في الوقت الذي أعلن فيه بـ"مجلس أمناء الحوار الوطني" في مصر، عن انطلاق جلسات "المحور السياسي"، الأحد المقبل، تحت شعار "لا للخطوط الحمراء"، معتبراً أنها "خطوة في طريق الحوار الوطني، تؤسس لمبادئ الانفتاح، وإدارة التنوع، وفتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية المختلفة"، كانت النيابات والمحاكم في البلاد تنطلق بسرعة أكبر، في تجديد حبس عشرات المتهمين على ذمم قضايا سياسية، من بينهم صحافيون ونشطاء ومشجعو كرة قدم.
اعتقالات وتجديد حبس معتقلين سياسيين
وأعلن حزب المحافظين، الذي يشارك في الحوار الوطني، أول من أمس الأربعاء، أن قوات الأمن اعتقلت الخبير الاقتصادي ومسؤول الملف الاقتصادي في الحزب إيهاب سمرة، قبل أيام. واكتشف الحزب القبض على سمرة بعدما "تغيب عن الاجتماعات الحزبية وتعذر التواصل معه" عبر الهاتف، بحسب بيان للحزب.
وفي اليوم ذاته، قرّرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، تجديد حبس شاب مصري لرفعه علم فلسطين خلال مباراة بين النادي الأهلي المصري ونادي الرجاء المغربي، في بطولة دوري أبطال أفريقيا التي أقيمت في إستاد القاهرة الدولي، في شهر إبريل/نيسان الماضي، وذلك لمدّة 15 يوماً على ذمة القضية.
ووجّهت نيابة أمن الدولة العليا إلى الشاب المعني في القضية تهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية الغرض منها إثارة الفتن في داخل المجتمع المصري، والسعي إلى إسقاط نظام الحكم".
محمد لطفي: السلطات الأمنية لا تزال تعمل بنفس الشكل
والأربعاء أيضاً، نشرت الجريدة الرسمية، حكماً صادراً من محكمة جنايات القاهرة الدائرة (10 جنوب)، يقضي بتمديد إدراج جماعة الإخوان المسلمين، و1526 مصرياً على قوائم "الإرهاب"، لمدة 5 سنوات، وتضمنت الأسماء الصادر بحقها حكم التمديد كلا من الرئيس المصري الراحل محمد مرسي وأبنائه، والداعية (الراحل) يوسف القرضاوي وأبنائه، وعضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين الراحل عصام العريان، ورئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي. كما ضمّت القائمة لاعب منتخب مصر والنادي الأهلي سابقاً محمد أبو تريكة، والبرلماني السابق محمد البلتاجي، وأشرف ثابت، ومرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر وأبناءهما ومرشد الجماعة السابق مهدي عاكف، إضافة إلى شخصيات أخرى.
كما قررت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، الثلاثاء الماضي، تجديد حبس الناشط السياسي شريف الروبي، القيادي في حركة "6 إبريل"، لمدة 45 يوماً على ذمة التحقيقات، في القضية المتهم فيها الروبي "بالانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة"، وهي القضية التي حملت الرقم 1634 لسنة 2022 حصر أمن الدولة العليا.
وقال المحامي نبيه الجنادي، وكيل الروبي، والذي كان حاضراً معه جلسة النظر في أمر تجديد حبسه، إن موكله ظَهر الثلاثاء وللجلسة الثانية على التوالي غير قادر على الكلام بسبب التهاب حاد في العصب السابع، ورفض إدارة سجن أبو زعبل عرضه على مستشفى السجن.
وأضاف الجنادي أنه عرض الأمر على القاضي، وطلب منهم تقديم طلب له للعلاج، وأنه رغم تقدمه بأكثر من طلب إلى دوائر الجنايات وإلى النيابة العامة، تقدم الثلاثاء بطلب آخر.
وفي اليوم نفسه، كشف المحامي بالنقض والدستورية العليا في مصر، محمد أحمد، عن ظهور 13 مصرياً في مقرّ نيابة أمن الدولة، وذلك بعدما كانوا مخفيين قسرياً لمدد متفاوتة وصلت إلى 7 أشهر بالنسبة إلى عدد منهم.
