على الرغم من مرور نحو شهر على إعلان ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"، التي تضم أحزاباً وقوى سياسية مصرية، قبولها الانخراط في "الحوار" الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إبريل/ نيسان الماضي، إلا أنه حتى الآن لم تتخذ الدولة أي خطوات باتجاه التدشين الفعلي للحوار. كما أنها لم تلبِ أي شروط من التي وضعتها الحركة للدخول في الحوار، ومع ذلك لا يزال أعضاء الحركة يجتمعون ويتفاعلون مع الدعوة.
وكانت "الحركة المدنية الديمقراطية" قد طالبت في 8 مايو/ أيار الماضي، في بيان، بضرورة أن "ينطلق الحوار خلال أيام قليلة". وقالت إن "الوقت ملك الوطن الذي تتعقد أزماته والشعب الذي تتدهور أحواله، على أن يستمر حتى صياغة النتائج النهائية والاتفاق على برنامج واضح لكيفية ومواعيد تنفيذها".
كذلك طالبت الحركة بأن "يجرى كل ذلك تحت سمع وبصر الشعب عبر بث الجلسات من خلال وسائل الإعلام المتنوعة، والتي يجب أن تتحرر من سيطرة السلطة السياسية لتصبح هي ذاتها السلطة الشعبية التي تحكمها في أداء عملها فقط القواعد المهنية ومواثيق الشرف الصحافية والإعلامية".
وكان اللافت أن وسائل الإعلام التابعة للدولة، تحديداً المملوكة لجهاز المخابرات العامة عبر شركة "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" التي تدير معظم صحف ومواقع وقنوات مصر، لم تقم بنشر بيان الحركة المدنية أصلاً، ولا أية تصريحات صادرة عن أعضائها.
كما أن الدولة لم تبدأ فعلياً في الإعداد لجلسات الحوار المفترض، باستثناء إصدار "الأكاديمية الوطنية للتدريب" الخاضعة لإشراف مباشر من السيسي، في 10 مايو الماضي، بياناً ذكرت فيه أنها ستدير "الحوار الوطني" الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، في 26 إبريل الماضي، بـ"كل تجرد وحيادية تامة"، و"اقتصار مهمتها على التنسيق بين الفئات المختلفة المشاركة في الحوار، من دون التدخل في مضمون أو محتوى المناقشات التي سيشملها". ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أي تطور في مسألة الحوار.
وكشفت مصادر حزبية وسياسية مشاركة في الجلسات التحضيرية لـ"الحوار السياسي" الذي دعا إليه السيسي، عن أسباب أغضبت الرئيس من طريقة تعامل بعض قوى المعارضة مع دعوة الحوار، بينها وضع شروط معينة، مثل الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ووضع أجندة واضحة للحوار، وإذاعة الجلسات على الهواء مباشرة.
حديث عن الانتخابات الرئاسية المبكرة في مصر
وقالت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن أكثر ما أغضب السيسي والدائرة المقربة منه، في اقتراحات بعض المعارضين بخصوص الحوار، هو الحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة.
وأضافت المصادر أن "أقصى ما كان يفكر فيه الرئيس السيسي، عند الدعوة للحوار، بأن يكون الحوار عبارة عن جلسات استماع كالتي تعقد في ما يسمى بمؤتمر الشباب الدولي، تعرض خلالها الحكومة إنجازاتها على شاشات العرض الكبيرة أمام المشاركين بالحوار. ثم يدور النقاش حولها، وليس أكثر من ذلك، والدليل أن السيسي نفسه قال منذ فترة وخلال افتتاح مشروع مستقبل مصر الزراعي مخاطباً رئيس الوزراء: (حبايبنا جايين لنا، اعرضوا عليهم المشروعات يا دكتور مصطفى)، في إشارة واضحة إلى الحوار المرتقب".
فكرة الحوار تراجعت في رأس السيسي وأصبحت مجرد ورقة سياسية
وأوضحت المصادر أن "توقعات السيسي بالنسبة للحوار كانت تتوقف عند هذه الحد، وهو الحديث عن المشروعات والأمور الاقتصادية للبلاد فقط لا غير، واستغلال تلك الصورة في تصديرها إلى الغرب، للإيحاء بأن هنالك حواراً وطنياً، وتشاركاً في عملية صنع القرار، ولكن أن يمتد الحوار ليشمل قضايا سياسية عميقة وشائكة مثل طرح الانتخابات الرئاسية المبكرة، أمر لم يكن يتخيله السيسي".
وأضافت: "لذلك فإن فكرة الحوار نفسها يبدو أنها تراجعت في رأسه، وأصبحت مجرد ورقة يستخدمها السيسي في أي لقاءات مع مسؤولين غربيين، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي من المفترض أنه سيزور المنطقة قريباً".
وأشارت المصادر إلى أن رئيس حزب "الكرامة" النائب السابق أحمد طنطاوي "أصر خلال الجلسات الأولى بين مجموعة أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية على التمسك بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، يسبقها فتح المجال العام، وترك الحرية للشعب هو من يحدد إذا ما كان متمسكاً ببقاء النظام الحالي أم لا".
