تعديل القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية أو الحكومة أو العقود الحكومية، وذلك لأنها تمس حياته بشكل مباشر".
الطعن على القرارات
من جهته، أكد القاضي السابق المستشار محمد سليمان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "قصر مسألة الطعن بقرارات السلطة التنفيذية على أصحاب الصفة والمصلحة فقط في المطلق الكامل، هو أمر غير دستوري وغير قانوني ويتنافى مع المبادئ القانونية والدستورية وما انتهت إليه الأحكام الدستورية وأحكام محكمة النقض والقضاء الإداري".
وتابع سليمان: "كل مصري له الصفة في الطعن على القرارات التي تمس المواطنين ومقدرات الدولة المصرية، مثل قضايا الخصخصة، وبيع الممتلكات العامة للدولة، والتدخل في شؤون العدالة والتقاضي، واتخاذ أي قرارات تنظيمية أو غيرها، وكافة القرارات المختلفة الصادرة من رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية والتي تكون لها علاقة بحياة المواطنين أو مقدرات وطنهم، وهي جميعاً يحق للمواطن أن يقيم الدعاوى للطعن عليها باعتبارها تمس حياته ومقدرات وطنه وأبنائه وأحفاده ومستقبلهم".
أحمد حلمي: قصر التعديلات على أصحاب المصلحة أو الصفة أمر غير دستوري
كما أكد المحامي في النقض والمحكمة الدستورية العليا أحمد حلمي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "شرطَي الصفة والمصلحة في القضايا الخاصة بمجلس الدولة والقضاء الإداري، كانت دائماً ما تكون في أضيق الحدود الممكنة وفي حالات خاصة للغاية".
وأضاف أن "المحكمة الإدارية العليا كانت دائماً ما تذكر ذلك في أحكامها، حين كانت تبرز في أحكامها أنها حصن الحريات وقلعة الدفاع عن الحقوق والمقدرات والمواطنين، وكانت الأحكام تؤكد حق المواطن المصري في التقاضي والذود عن حقوقه ومقدرات وطنه ضد أي قرارات صادرة من السلطة التنفيذية تمس أيا من هذه الأمور".
وشدّد حلمي على أن "التعديلات وقصرها بشكل كامل على أصحاب المصلحة أو الصفة هو أمر غير دستوري قطعاً، وأحكام المحكمة الإدارية العليا ذاتها نصت على ذلك، وأحكام مجلس الدولة كانت تسير دائماً على مبدأ (التوسع في الطعن) كشكل من أشكال الرقابة على قرارات السلطة التنفيذية، وأن كل مواطن له حق في الطعن على قرارات الحكومة لأنها تمسه بشكل شخصي أو تمس حقوقه أو حياته أو حرياته أو مقدرات وطنه".