وقال أحمد، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنه حضر جلسة تحقيق مع عدد من هؤلاء الذين كانوا ضحايا إخفاء قسري، مشيراً إلى أن الاتهامات تنوعت ما بين "الانضمام إلى جماعة إرهابية، والتحريض على التظاهر والعنف في أحداث 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والدعوى إلى تحقيق أهداف جماعة إرهابية بإسقاط نظام الحكم في مصر، ونشر أخبار ومعلومات كاذبة". وأضاف المحامي أن "نيابة أمن الدولة قرّرت حبسهم جميعاً على ذمة القضايا المختلفة لمدة 15 يوماً على ذمّة التحقيقات".
وأرجأت محكمة جنح أمن الدولة العليا طوارئ المصرية (التابعة لقسم ثان المنصورة)، الثلاثاء الماضي، عاشر جلسات محاكمة الباحث المصري الإيطالي باتريك جورج، إلى جلسة 18 يوليو/تموز المقبل، وذلك في القضية رقم 1086 لسنة 2021 المتهم فيها "بإذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة داخل مصر وخارجها، عن الأحوال الداخلية للبلاد من شأنها تكدير الأمن والسلم الاجتماعي".
وسلّمت هيئة الدفاع عن باتريك في جلسة الثلاثاء، مذكرتها القانونية التي تضمنت كافة الدفوع القانونية عن موكلها والتي فندت خلالها الاتهامات الموجهة إليه، وأكدت أنه لم يفعل سوى أنه استخدم حقه الأصيل في حرية الرأي والتعبير بالنشر على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وعلى إحدى المنصات الإخبارية. كما أكدت أن كتاباته لم تنطو على أي أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة. وطلبت الهيئة تحديد جلسة للنطق بالحكم بعد انتهائها من مرافعتها، لتقرر المحكمة الإرجاء لحين حضور رئيس الدائرة نظراً لتغيبه عن حضور الجلسة وحضور عضو يمين الدائرة بالإنابة عنه، مع استمرار إخلاء سبيل المتهم، واستلام مذكرة الدفاع.
ويواجه باتريك احتمالاً بصدور الحكم عليه بالحبس لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، يؤكد حقوقيون أنها "لا لشيء سوى ممارسة حقه المكفول دستورياً، وحريته المشروعة في التعبير عن الرأي". وكان ذلك في مقال بعنوان "تهجير وقتل وتضييق: حصيلة أسبوع في يوميات أقباط مصر" نشره في يوليو 2019، وعرض فيه بعض تفاصيل أسبوع في حياته كمسيحي مصري يتلقى أخباراً تخص أوضاع المسيحيين المصريين كشأن خاص وعام في آن واحد.
وجدّدت نيابة أمن الدولة العليا، الإثنين الماضي، 8 مايو/أيار، حبس 21 شخصاً من مشجعي النادي الأهلي المصري، لمدة 15 يوماً على ذمة القضية رقم 708 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا. وبعد تجديد حبس المشجعين، طالبت الشبكة العربية لحقوق الإنسان، النائب العام المصري، حمادة الصاوي، بالعمل على إخلاء سبيل مشجعي النادي الأهلي حرصا على مستقبلهم وتحقيقاً للعدالة.
وفي السياق ذاته، وللأسبوع الثاني، يستمر إخفاء مشجع النادي الأهلي الطالب عبد الرحمن زايد، وذلك بعدما ألقت قوة أمنية القبض عليه في 27 إبريل/نيسان الماضي، من منزله في قرية ميت بره، مركز قويسنا في محافظة المنوفية. وجاء القبض على زايد، وإخفاؤه قسراً، ضمن حملة الاعتقالات التي شنّتها وزارة الداخلية خلال الأسابيع الماضية، والتي طاولت العشرات من شباب مشجعي النادي أثناء وبعد مباراتهم الأخيرة مع نادي الرجاء المغربي والتي أقيمت على إستاد القاهرة منذ أسابيع.
وكانت محكمة الجنايات (الدائرة الأولى إرهاب)، قد قرّرت أيضاً، تجديد حبس الصحافية منال عجرمة، لمدة 45 يوماً، على ذمة تحقيقات القضية رقم 1893 لسنة 2022 (حصر أمن دولة عليا)، رغم تعدد المطالب بإخلاء سبيل عجرمة، لا سيما بعد وفاة والدها في 10 فبراير/شباط الماضي، لكي ترعى والدتها المسنة. كما تعاني عجرمة من مشاكل صحية بالعمود الفقري، تفاقمت مع استمرار حبسها والإهمال الطبي.