وقالت: "كانت تلك الجلسات على الهواء مباشرة بطبيعة الحال، بمعنى أنها كانت مسجلة وتتم متابعتها من قبل أجهز الدولة المعنية بمتابعة النشاط السياسي".
وأضافت أن "بعض الشخصيات البارزة المشاركة في الجلسات التمهيدية للتوافق على أجندة واضحة للمعارضة للمطالبة خلال جلسات الحوار، تلقت اتصالات من اللواء عباس كامل مدير جهاز المخابرات، والذي نقل لهم انزعاج السيسي مما طرحه طنطاوي، مطالباً بضرورة إقناعه بعدم طرح تلك الرؤية مجدداً، إذا كان شركاء معسكر 30 يونيو يرغبون في مواصلة المبادرة الرئاسية للحوار".
وأكدت المصادر أن "الدعوة التي أطلقها السيسي بدا واضحاً أنه كان مخططاً لها أن تنحصر في إجراءات متعلقة بالإفراج عن النشطاء والشخصيات السياسية من أعضاء المنتمين لمعسكر 30 يونيو فقط".
وتابعت أن "الحديث عن تعديلات القوانين المتعلقة بالحياة السياسية تسبب أيضاً في إزعاج الرئيس ودائرته المقربة، مما دفع اللواء عباس كامل ومساعده أحمد شعبان إلى توجيه تحذيرات لرموز المجموعة المعروفة بالحركة المدنية الديمقراطية، بأن ملف المعتقلين والسجناء يمكن أن يشهد تراجعاً عن الخطوات المحددة له، إذا استمرت وتيرة الانتقادات للقيادة السياسية وطريقة إداراتها للدولة".
رُفع تقرير سيادي إلى السيسي حذر من تنامي شعبية طنطاوي في أوساط الناس بشكل كبير
وأوضحت المصادر أن كامل وشعبان "طالبا المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي بحصر الحديث في ملف السجناء فقط"، مؤكدين أنه "إذا تم الالتزام بما تم الاتفاق عليه، سيكون هناك تقدم كبير في هذا الملف".
ووفقاً لها، فإن "ما يمكن وصفه بتوجيهات من جانب ممثلي الدولة، لبعض رموز المعارضة المصرية بضرورة الحديث عن أن خطر الإخوان لم ينته، وتعظيم ذلك، والتأكيد على التمسك بعدم السماح لهم بالانخراط في الحياة السياسية مجدداً تحت أي ظرف".
وأشارت إلى أن "هناك حالة انزعاج واضحة لدى الدوائر الرسمية المقربة من الرئيس من تراجع حماسة النخب السياسية وبالتحديد معسكر 30 يونيو، تجاه رفض الإخوان، وإبداء التعاطف الإنساني تجاه قضايا بعض قيادات الجماعة المحبوسين على ذمة قضايا سياسية".
ولفتت المصادر إلى أن "إشارات أخرى صدرت لبعض الرموز السياسية، ومن بينها وزير القوى العاملة السابق كمال أبو عيطة، عضو لجنة العفو الرئاسي، بعدم الحديث عن ملف إدراج المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح ضمن قوائم العفو الرئاسي".
ورأت أن "هناك تصوراً خاصاً في ما يخص ملف أبو الفتوح، تحديداً لدى أجهزة الدولة المعنية"، مستبعدة في الوقت ذاته أن يكون هناك تصوّر لإطلاق سراحه في وقت قريب.
قضية أبو الفتوح
واعتبرت المصادر أن "الدولة تحتفظ بأبو الفتوح تحديداً كورقة يمكن المساومة بها، إذا اشتد الضغط الدولي في قضية الإفراج عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين".
وأوضحت أن "أجهزة الدولة تحرص على تصنيف أبو الفتوح كإخواني، رغم أنه ليس كذلك، من أجل تصوير الإفراج المحتمل عنه في حال زاد الضغط الدولي، وكأنه انفراجة في ملف المعتقلين من قيادات جماعة الإخوان، وهو الملف الذي أصبح يتردد على نطاق واسع بين المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وحتى في بعض الدوائر الغربية، والتي يتحدث دبلوماسيوها مع بعض المسؤولين المصريين في هذه القضية، مشددين على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية".
في المقابل، أوضحت المصادر أن "هناك تقديرات أمنية حذرت السيسي بشأن أحمد طنطاوي"، لافتة إلى "أن تقريراً سيادياً رفع أخيراً إلى السيسي، حذر من تنامي شعبية طنطاوي في أوساط الناس بشكل كبير، وهو ما قد يكون مصدر إزعاج سياسي مستقبلاً".
ووجّه طنطاوي أخيراً انتقادات لاذعة للقيادة السياسية المصرية، بشأن إدارة موارد الدولة وتوظيفها بشكل سلبي "أهدر مقدرات الدولة المصرية في مشروعات لم تكن تمثل أولوية"، وهو الأمر الذي أثار حفيظة السيسي نفسه، بعدما خرج على الهواء مباشرة متحدثاً عمن "يضع رجلاً على رجل ويخرج يتحدث في أمور الدولة من دون أن يكون لديه معلومات ولا يعرف كيفية إدارة الدولة وتحدياتها"، في إشارة إلى حديث طنطاوي على فضائية "بي بي سي" أخيراً.