يعمل إعلاميون على التقليل من شأن ملف الحبس الاحتياطي
وألقت قوات الأمن القبض على عجرمة في نوفمبر الماضي بسبب آرائها السياسية، وتواجه اتهامات بالانتماء إلى جماعة إرهابية وتمويلها، التحريض على ارتكاب فعل إرهابي، الاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب فعل إرهابي، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في جريمة الترويج لفعل إرهابي.
لا مؤشرات على انفراجة حقوقية في مصر
وقال المعتقل السابق والمدافع عن حقوق الإنسان، عبد الرحمن طارق، لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار تجديد حبس المعتقلين في جلسات التجديد الدورية أمام نيابة أمن الدولة أو غرف المشورة في محاكم أمن الدولة، خصوصاً الذين أكملوا عامين من الحبس، وهي أقصى مدة للحبس الاحتياطي بحسب القانون، أو أولئك الذين تمّ تدويرهم على ذمة قضايا جديدة بنفس الاتهامات المنسوخة، دلالة على عدم وجود نية حقيقية لدى النظام لحدوث أي انفراجة سياسية أو حقوقية".
وأضاف: "كما أن هناك حشداً إعلامياً من الإعلاميين المقربين من النظام في مصر، والذين يعملون في القنوات التلفزيونية التابعة لجهاز المخابرات العامة، للتقليل من شأن وأهمية ملف الحبس الاحتياطي، وهو ما عبّر عنه الإعلامي أحمد موسى منذ أيام، وهذه هي الآلية التي تعتمدها الدولة المصرية، للتغطية على حجم انتهاكات حقوق الإنسان، والترويج إعلامياً بأن هذه القضية لا تهم المصريين، كي تستمر السلطة في تكميم الأفواه وحبس أي صوت مخالف".
من جهته، قال عضو حركة "الاشتراكيين الثوريين" حسام الحملاوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد أسبوع على بدء ما يسمى الحوار الوطني، أريد من أي شخص من المشاركين أن يوضح لنا أي تطور أو أي نوع من التغيير الإيجابي في المجال السياسي في مصر، منذ قبولهم الجلوس مع مندوبي مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني".
ولفت إلى أن "بعض الزملاء المشاركين، صرحوا بأن أسباب مشاركتهم تتمثل في محاولة الدفع لكي تعود مصر دولة مؤسسات، ولضرورة الضغط لحدوث (انفراجة سياسية)، ولكن ما أراه أن الوضع ليس فقط لم يتغير، إنما تراجع للأسوأ، فمثلاً الأحزاب المدنية المشاركة في الحوار الوطني لا يزال لديها عدد من أعضائها معتقلين في السجون المصرية وتم تجديد حبسهم في الأيام الماضية دون أي جديد في المشهد، وحصلت تضييقات وملاحقات أمنية لبعض أعضائها، كما حدث مع أقارب النائب السابق أحمد الطنطاوي، وكذلك التضييق على رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، وتشميع شقة أبنائها بالشمع الأحمر، والقبض على أحد أهم وأبرز قيادات حزب المحافظين".
إلى ذلك، اعتبر المحامي والحقوقي المصري، والمدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد لطفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات الأمنية المصرية القمعية بجانب المنظومة القضائية ما زالت تعمل بنفس الشكل والكفاءة، وبل ونفس الوتيرة، ذلك طالما لم تصدر أوامر مباشرة ولم يتم توجيهها إلى سلوك مختلف، وعلى ما يبدو أن تكون هذه النية في إدارة المرحلة المقبلة، لحين الانتهاء من الحوار الوطني والانتخابات الرئاسية المقبلة".
وأضاف لطفي: "كل ما نتلقاه عبارة عن أحاديث عن انفراجة بدون قرارات فعلية"، معتبراً أن "أهم عامل رئيسي في غياب هذه الإرادة هو استمرار الضلع الأساسي للقمع في ممارسة نشاطه، وهو جهاز الأمن الوطني ونيابة أمن الدولة العليا".